مرّت سنة كاملة على اندلاع العدوان الصهيوني الغاشم على لبنان، العدوان الذي أراد الكيان الصهيوني من خلاله تركيع المقاومة وكسر إرادة الشعب اللبناني الصامد، لكنه اصطدم بجدارٍ من البطولة والثبات، جسّده مقاتلو المقاومة وأبناء الجنوب اللبناني، لتتحول الحرب إلى ملحمةٍ جديدة من ملاحم الصمود العربي والإسلامي.
وفي هذه الذكرى المؤلمة والمشرقة في آنٍ معًا يبرز الموقف العراقي علامة مضيئة في سجل التضامن العربي الأصيل، إذ لم يكن العراق غائبًا عن مشهد المواجهة، رغم جراحه الداخلية وتحدياته الصعبة، فقد عبّر العراقيون بمختلف أطيافهم عن موقفٍ وطنيٍ وإنسانيٍ موحّد تجاه الشعب اللبناني الشقيق.
موقف الشعب العراقي: تضامن من القلب إلى القلب
من بغداد إلى البصرة، ومن كربلاء إلى الموصل، صدحت أصوات العراقيين بالدعاء والنصرة للمقاومة اللبنانية.
شهدت المدن العراقية مسيرات تضامنية ووقفات دعم رفعت فيها الأعلام اللبنانية إلى جانب رايات العراق والحشد الشعبي، في مشهدٍ جسّد عمق الروابط الأخوية بين الشعبين.
المساجد والحسينيات والمنتديات الثقافية صدحت بخطبٍ وكلماتٍ تعبّر عن وحدة المصير بين لبنان والعراق، وعن أن العدو واحد مهما اختلفت الجبهات.
ولم يقتصر التضامن على المواقف والشعارات، بل تجسّد بأفعال إنسانية نبيلة حين فتح العراقيون بيوتهم ومدنهم أمام آلاف العائلات اللبنانية التي اضطرت للنزوح المؤقت بسبب الحرب.
استقبلت المحافظات العراقية، وخصوصًا المدن الدينية مثل كربلاء والنجف، مئات الأسر اللبنانية، حيث قامت العتبات المقدسة بتخصيص مجمعات “الزائرين” لإيوائهم، وقدمت لهم المأكل والمشرب والسكن مجانًا، تعبيرًا عن الأخوة الصادقة والتكافل الإنساني.
مشاهد العوائل اللبنانية وهي تُكرَّم وتُستقبل بحفاوةٍ في بيوت العراقيين بقيت شاهدة على شهامة العراقيين وعمق إنسانيتهم.
الحكومة العراقية: موقف رسمي مشرف
على المستوى الرسمي، أعلنت الحكومة العراقية منذ الأيام الأولى للحرب موقفًا واضحًا ضد العدوان الصهيوني، داعيةً المجتمع الدولي إلى وقف المجازر بحق المدنيين اللبنانيين.
كما قامت وزارة الخارجية العراقية بإطلاق مبادرات دبلوماسية في المحافل الدولية، وأكدت في بياناتها أن المقاومة حق مشروع كفلته الشرائع السماوية والقوانين الدولية.
وفي خطوة رمزية مؤثرة، وجّهت الحكومة مساعدات إنسانية عاجلة إلى الشعب اللبناني عبر القنوات الرسمية، شملت مواد غذائية وطبية، في رسالة واضحة أن العراق يقف إلى جانب لبنان في السراء والضراء.
الحشد الشعبي: مقاومة تساند المقاومة
لم يغب الحشد الشعبي عن الميدان المعنوي والسياسي لهذه المواجهة.
فقد أصدرت قياداته بيانات دعمٍ وتأييدٍ للمقاومة اللبنانية، مؤكدة أن المعركة واحدة والخندق واحد، وأن ما يجري في لبنان ليس سوى فصلٍ من فصول الصراع مع الكيان الصهيوني الذي يسعى لتمزيق الأمة واستهداف قواها الحية.
كما شاركت فصائل الحشد في حملات جمع التبرعات وإرسال المساعدات، معتبرة أن نصرة لبنان هي نصرة لمحور الكرامة والسيادة في المنطقة.
مؤسسات المجتمع المدني والإعلام العراقي
الإعلام العراقي بدوره لم يقف مكتوف الأيدي، فخصصت الفضائيات والجرائد والمواقع الإلكترونية تغطياتٍ موسّعة عن جرائم العدوان، مستعرضة بطولات المقاومين اللبنانيين ومآسي الأطفال والنساء في الجنوب وبيروت.
أما مؤسسات المجتمع المدني، فقد نظّمت ندوات ومهرجانات تضامنية وفعاليات ثقافية حملت عنوان “لبنان ينتصر”، وشهدت كلمات لشعراء وصحفيين عراقيين تغنّت بصمود المقاومة وفضحت الوجه الدموي للكيان الصهيوني.
عام من النار... وانتصار الإرادة
اليوم، وبعد عامٍ على اندلاع العدوان، يبقى المشهد اللبناني عنوانًا للإصرار على الحياة والكرامة، فيما يبقى الموقف العراقي نبراسًا للوفاء والشهامة.
لقد أثبت العراقيون أن القدس لا تبعد عن بغداد، وأن بيروت لا تفصلها عن النجف والبصرة سوى حدود الجغرافيا لا حدود القلوب.
فالدم واحد، والمصير واحد، والمقاومة هي الأمل الذي يجمع الأحرار من ضفاف دجلة إلى شواطئ المتوسط.
وفي الذكرى الأولى للعدوان، يردد العراقيون مع إخوتهم اللبنانيين شعارهم الأبدي:
"لن تُهزم أمةٌ فيها مقاومة، ولن تُكسر إرادة الشعوب الحرة."