• اخر تحديث : 2025-09-11 14:10
news-details
مقالات مترجمة

مجلة أميركية: هل تُجبر "إسرائيل" ترامب على الاستسلام؟


مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب تريتا بارسي، يتناول الغارة الإسرائيلية على الدوحة وما كشفته من أبعاد سياسية وعسكرية أوسع تتعلق بعلاقة الولايات المتحدة مع "إسرائيل" ودول الخليج.
 
المقال يضع الغارة على الدوحة في إطار أوسع يتعلق بتراجع النفوذ الأميركي وتنامي تبعية واشنطن لـ "إسرائيل"، مع التشكيك في مصداقية الحماية الأميركية لحلفائها الخليجيين. أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
 
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب للصحفيين خارج أحد مطاعم واشنطن مساء الثلاثاء إنه يشعر باستياء عميق إزاء قصف "إسرائيل" لقطر، الشريك الوثيق للولايات المتحدة في الخليج العربي، والذي استضافت بناء على طلب واشنطن القيادة السياسية لحركة حماس منذ عام 2012.
 
وأضاف ترامب: "أنا لست سعيداً حيال ذلك، ولا بالوضع برمّته"، ونفى الرئيس الأميركي أن تكون "إسرائيل" قد أخطرته مسبقاً بالهجوم، قائلاً: "علينا استعادة الرهائن. لكنّني غير راض جدّاً عن الطريقة التي سارت بها الأمور".
 
قد يكون ترامب مستاء بالفعل، لكنّ نتنياهو يُظهره بالصورة نفسها التي أظهر بها سلفه الرئيس بايدن، حيث يصدران بيانات غاضبة بشأن تصرّفات "إسرائيل" التي تقوّض بلا لبس المصالح الأميركية في المنطقة، مع أنّ تصرّفات تلّ أبيب لا يمكن أن تحدث على الأرجح من دون موافقة ضمنية من واشنطن، في حين لم يظهر بايدن ولا ترامب أيّ مؤشّر على أنّ "إسرائيل" ستواجه عواقب نتيجة تحدّيها المزعوم للولايات المتحدة.
 
ولزيادة الأمر سوءاً، كشف وزير الخارجية القطري محمد بن جاسم آل ثاني عن أنّ التحذير الأميركي لم يأت قبل الضربة الإسرائيلية، بل بعد أن أصبحت الدوحة بالفعل تحت القصف. وقال آل ثاني: "لقد وقع الهجوم في الساعة 3.46، وكانت أوّل مكالمة تلقّيناها من مسؤول أميركي في الساعة 3.56 أي بعد الهجوم بعشر دقائق".
 
سواء أكانت واشنطن على علم بخطط الحرب الإسرائيلية، أم متواطئة فيها، أم أنّ ترامب كان صادقاً، فالنتيجة واحدة: "إسرائيل" وجّهت ضربة قوية لمصداقية الولايات المتحدة الأميركية. فما قيمة المظلّة الأمنية الأميركية في المنطقة، أو حتى استضافة قواعد عسكرية أميركية، إذا كانت الولايات المتحدة إمّا تشارك في مؤامرة ضد هذه الدول، أو تُثبت عدم رغبتها أو عجزها عن منع الهجوم؟ هذا هو السؤال الذي يواجه الآن كل شريك أميركي في منطقة الخليج، حيث تعتمد هذه الدول في بقائها على الحماية الأميركية.
 
وبالنظر إلى أنّ واشنطن قد أزالت كلّ قيد جوهري عن "إسرائيل" منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، كان ينبغي على القادة الأميركيين أن يدركوا أنّ ما نشهده اليوم كان نتيجة حتمية.
 
لا أعتقد أنّ على الولايات المتحدة أن تقدّم ضمانات أمنية، سواء كانت مبطّنة أو صريحة، لأي دولة في الشرق الأوسط. فالمنطقة لم تعد حيوية للمصالح الأميركية، فيما تعاني الولايات المتحدة أصلاً من إنهاك خطير. ومن ثمّ، يجب إعادة تقييم الالتزامات الأميركية القائمة والتراجع عنها عند الضرورة، ولكن بطريقة مدروسة وبشروط تضعها واشنطن نفسها، لا بما يخضع للتخريب الإسرائيلي. فالغاية من هذا التقييم هي تعزيز مصداقية الالتزامات الأميركية الجوهرية، لا تقويضها في جميع المجالات.
 
ولزيادة الطين بلّة، لم تقتصر "إسرائيل" على تقويض مصداقية الضمانات الأمنية الأميركية، بل مسّت أيضاً مكانتها الدبلوماسية. وهذه هي المرة الثانية هذا العام التي تستغل فيها "إسرائيل" الغطاء الدبلوماسي الذي تقوده واشنطن لشنّ عمل عسكري غير قانوني؛ إذ كانت المرة الأولى عندما شنّت هجوماً على إيران خلال محادثات نووية معها في حزيران/يونيو الماضي.
 
وربما ترى "إسرائيل" فوائد واضحة في تقويض مصداقية الدبلوماسية الأميركية، إذ إنّ واشنطن العاجزة عن التفاوض تُرغم عملياً على اتباع قيادة "إسرائيل" في مغامرات عسكرية متهورة تتعارض مع مصالحها الحيوية. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن ذلك أمر كارثي بكل معنى الكلمة.
 
السؤال الآن هو: كيف سيردّ ترامب؟ فإذا كان ادعاؤه صحيحاً بأنّه لم يتلقَّ أي إشعار مسبق ولم يتواطأ مع "إسرائيل"، فإنّ مجرّد التعبير عن الاستياء لا قيمة له ما لم يقترن بعواقب حقيقية تمنع تكرار تقويض "إسرائيل" للمصالح الأميركية.
 
منذ أواخر أيار/مايو الماضي، خضع ترامب لنتنياهو في كل جبهة تقريباً، من إيران إلى غزة إلى لبنان، وباستمرار على حساب الولايات المتحدة. وهذا الخضوع المهين لم يشجّع نتنياهو فحسب، بل جعله أكثر ازدراءً لترامب ولأولويات واشنطن، ليبلغ الأمر ذروته الآن بالضربة الوقحة على الدوحة.
 
وربما تدفع هذه الحادثة ترامب إلى إدراك حماقة إسناد السياسة الأميركية في الشرق الأوسط إلى "إسرائيل"، وهو وحده من يملك القدرة على قلب المعادلة وعكس المسار.