في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، تلاه اتفاق آخر في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2025. وقد ضمنت القوى العالمية الكبرى وقف إطلاق النار في غزة، إلا أن العالم لايزال يشهد على عدم تطبيقه. وتستمر الغارات الجوية الإسرائيلية على الفلسطينيين دون هوادة، في ظل انتهاك نتنياهو المتكرر لبنود الاتفاق.
منذ البداية، حذّر محللون من العالم من أن الرئيس دونالد ترامب ونتنياهو لا يستحقان الثقة، نظرًا لتاريخهما الطويل في تجاهل السلام والاتفاقيات الدولية. وقد برز النمط نفسه الآن في لبنان، حيث يستمر القصف الإسرائيلي في استهداف مناطق مختلفة. وتُغتال شخصيات بارزة، وتكثفت الجهود الأميركية لخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي في المنطقة.
سواء في غزة أو لبنان، فإن الواقع واحد: الحرب لم تنتهِ. يستمر القتل، ويستمر الإرهاب، ولاتزال البشرية ترزح تحت وطأة القمع الإسرائيلي بقيادة الولايات المتحدة. في مثل هذه الظروف، فما هي المسؤولية الأخلاقية للمجتمع الدولي؟ دعوني أؤكد هنا أنه، كما في السابق، يجب أن نواصل احتجاجاتنا ومقاطعاتنا وحملات التوعية ضد الظالم. يجب ألا يتوقف النضال ضد العدوان الإسرائيلي، بل يجب أن يشتد حتى يتسنى كبح جماح جرائم القوة المحتلة وطموحاتها الإبادة الجماعية من خلال الضغط والوعي العالميين.
لقد برزت مرحلة جديدة من الحرب في كل من غزة ولبنان. وبينما قد تكون حدة القصف واسع النطاق قد انخفضت، إلا أن الصراع نفسه قد تغير، ولم ينتهِ بعد. تُستخدم هذه الاستراتيجية عمدًا لتطبيع الوضع وإلهاء الرأي العام العالمي عن واقع غزة ولبنان. لاتزال المنطقتان تواجهان غارات جوية إسرائيلية، وهجمات بطائرات مسيرة، وقصفًا عبر الحدود بذرائع مختلفة، مع بقاء جنوب لبنان تحت تهديد دائم. في الحقيقة، هذه حملة ممنهجة من العنف المنظم، حيث تهاجم إسرائيل كما تشاء، وتنتهك الاتفاقات، وتُجبر المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين على تحمل العواقب.
تدرك الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهما الآن بوضوح أن أي حرب كبرى وشاملة ستدفع إسرائيل إلى وضع لا يمكن الانتصار فيه، فهي تقف بالفعل على شفا فشل استراتيجي. إذا شنت إسرائيل حربًا شاملة على لبنان، فسيكون هدفها الحقيقي الوحيد هو سحق المقاومة اللبنانية، خاصة حزب الله. منذ العام 1982، دارت كل حملة إسرائيلية، من غزو بيروت إلى حرب العام 2006، حول هذا الطموح نفسه. ومع ذلك، ورغم عقود من الحرب، فشلت إسرائيل في هزيمة حزب الله عسكريًا أو سياسيًا. وهذا بحد ذاته يُمثل أعظم إنجازات حزب الله وانتصاره. لقد أثبتت كل حرب أن أهداف إسرائيل وأميركا في لبنان لاتزال بعيدة المنال.
تُدرك القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية جيدًا استحالة تحقيق نصر حاسم. فأي حرب شاملة تفشل في تدمير حزب الله ستُعزز قوته أكثر. لذلك، تسعى إسرائيل الآن إلى تحقيق أهداف محدودة، فتُنفذ ضربات مُستهدفة واغتيالات وعمليات صغيرة لتحقيق أهداف تكتيكية، أو تأخير تحديث حزب الله، أو توجيه رسائل رادعة. وتُطبق هذه الاستراتيجية نفسها في غزة ضد حماس لنزع سلاحها أو تدميرها، ولكن على الرغم من القوة النارية الهائلة والعدوان المُستمر، لم تُحقق إسرائيل أي نجاح يُذكر.
ومن خلال هذه الضربات المحدودة، تُحافظ إسرائيل على حالة من التوتر المُسيطر عليها، مُختبرةً أنظمتها الدفاعية ومُعززةً روايتها المحلية عن الردع والقوة. من وجهة نظر تل أبيب، تُمكّنها هذه الحملة العسكرية المُستمرة، وإن كانت محدودة، من تجنّب الخسائر الفادحة مع إبعاد حزب الله عن شنّ عمليات انتقامية أوسع. ومع ذلك، فإن الواقع هو أن حزب الله يُواصل إعادة بناء قدراته وتنظيمها. إن تدمير المباني والاغتيالات المُستهدفة لا يُمكن أن يُضعف حزب الله أو يُقضي عليه، لأنه ليس مُجرد منظمة، بل هو أيديولوجية، ونظام عقائدي مُتوارث من جيل إلى جيل.
من ناحية أخرى، تُدرك المقاومة في غزة ولبنان تمامًا أن إسرائيل لا تريد حربًا شاملة. فأي حرب من هذا القبيل ستُلقي بضغط داخلي أكبر بكثير على إسرائيل منه على لبنان. كلما طال أمد المقاومة، زادت قدرتها على تحديد مسار أي مواجهة مُستقبلية. فإذا ما شنت إسرائيل حربًا شاملة وفشلت في تحقيق أهدافها، فسيكون صمود المقاومة هو السبب الرئيسي في ذلك.
هناك مؤشرات متزايدة على أن إسرائيل تبدو مُستعدة لمواصلة الغارات الجوية واختبار الخطوط الحمراء، بينما تنتظر المقاومة بصبر اللحظة المناسبة للرد. لا أحد يستطيع التنبؤ بموعد تغير هذا التوازن. يُشير التاريخ إلى أن الحروب في هذه المنطقة غالبًا ما تندلع بسبب سوء تقدير، وأحيانًا تكفي ضربة انتقامية واحدة أو غارة عابرة للحدود لتغيير المعادلة برمتها. لكن ما يبقى مؤكدًا هو أن المقاومة لاتزال قائمة. حتى اليوم، تُواصل صمودها بقوة وثبات. وعندما ترد، ستفعل ذلك على نطاق لا يُمكن لإسرائيل تجاهله، وقد تُمثل تلك اللحظة بداية حرب أخرى، ليس باختيارها، بل حتمية.
لقد فشلت الدبلوماسية مع إسرائيل. لم تعد إسرائيل تستجيب للنداءات الدبلوماسية أو المطالب الدولية. لذا، إذا بادرت المقاومة إلى اتخاذ إجراءات جديدة، فلن يكون ذلك لتوسيع نطاق الحرب، بل لضمان حقها البسيط في وقف القصف.
في الختام، فشلت المؤسسات والتحالفات العالمية التي تدّعي دعم السلام في وقف أعمال إسرائيل الإرهابية في غزة ولبنان. لم تنتهِ الحرب؛ بل إنها مستمرة، ولكن بشكل مختلف. والآن، أكثر من أي وقت مضى، بات جليًا أن هذا العدوان لا يمكن مواجهته وكبح جماحه إلا من خلال لغة المقاومة الراسخة.