بلا تهويل أو تهوين، مر أكثر من قرن على صراع الشعب الفلسطيني مع كيان الاحتلال، شهد خلالها محطات نضالية مختلفة، منظمة التحرير قدمت اعترافاً باسم فلسطين، بالكيانً مقابل التعايش بسلام على أقل من رع مساحة فلسطين الانتدابية، المواقف الدولية المتذبذبة، وحتى سياسات التمييع والتسويف والمماطلةً التي استمرت أكثر من ثلاثين عاماً، العالم بدا وكأنه يُخدر ويعطي ابر بنج وزاد الأمر عن حدّه.
حتى المبادرة العربية التي تحولت لاحقاً إلى مبادرة إسلامية، بدأ البعض يتجاوزها، لكن الدماء التي سالت في غزة وموارد الصمود لم تتوقف رغم التغير في المواقف العربية والإقليمية والدولية.
اليوم قصة الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولته، ووقف تهجيره، لم تكن نتاج جهود دبلوماسية أو علاقات عامة، بل جاءت من بحر الدماء التي قدمتها غزة وفلسطين كلها علي مدار عقود تجلت بالأحداث الدامية الأخير المستمرة من عامين، التي عرت الكيان وسرديته وأظهرته على حقيقتةً أنه ليس أكثر من مصاص دماء ومجرم.
لا فضل لأحد إلا لله أولاً، ثم لصمود هذا الشعب العظيم، الذي كشف كذب العدو وصورته القاتل للإنسانية، مما أجبر الغرب والشرق على دخول مرحلة "التطهير" والتكفير.
أما عن مشاريع مثل صفقة القرن الأولى والثانية التي طرحها ترامب، وتكليف توني بلير بإدارة ملف غزة، فكانت في حقيقتها محاولة لتدويل القطاع وإفراغ القضية الفلسطينية من جوهرها، ومحاولة احتواء موجة التعاطف الدولي والاقليمي وتفريغها وحتى الحديث عن دور ضئيل للسلطة الفلسطينية ذكره لها علي استحياء.
لكن في المقابل، هناك تحركات عربية حقيقية، خاصة من المملكة العربية السعودية، تساندها دول عربية واسلامية وغربية وازنة، التي رفضت التطبيع دون قيام دولة فلسطينية حقيقية، وطالبت بوقف أي تغييرات على الأرض في الضفة الغربية، مؤكدة على ضرورة استثمار الوحدة والعمل المشترك بدلاً من الاقصاء والتشظي.
إن فكرة التهجير القسري والترانسفير لم تعد مطروحة كخيار واقعي، بل عاد الثابت الوحيد: فلسطين لم تُشطب، ولن تُشطب، وهذا يتناقض مع أسس المشروع الصهيوني منذ قرن.
اليوم، بعد كل هذه المحطات والتضحيات، لا يمكننا أن ننسى أن النضال الفلسطيني لم يكن مجرد دماء وانكسارات، بل هو تراكم لتاريخ طويل من الصمود، يستوجب منا جميعاً الوحدة والتكاتف لاستثمار هذا الزخم، ومنع تفتيت القضية وشلال الدم الذي يرويها.
وفي خضم كل هذه التحديات، يجب أن تتظافر كل الجهود الفلسطينية، والعربية، والإسلامية، والدولية، للحفاظ على حقوق شعبنا، وتعزيز مشروع الدولة الفلسطينية الحقيقية المستقلة السيدة، بعيداً عن المزايدات والتشطيبات، لأن الوحدة والعمل المشترك هما الطريق الوحيد للتحرير والعودة.