• اخر تحديث : 2025-11-03 15:57
news-details
مقالات عربية

عقب العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان واتفاق وقف إطلاق النار الذي تلاه، تزايدت انتهاكات قوات الاحتلال الإسرائيلي يومًا بعد يوم. وقد أثار هذا الوضع جدلًا هامًا بين المراقبين الدوليين: 
 
هل حققت إسرائيل حقًا أي نجاح في لبنان؟
على الرغم من تباهي الولايات المتحدة وإسرائيل بتصفية كبار قادة حزب الله، بمن فيهم السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين، وزعمهما أن حزب الله قد انتهى أو ضعف بشكل كبير، فإن القصف الإسرائيلي المستمر لجنوب لبنان ومناطق أخرى يطرح سؤالًا بسيطًا ولكنه جوهري: إذا هُزم حزب الله، فلماذا لاتزال إسرائيل تشعر بالحاجة إلى مواصلة قصف لبنان؟
 
يصف المحللون الإسرائيليون أنفسهم الوضع الراهن في لبنان بأنه مرحلة خطيرة وغير مؤكدة. ويشيرون إلى أن إسرائيل تحاول تحويل التوتر الحالي إلى "فرصة" قد تُضعف حزب الله أو تنزع سلاحه في النهاية. ومع ذلك، فإن مثل هذه التقييمات لا تكشف إلا عن زيف الادعاءات الأميركية والإسرائيلية السابقة بالنصر.
 
يُظهر التوازن السياسي والاجتماعي في لبنان بوضوح أن حزب الله لايزال يتمتع بدعم شعبي واسع، ويحافظ على قوته على الصعيد السياسي. مُقرًا بهذا الواقع، أقرّ اللواء الإسرائيلي السابق تامير هايمان مؤخرًا بأن الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة في جنوب لبنان ليست استراتيجية مجدية. وقال: "القنابل قادرة على تدمير المباني، لكنها لا تستطيع تدمير الأفكار أو المعتقدات". وأكد هايمان أنه بينما قد تقضي إسرائيل على أفراد أو بنى تحتية، فإنها لا تستطيع القضاء على الأيديولوجيا.
 
لذا، تكشف العمليات الإسرائيلية الأخيرة في لبنان عن إحباط إسرائيل الاستراتيجي أكثر من أي إنجاز عسكري فعلي. في المقابل، أظهرت المقاومة صمودًا من خلال التعلم من التجربة، وإعادة تنظيم صفوفها، والاستعداد للمرحلة التالية.
 
يُقرّ المحللون الإسرائيليون والغربيون على حد سواء الآن بأن حزب الله، على الرغم من مواجهته حملة عسكرية مكثفة، قد تمكن من إعادة تنظيم قواته واستعادة شبكاته اللوجستية. وتشير التقارير الواردة من الميدان إلى إعادة إنشاء طرق الإمداد والشبكات المحلية والمخزونات، وهو تطور ينظر إليه المراقبون الغربيون بقلق متزايد. يُثبت هذا أن الغارات الجوية وحدها لا تكفي لحل معضلة إسرائيل الأمنية في لبنان.
 
وقد أدى الهجوم الإسرائيلي الأخير على بلدة بليدا (30 أكتوبر/تشرين الأول 2025) والتوجيه اللاحق للرئيس جوزيف عون، الذي أمر الجيش اللبناني بالرد على أي توغلات إسرائيلية مستقبلية، إلى تصعيد التوترات. ويُظهر قرار الرئيس اللبناني، إلى جانب الموقف السياسي الحازم لحزب الله، أن المواجهة لم تنتهِ بعد. ومن المفارقات أن العدوان الإسرائيلي قد دفع العديد من الفصائل اللبنانية إلى التقارب، مما عزز دعوات متجددة للوحدة ضد العدوان الأجنبي.
 
وتتعرض الحكومة والجيش اللبناني لضغوط دولية كبيرة لتقييد وصول حزب الله إلى الأسلحة في المناطق الجنوبية أو لإزالة بعض مواقع التخزين. إلا أن الحساسيات السياسية الداخلية، ومحدودية الموارد، والخوف من الصراع الداخلي جعلت تنفيذ هذه الإجراءات صعبًا. ولذلك، يقتصر دور الجيش اللبناني إلى حد كبير على الحفاظ على التوازن بين الجماعات السياسية المتنافسة بدلاً من الانحياز إلى أي طرف.
 
وهناك أيضًا أدلة متزايدة على التدخل الأميركي في الديناميكيات السياسية الداخلية في لبنان. بينما تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل إضعاف حزب الله عسكريًا، تعملان في الوقت نفسه على عزله سياسيًا، مستخدمتين تحالفات مع جماعات لبنانية معينة لتحدي شرعيته. ومع ذلك، ورغم هذه الجهود العسكرية والسياسية المشتركة، فشلت كل من واشنطن وتل أبيب في تحقيق أهدافهما.
 
ونظرًا لعجزهما عن هزيمة حزب الله مباشرةً، يبدو أن إسرائيل وحلفاءها يركزون الآن على إضعاف لبنان من الداخل، والتحريض على التشرذم السياسي، وتشجيع التورط العسكري، وإدامة عدم الاستقرار من خلال التدخلات غير المباشرة. ويحذر المحللون من أن هذه الاستراتيجية الخطيرة تُخاطر بجر لبنان إلى صراع داخلي طويل الأمد، قد تُزعزع عواقبه استقرار الشرق الأوسط بأكمله.
 
لا يمكن تحقيق سلام دائم في لبنان والمنطقة من خلال الحملات الجوية أو الإكراه. قد يُحقق العمل العسكري مكاسب قصيرة الأجل، لكنه لا يُعالج الأسباب الجذرية للصراع: الاحتلال، واختلال التوازن الأمني الإقليمي، والتدخل الأجنبي المستمر. لذلك، يجب على الجهات الفاعلة الدولية إعطاء الأولوية للدبلوماسية وإعادة الإعمار والشمول السياسي على الضغط العسكري. إسرائيل تطارد وهم النصر، سرابًا يُعميها عن الحقائق السياسية والاجتماعية العميقة في لبنان. 
 
لا يمكن للسلام الحقيقي أن يتحقق إلا من خلال احترام سيادة لبنان، والمشاركة السياسية الحقيقية، والتضامن الدولي. لا يمكن تحقيق سلام دائم في لبنان والمنطقة من خلال الحملات الجوية أو الإكراه. قد يُحقق العمل العسكري مكاسب قصيرة الأجل، لكنه لا يُعالج الأسباب الجذرية للصراع: الاحتلال، واختلال التوازن الأمني الإقليمي، والتدخل الأجنبي المستمر. لذلك، يجب على الجهات الفاعلة الدولية إعطاء الأولوية للدبلوماسية وإعادة الإعمار والشمول السياسي على الضغط العسكري.
 
تطارد إسرائيل وهم النصر، وهو سراب يُعميها عن الحقائق السياسية والاجتماعية العميقة في لبنان. يواصل حزب الله، رغم الخسائر التي مُني بها، إعادة بناء نفسه وإعادة تأكيد وجوده عسكريًا وسياسيًا. لا يمكن تحقيق السلام الحقيقي إلا من خلال احترام سيادة لبنان، والمشاركة السياسية الصادقة، والدعم الاقتصادي الدولي، وليس من خلال التفجيرات والاغتيالات.
 
بعد إنفاق مليارات الدولارات، لم تُحقق الولايات المتحدة وإسرائيل شيئًا ملموسًا في لبنان. لقد دمّرتا المباني وقتلتا القادة، لكنهما لم تُهزما الفكرة. لايزال إيمان حزب الله والمقاومة اللبنانية، وأيديولوجيتهما، وعزيمتهما، حيًا، وجاهزًا، وأقوى من أي وقت مضى. وهذه الروح الراسخة بحد ذاتها أوضح دليل على فشل إسرائيل وأميركا الاستراتيجي.