• اخر تحديث : 2025-09-16 12:21
news-details
قراءات

دوافع القبول الإفريقي لترحيل مهاجرين من الولايات المتحدة


تشهد القارة الإفريقية تحولاً نوعياً في أنماط تفاعلها مع الولايات المتحدة الأمريكية، في ضوء السياسات الجديدة التي تتبناها إدارة الرئيس دونالد ترامب تجاه ملف الهجرة، والتي أسفرت عن إبرام اتفاقيات مع عدد من الدول الإفريقية لاستقبال مهاجرين مُرحلين من "دول ثالثة" لا تربطهم بها أي صلة مباشرة. وتُعد رواندا من بين أبرز هذه الدول المُستقبلة لمهاجرين؛ حيث أكدت في 28 أغسطس 2025 أنها استقبلت 7 مهاجرين رُحّلوا من الولايات المتحدة؛ لتصبح ثالث دولة إفريقية تنخرط في ترتيبات من هذا النوع بعد جنوب السودان ومملكة إسواتيني. وسبق أن استقبلت جنوب السودان 8 رجال مهاجرين من الولايات المتحدة في يوليو الماضي، وبعد أسبوعين أكدت واشنطن أنها أرسلت 5 رجال مُرحلين آخرين إلى مملكة إسواتيني. أيضاً، أعلنت أوغندا إبرام اتفاق مماثل يقضي باستقبال أفراد غير مؤهلين للجوء في الولايات المتحدة ولا يرغبون في العودة إلى أوطانهم. 
 
ويطرح هذا الواقع تساؤلات حول دوافع بعض الدول الإفريقية للانخراط في مثل هذه الاتفاقيات مع إدارة ترامب، والتداعيات المُحتملة لذلك، وهل ستؤدي الاتفاقيات إلى إعادة تشكيل العلاقة بين واشنطن وتلك الدول؟
 
دوافع إفريقية:
 
تتعدد دوافع بعض الدول الإفريقية في قبول استقبال المهاجرين المُرحلين من الولايات المتحدة، بين حسابات سياسية، واعتبارات اقتصادية، وغيرها. ويمكن إجمال أبرز هذه الدوافع فيما يلي: 
 
1- تسوية ملفات سياسية مع واشنطن: تُمثل الاعتبارات السياسية دافعاً رئيسياً وراء انخراط بعض الدول الإفريقية في مثل هذه الاتفاقيات. ففي جنوب السودان، تسعى إدارة الرئيس سلفا كير إلى توظيف التعاون في هذا الملف كأداة لفتح الباب أمام رفع العقوبات الأمريكية عن مسؤولين كبار، مثل نائب الرئيس بنيامين بول ميل، واستعادة الدعم الأمريكي في إدارة النزاعات الداخلية. 
 
أما أوغندا، فترى في قبول المهاجرين وسيلة لتعزيز موقع الرئيس يوري موسيفيني، الذي يحكم البلاد منذ ما يقرب من أربعة عقود وأعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في يناير 2026، فضلاً عن تخفيف التوتر مع واشنطن بعد إقرار قانون مكافحة المثلية عام 2023.
 
وفي رواندا، يندرج التعاون ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى ترسيخ مكانتها كشريك موثوق للغرب والحصول على دعم أمريكي في صراعها مع جمهورية الكونغو الديمقراطية. بينما تستخدم مملكة إسواتيني ملف استقبال مهاجرين من الولايات المتحدة كورقة للحصول على دعم سياسي أو اقتصادي أمريكي.
 
2- الحصول على دعم اقتصادي: يشكل البُعد الاقتصادي عاملاً محورياً في موافقة بعض الدول الإفريقية على اتفاقيات استقبال المهاجرين؛ إذ يرتبط ذلك بالضغوط المالية والقيود الهيكلية التي تواجهها هذه الدول، من عجز مستمر في الموازنات العامة، وتراكم الديون الخارجية، ونقص التمويل في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم؛ ما يحد من قدرتها على تلبية الاحتياجات الداخلية. وفي هذا السياق، قد توفر الاتفاقيات مع واشنطن منفذاً للحصول على دعم مالي مباشر منها أو تمويل مشاريع تنموية محددة؛ بما يعزز تدفق العملة الصعبة ويتيح فرصاً اقتصادية ملموسة، كما تمنح هذه الآلية الحكومات وسيلة غير مباشرة لتحفيز النشاط الاقتصادي دون الحاجة إلى زيادات كبيرة في الإنفاق الحكومي.
 
3- الاستجابة لضغوط التأشيرات الأمريكية: في إبريل 2025، فرضت واشنطن قيوداً مشددة على منح التأشيرات لمواطني عدة دول إفريقية، من بينها جنوب السودان، ما أثر في الطلاب ورجال الأعمال والجاليات الإفريقية المقيمة في الولايات المتحدة. وشكلت هذه القيود أداة ضغط وظفتها واشنطن بطريقتين؛ الأولى الضغط على الدول التي فُرضت عليها القيود لإجبارها على استقبال المهاجرين مقابل رفع هذه القيود؛ والثانية توجيه رسائل تحذيرية للدول التي رفضت استقبال المهاجرين بأن استمرار موقفها قد يؤدي إلى فرض قيود تأشيرات مماثلة عليها.
 
4- تعزيز المكانة الدولية: تسعى بعض الحكومات الإفريقية، وخاصةً تلك التي تواجه انتقادات متزايدة بشأن أوضاعها الداخلية، إلى استثمار التعاون مع الولايات المتحدة في ملف المهاجرين كوسيلة لتحسين صورتها على الصعيد الدولي؛ إذ يُقدم قبول استقبال المهاجرين باعتباره مساهمة في معالجة قضية إنسانية عالمية؛ مما قد يمنح هذه الدول صفة "الشريك المسؤول" أمام المجتمع الدولي. وربما يسهم هذا النهج في تقوية الموقف التفاوضي لبعص الدول الإفريقية في علاقاتها مع القوى الدولية الكبرى.
 
معادلات جديدة:
 
تفرض حملة ترحيل المهاجرين التي تقودها إدارة ترامب، إعادة تشكيل أنماط العلاقة بين واشنطن وبعض الدول الإفريقية، عبر معادلات جديدة تجمع بين الضغوط والفرص، وتفتح المجال أمام تحولات في طبيعة الشراكات، وذلك على النحو التالي:
 
1- إعادة ترتيب أولويات التعاون: أصبح ملف الهجرة يُشكل أولوية في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وبعض الدول الإفريقية، متجاوزاً في أهميته العديد من الملفات التقليدية مثل التنمية الاقتصادية أو التعاون في مكافحة الإرهاب؛ الأمر الذي يعكس تحولاً في طبيعة أجندة الشراكة بين الجانبين.
 
2- استخدام الهجرة كأداة ضغط دبلوماسي: يُوظف ترامب ملف الهجرة كأداة مساومة دبلوماسية؛ إذ تضطر الدول الإفريقية الراغبة في تحسين علاقاتها مع واشنطن أو الحصول على امتيازات، إلى قبول ترحيل مهاجرين لا صلة لهم بها؛ ما يحول العلاقة إلى صيغة مشروطة ذات "طابع ابتزازي" لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية للولايات المتحدة.
 
3- تهديد الشراكة المتكافئة وإعادة سرديات الاستغلال: تعكس حملة الترحيل الحالية تحول العلاقة بين واشنطن وبعض الدول الإفريقية إلى علاقة غير متكافئة؛ إذ تتم معاملة بعض الدول كأدوات لتنفيذ سياسة داخلية أمريكية دون مراعاة الأوضاع المحلية لهذه الدول أو مصالح شعوبها. كما يرى آخرون أن هذه السياسة الأمريكية تُمثل امتداداً لصيغ استعمارية حديثة؛ إذ تُستخدم القارة كساحة لحل مشكلات العالم المتقدم، ما يعيد الحديث حول مدى جدية الولايات المتحدة في إقامة شراكات متكافئة وتجنب استغلال إفريقيا لتحقيق مصالحها الداخلية.
 
تأثيرات سلبية:
 
قد يترتب على انخراط بعض الدول الإفريقية في اتفاقيات استقبال المهاجرين المُرحلين من الولايات المتحدة، تداعيات سلبية، تشمل الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ويمكن تلخيصها كما يلي:
 
1- انقسام الموقف الإفريقي: يسعى الاتحاد الإفريقي إلى تبني موقف موحد في قضايا الهجرة، غير أن هذه الاتفاقيات مع واشنطن أسفرت عن انقسام واضح بين الدول الإفريقية؛ إذ وافق بعضها على تلك الاتفاقيات في حين رفضتها دول أخرى مثل نيجيريا؛ ما يضعف قدرة القارة السمراء على التفاوض بشكل جماعي في المحافل الدولية فيما يتعلق بقضايا الهجرة.
 
2- تنامي الاحتجاجات والغضب الشعبي: يُمثل استقبال المهاجرين مصدر توتر داخلي في بعض الدول الإفريقية، كما ظهر في مملكة إسواتيني التي شهدت احتجاجات ومخاوف مجتمعية اعتراضاً على استقبال مهاجرين من الولايات المتحدة، كما قد يتشكل لدى شعوب الدول المُستضيفة انطباع بأن أنظمتها الحاكمة تخضع لضغوط خارجية؛ ما يضعف استقلالية قراراتها السيادية. وقد يُسهم ذلك في تعميق الغضب الشعبي، وتهديد الاستقرار السياسي والاجتماعي، ولا سيّما في ظل غياب الشفافية حول تفاصيل هذه الاتفاقيات.
 
3- زيادة الضغط على الخدمات والبنية التحتية: تتعرض الدول المُستقبلة للمهاجرين لضغوط كبيرة على بنيتها التحتية، ولا سيّما في قطاعات الصحة والتعليم التي تعاني أساساً من نقص الموارد والإمكانات؛ حيث إن استقبال أعداد إضافية من المهاجرين يستلزم تقديم خدمات إضافية في ظل محدودية التمويل؛ مما يشكل تحدياً لاستدامة الدعم ودمج المهاجرين بشكل فعال داخل المجتمع. ومن دون خطط طويلة الأمد أو دعم دولي كافٍ، قد تتفاقم هذه الضغوط لتنعكس سلباً على جودة الخدمات المُقدمة لجميع السكان، ولا سيّما إذا ازداد عدد المهاجرين. 
 
4- الآثار الاقتصادية: على الرغم من أن اتفاقيات استقبال المهاجرين قد تُوفر دعماً مالياً مؤقتاً يسهم في تحفيز النشاط الاقتصادي المحلي؛ فإن هذا الدعم لا يُعالج المشكلات الاقتصادية الهيكلية التي تواجهها الدول المُستقبلة؛ إذ تتحمل الحكومات أعباءً إضافية لتوفير الخدمات والاحتياجات الأساسية للمهاجرين؛ مما يزيد العجز المالي ويؤثر سلباً في الاستقرار الاقتصادي.
 
5- تنامي المخاطر الأمنية: تُعد المخاطر الأمنية أحد أبرز التحديات التي تواجهها الدول المُستقبلة للمهاجرين من الولايات المتحدة؛ حيث قد يحمل بعض المُرحلين سجلات جنائية أو خلفيات تُشكل تهديداً للأمن الداخلي، كما قد تؤدي الفروق الثقافية والاجتماعية بين السكان المحليين والمهاجرين إلى تصاعد التوترات والنزاعات، ولا سيّما في المناطق التي تشهد منافسة على فرص العمل والموارد المحدودة. وقد تؤدي هذه العوامل إلى زيادة الضغط على الأجهزة الأمنية، وتهديد استقرار المجتمعات الإفريقية.
 
6- تضرر السُمعة الدولية: قد تنعكس اتفاقيات استقبال المهاجرين سلباً على سُمعة الدولة الإفريقية المُستقبلة للمهاجرين، وتؤثر في قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية، خاصةً إذا تم اتهامها بأداء دور "المستودع البشري" للمهاجرين غير المرغوب فيهم، مما قد يؤثر في صورتها الخارجية.
 
مسارات مُحتملة:
 
من المُرجح أن تستمر ظاهرة ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة إلى بعض الدول الإفريقية في الفترة القادمة، خاصةً في ظل استمرار الضغوط الأمريكية على حكومات هذه الدول وغيرها لقبولهم. وتعكس هذه السياسة محاولة أمريكية لتحويل عدد متزايد من الدول الإفريقية إلى محطات لإعادة توطين المهاجرين، ضمن ما يُعرف بـ"التفريغ الجغرافي" لأزمة الهجرة في الولايات المتحدة. وتشير القمة التي جمعت الرئيس ترامب مع قادة دول غرب إفريقيا (السنغال، وموريتانيا، وغينيا بيساو، وليبيريا، والغابون) في يوليو الماضي، إلى استعداد واشنطن لتوسيع نطاق هذه السياسة. وقد برز خلال النقاش موضوع الترحيل إلى "دول ثالثة"، ما يعكس المساعي الأمريكية لبناء شبكة إقليمية تُستخدم لترحيل المهاجرين عبر صفقات فردية تحافظ على الغموض القانوني وتخفي شروطها عن الرأي العام.
 
وبناءً على ذلك، من المُتوقع أن تشهد الفترة المقبلة انضمام دول إفريقية أخرى إلى قائمة الدول المُوقعة على اتفاقيات مع واشنطن لاستضافة مهاجرين، ومن أبرز الدول المرشحة لذلك؛ بنين وزيمبابوي والغابون.
 
ويجدر التأكيد أن مستقبل هذه الظاهرة مرتبط بالسياق السياسي داخل الولايات المتحدة؛ ففي حال استمرار حكم الحزب الجمهوري، قد تتعزز سياسة ترحيل المهاجرين نحو إفريقيا. أما إذا عاد الحزب الديمقراطي إلى السلطة، فقد تتم مراجعة مثل هذه السياسات جزئياً أو تجميد بعض تطبيقاتها، ولا سيّما الإجراءات التي تُثير انتقادات قانونية وحقوقية؛ مما يعكس اختلاف الرؤى بين الحزبين في إدارة ملف الهجرة.
 
وبالنسبة للقارة الإفريقية، فإنه على المدى المتوسط قد تواجه هذه السياسة مقاومة متزايدة، سواء على المستوى الشعبي أم من قِبل منظمات المجتمع المدني، خاصةً إذا بدأت آثارها الاجتماعية والأمنية تظهر بشكل ملموس؛ إذ إن استقبال مهاجرين لا يرتبطون بأي سياق تاريخي أو ثقافي أو قانوني بالدول المضيفة قد يُنظر إليه كمساس بالسيادة الوطنية، ويعيد إنتاج خطاب الهيمنة الغربية بصيغة جديدة.
 
ختاماً، ربما يشهد ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة إلى بعض الدول الإفريقية، توسعاً خلال السنوات المقبلة، غير أن استمرار ذلك يعتمد على عدة عوامل، منها قدرة الدول الإفريقية على تحمُّل الضغوط السياسية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة على استقبال المهاجرين، ومدى التزام واشنطن بوعودها الاقتصادية والسياسية التي قد تكون غير مضمونة عملياً، فضلاً عن الأبعاد الاستراتيجية المتعلقة باستقلالية القرار الوطني للدول المضيفة وقدرتها على حماية سيادتها ومصالح شعوبها، والتأثيرات المُحتملة في الاستقرار الأمني والاجتماعي والبنية المؤسسية للدول المعنية، وكذلك البعد الحقوقي والإنساني؛ إذ قد يؤدي استقبال المهاجرين دون إطار تنظيمي واضح إلى توترات داخلية وانتقادات دولية.