• اخر تحديث : 2025-10-28 15:41
news-details
مقالات عربية

بين الضغط الدبلوماسي والسيادة الوطنية: حقيقة الدور الأميركي في تشكيل الحكومة العراقية


خلال الأيام الماضية، انتشر في بعض وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي خبرٌ مثير للجدل، مفاده أن الولايات المتحدة الأميركية أبلغت بغداد بأنها ستختار وزارات في الحكومة المقبلة ومن يشغلها.
 
هذا الخبر أثار ضجة كبيرة، وتخوفاً لدى الرأي العام من احتمالية تدخل خارجي مباشر في القرار العراقي، غير أن التحقق من المصادر الرسمية والبيانات الصادرة عن الخارجية الأميركية والسفارة في بغداد، يُظهر أن هذا الادعاء يفتقر إلى أي دليل موثوق أو تصريح رسمي، وأن ما يجري فعلاً يندرج ضمن إطار الضغوط الدبلوماسية والسياسية المعتادة لا أكثر.
 
 أولاً: سياق العلاقة العراقية – الأميركية
 
منذ عام 2003، تشكلت بين بغداد وواشنطن علاقة معقدة، تجمع بين التعاون الأمني والاقتصادي من جهة، والتجاذب السياسي من جهة أخرى، وتنظم هذه العلاقة اتفاقيات رسمية، أبرزها الاتفاق الإطاري الإستراتيجي الذي يحدد مجالات التعاون العسكري والاقتصادي والثقافي، وفي ظل هذه الشراكة، تؤكد الولايات المتحدة وفق تصريحاتها الرسمية على "دعم حكومة عراقية مستقلة ومستقرة"، لكنها في الوقت ذاته تمارس ضغوطاً سياسية لضمان تشكيل حكومة لا تخضع لتأثير الفصائل أو القوى الإقليمية.
 
ثانياً: الفرق بين الضغط الدبلوماسي والتدخل في السيادة
 
من المهم التمييز بين الضغط الدبلوماسي والتدخل في الشأن الداخلي، الضغط الدبلوماسي يُعد أداة مشروعة في العلاقات الدولية، تمارسه الدول عبر رسائل أو شروط أو مساعدات مشروطة لتوجيه السياسات العامة، أما التدخل المباشر فيعني فرض قرارات أو أسماء داخل حكومات أخرى، وهو ما يُعد خرقاً واضحاً للسيادة الوطنية وميثاق الأمم المتحدة.
 
وفي الحالة العراقية، تمارس واشنطن ضغوطاً متكررة على بغداد في ملفات محددة، منها ضبط السلاح خارج الدولة، وتنظيم العلاقات مع إيران، وإدارة الموارد النفطية، لكن لم يصدر أي تصريح رسمي يشير إلى نية الولايات المتحدة اختيار وزراء أو تحديد وزارات بعينها، ما يجعل الخبر المتداول فاقداً للمصداقية.
 
ثالثاً: التحليل السياسي لانتشار الخبر
 
انتشار مثل هذه الأخبار في فترات ما قبل تشكيل الحكومات ليس جديداً، فالأطراف السياسية عادةً ما تستخدم الورقة الأميركية أو الإقليمية كورقة ضغط متبادلة لتشويه الخصوم أو كسب التعاطف الشعبي، ويُضاف إلى ذلك أن ضعف الثقة بالإعلام الرسمي، وتعدد المنصات غير الموثوقة على وسائل التواصل، ساهما في تضخيم الخبر حتى تحوّل من "تقدير موقف سياسي" إلى "خبر يقيني" في نظر الجمهور.
 
 رابعاً: البعد الوطني والسيادي
 
إن سيادة العراق لا تُقاس بالشعارات بل بالقدرة على اتخاذ القرار الوطني المتوازن، فالعراق، بحكم موقعه الجغرافي وتشابك مصالحه، يحتاج إلى علاقات متوازنة مع واشنطن وطهران وجيرانه العرب، من دون أن يكون تابعاً لأي محور، وهذا يتطلب دبلوماسية حذرة، توازن بين التعاون الدولي والتمسك بالقرار الوطني، من أجل التصدي لأي محاولة لتضخيم النفوذ الخارجي أو تصوير العراق كدولة فاقدة للسيادة.
 
الضغوط الأميركية على العراق حقيقية في بعض الملفات الأمنية والسياسية، لكنها لا ترقى إلى اختيار وزراء أو تشكيل الحكومة، وما يُتداول في هذا السياق هو جزء من حرب إعلامية تستهدف زعزعة الثقة بين المواطن والدولة.
 
المطلوب اليوم وعي سياسي وإعلامي مسؤول، وتحرك رسمي لتفنيد الأخبار المضللة، بما يعزز احترام سيادة العراق ويحصن المجتمع من التأثير الخارجي.