• اخر تحديث : 2025-11-15 14:22
news-details
إصدارات الأعضاء

صراع من أجل البقاء: الأحزاب العراقية ومعركة البرلمان 2025


تدخل الأحزاب العراقية سباق الانتخابات البرلمانية لعام 2025 في أجواء مشحونة بالتوترات السياسية والتحديات الاقتصادية والاجتماعية، وسط حالة من الاستقطاب الحاد ومحاولات كل كتلة سياسية تأمين موطئ قدم داخل البرلمان المقبل الذي يُعدّ مفصليًا في تحديد شكل الحكومة المقبلة وتوازنات النفوذ الداخلي والخارجي. هذا الصراع لا يُعبّر فقط عن تنافس انتخابي طبيعي، بل هو في جوهره صراع من أجل البقاء السياسي في مرحلة تتغير فيها الموازين بسرعة داخل العراق والمنطقة.
 
أولًا: المشهد السياسي العام منذ عام 2003 وحتى اليوم، لم يعرف العراق استقرارًا سياسيًا طويل الأمد، فالمشهد ظل يدور ضمن دائرة مغلقة من التحالفات المتحولة والانقسامات الطائفية والمصلحية. ومع اقتراب انتخابات 2025، تتجه معظم الأحزاب إلى إعادة تموضعها ضمن تحالفات جديدة أو بتحالفات تكتيكية مؤقتة، في محاولة لتفادي الخسارة أمام منافسين جدد صاعدين من رحم الاحتجاجات أو من تيارات شبابية مستقلة.
 
ثانيًا: قانون الانتخابات الجديد وصيغة سانت ليغو المعدلة القانون الانتخابي المعتمد يعتمد على طريقة سانت ليغو المعدلة (1.7، 3، 5، 7…)، وهي آلية تمنح الأحزاب الكبيرة ميزة نسبية، وتقلل من فرص الأحزاب الصغيرة والمستقلين. وهذا ما جعل الأحزاب التقليدية تتنفس الصعداء، لأنها تمتلك قواعد تصويتية وتنظيمية راسخة، بينما اعتبره المستقلون إجهاضًا لتجربة التغيير التي برزت بعد احتجاجات تشرين. وعليه، تحوّل القانون إلى ساحة صراع مبكر بين دعاة الإصلاح ودعاة الاستقرار السياسي التقليدي، وكل طرف يسعى لتطويعه لخدمة مصالحه.
 
ثالثًا: الأحزاب بين إعادة التموضع والانشقاقات الكتل الكبرى — سواء تلك التي تنتمي إلى الإطار التنسيقي أو التيار الصدري أو القوى السنية والكردية — تواجه تحديات داخلية، منها صراعات القيادة، وتبدّل التحالفات، وتراجع الثقة الشعبية. •بعض الأحزاب تحاول إعادة إنتاج نفسها بواجهات جديدة لتجاوز الإرهاق الشعبي من الوجوه القديمة. •أخرى تسعى إلى التحالف مع المستقلين أو الشخصيات الأكاديمية والعشائرية لإضفاء بعد شعبي جديد. •فيما تحاول القوى الناشئة أن تستثمر في خطاب الإصلاح ومحاربة الفساد رغم محدودية إمكانياتها المالية والإعلامية.
 
رابعًا: المال السياسي والإعلام الانتخابي لا يمكن تجاهل دور المال السياسي في ترجيح كفة المنافسة. فبعض القوى أنفقت مبالغ ضخمة تتجاوز السقوف القانونية التي حددتها المفوضية العليا للانتخابات، في حين يعتمد المرشحون النزهاء على الجهد الميداني والسمعة الاجتماعية. أما الإعلام، فقد تحول إلى أداة حرب انتخابية بيد الأحزاب الكبرى التي تمتلك قنواتها الخاصة أو نفوذها في المنصات الرقمية، مما يجعل الرأي العام عرضة للتوجيه والتضليل، ويضعف فرص المنافسة النزيهة.
 
خامسًا: التدخلات الخارجية وتأثيرها في نتائج الانتخابات الانتخابات العراقية لطالما كانت مرآة للصراع الإقليمي والدولي، فكل دولة فاعلة تحاول دعم حلفائها داخل البرلمان لضمان استمرار مصالحها. •إيران تسعى للحفاظ على نفوذها عبر الإطار التنسيقي. •الولايات المتحدة تراهن على دعم قوى “الدولة المستقرة” لضمان بقاء العراق ضمن دائرة النفوذ الغربي. •أما بعض الدول العربية وتركيا، فتحاول إيجاد توازن عبر دعم شخصيات سنية وكردية تضمن مصالحها الاقتصادية والأمنية. وبذلك، يتحول البرلمان إلى حلبة نفوذ متشابكة، أكثر مما هو مؤسسة تشريعية تمثل الإرادة الشعبية الخالصة.
 
سادسًا: بين الإصلاح والتوريث السياسي في ظل هذا الصراع، يبرز سؤال جوهري: هل ستكون انتخابات 2025 بداية إصلاح سياسي حقيقي؟ أم استمرارًا لدوامة التوريث الحزبي والصفقات المغلقة؟ الكثير من المراقبين يرون أن القوى الشابة والمستقلة لن تستطيع تحقيق اختراق جوهري دون تحالفات استراتيجية، فيما الأحزاب الكبرى تمتلك كل أدوات البقاء: المال، الإعلام، التنظيم، والارتباط الإقليمي. الصراع على مقاعد البرلمان العراقي ليس مجرد منافسة انتخابية، بل معركة وجودية بين القديم والجديد، بين من يسعى لتثبيت سلطته، ومن يحلم بتغيير المعادلة. وفي ظل القانون الحالي، يبدو أن ميزان القوى سيميل لصالح الأحزاب التقليدية، لكن الوعي الشعبي المتنامي قد يشكل المفاجأة القادمة، إذا ما أحسن العراقيون استخدام أصواتهم في اتجاه التغيير الحقيقي. فالانتخابات المقبلة قد لا تغيّر الخريطة السياسية كليًا، لكنها بلا شك ستعيد رسم حدود النفوذ وتكشف ملامح العراق الجديد بعد عقدين من التجربة الديمقراطية المتعثرة.