بعد عامين على طوفان الأقصى والاسناد كثيرة هي الأسئلة وقليلة الإجابات؛ فقد حصلت تحولات جوهرية على صعيد موازين القوى وخارطة المنطقة الجيوسياسية والعسكرية والثقافية والاجتماعية، فما هي الحدود العملية لهذه التحولات، وما أفرزته من تغيرات لجهة:
ـ رؤية الصراع: حاضر ومستقبل غرب آسيا، لاسيما القضية الفلسطينية واستقلال الدول المجاورة.
ـ البعد العسكري الميداني عقب دخول الولايات المتحدة على خط الصراع.
ـ البعد السياسي، وما يُحضّر المحور الأميركي الصهيوني التركي الخليجي السوري.
ـ البعد الثقافي الاجتماعي ونظرة النخب العربية لمسارات الصراع وقوى المقاومة والأطراف المناوئة لمحور المقاومة.
ـ وجهة التحولات الحاصلة والوعي بمختلف أبعادها الاستراتيجية، وكيفية اعادة البناء.
نقاط بحثj فيها حلقة النقاش التي نظمتها الرابطة تحت عنوان: "عامان على طوفان الأقصى والاسناد والتحولات الجوهرية ".
أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:
|
الزمان |
الخميس الموافق 20 تشرين الثاني 2025 |
|
المكان |
جسر المطار – مقابل القاعة الرياضية لبلدية الغبيري ـ مبنى ساني سايد ـ الطابق الأرضي |
|
المشاركون |
|
|
1 |
العميد الأستاذ منير شحادة |
|
2 |
الأستاذ هادي قبيسي |
|
3 |
د. محمد نورالدين |
|
4 |
د. هدى رزق |
|
5 |
د. علي شعيب |
|
6 |
الأستاذ علي مراد |
|
7 |
أمينة السر د. وفاء حطيط |
المداخلات:
مداخلة د. محسن صالح:
افتتح الجلسة رئيس الرابطة د. محسن صالح بالترحيب بالسادة الأعضاء المشاركين، وقدم لموضوع حلقة النقاش، وقال:
تزداد وتتسارع الأمور بشكل أكثر تعقيدًا وبحاجة الى تفكير معمق لنلاقي ما يحصل لان حركة الاخر أصبحت أكثر قوة من الداخل الى الخارج ومن الخارج الى الداخل. وهذا الوضع ارخى بظلاله على كل نواحي المنطقة وبالتالي حصلت تحولات وتفكير في التحولات المستجدة أكثر.
ما يسمى مجلس السلام في غزة وما يسمى القرار 1701 وهذه مصطلحات متغيرة ولها مفاعيلها ونحن لسنا في حالة انتداب وكل ما عدا ذلك هو محاولة للوجود. فما يجري هو محاولة تطويق محور المقاومة من اليمن الى إيران ولبنان وفلسطين لخنقه والنهاية منه.
المستشار الالماني قال ان اسرائيل تقوم بالدور الوسخ عن كل الغرب وعن الولايات المتحدة، ولدينا مشروع اوروبي يجلس على قمته اميركا وباقي الاطراف يتوزعون الحصص ولكن في النهاية نحن الضحية في كل هذه المنطقة، يعطون لأنفسهم مثل مجلس السلام وهذا غير طبيعي، ولا نزال لغاية نقول فلان وفلان، بمعنى أننا نقسم من هم جبهة واحدة ضد قوى المقاومة وضد التحرر العام، ولكن فلنخرج من في بريطانيا وفرنسا واميركا مثل الذين يتظاهرون ضد اسرائيل وضد اميركا وضد ترامب وضد تصدير الاسلحة في العالم. لكننا بحاجة إلى أن نبدع خطابًا عالميًا قادرًا على اختراق العقول للوصول الى جبهة عالمية ضد هذا الاستكبار الكبير الذي اسمه الولايات المتحدة والناتو والكيان الصهيوني.
مداخلة العميد منير شحادة:
الحرب كانت اتية الينا حتى دون الاسناد بدليل قاطع هو عملية البيجر، فهذه العملية جاءت في توقيت ليس على "طبطاب" الإسرائيلي، صحيح كانت هذه العملية مؤذية وقاسية للمقاومة، ولكنها لو جاءت بالتوقيت الإسرائيلي لكانت أقسى.
لا علاقة لموضوع الخرق لدى المقاومة بالعملاء، بل تعود القصة الى العام 2005 عندما أتت لجنة التحقيق الدولية باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهذه اللجنة استباحت كل داتا لبنان وأصبحت مع إسرائيل، وعندما حذر الشهيد السيد حسن نصرالله من موضوع جهاز الخليوي كان التحذير متأخرًا، لان أي مقاوم لديه جهاز خليوي ورماه في سلة النفايات ولكن محيطه تحت يد إسرائيل، ومجرد ما يتم التواصل في محيط المقاوم مع بعضهم البعض فيمكن للإسرائيلي تحديد مكان المقاوم ولم يعد هناك إمكانية للاختباء.
والطامة الكبرى عندما ذهبت المقاومة للقتال في سوريا وانفضحت كليا لناحية المقاتلين من اصغر مقاتل إلى أعلى قائد، وأصبحت المعلومات عنهم جميعها مع إسرائيل، وثالث بنك معلومات حصلت عليه إسرائيل هو البيجر، فهي علمت بالمواقع من خلال البيجر، واعتقد أنها وصلت لغرفة عمليات السيد حسن من خلال البيجر، وأخيرًا وصلت إسرائيل الى القادة من خلال خرق شبكة الاتصالات الداخلية الخاصة بحزب الله في الجنوب بالكامل، وبالتالي ما يتم تسويقه من وجود عملاء في صفوف المقاومة ساهم باغتيال القادة والخرق هو أمر غير دقيق، فالداتا الموجودة في بحوزة الإسرائيلي دقيقة جدًا جدًا؛ هذا فضلًا عن أن ع إسرائيل استخدمت الذكاء الاصطناعي الذي ساهم في اغتيال القادة.
ما هي التحولات بعد التدخل الأميركي:
-تعزيز الردع الإسرائيلي.
-انطلاق الصراع من غزة الى صراع متعدد الجبهات.
-تحول الأميركي من داعم خارجي الى طرف.
-ارتفاع الكلفة الميدانية.
الحدود العملية لهذه التحولات:
-إسرائيل: فشلت في الحسم ولكنها دمرت.
-المقاومة: استمرار صمود بعض خلايا المقاومة سواء في لبنان أو في فلسطين المحتلة، وتعرض إسرائيل في أي توغل لخسائر كبيرة في الأرواح او المعدات، وكان لإغلاق البحر الأحمر من قبل اليمن الدور المهم جدًا.
-أميركا: قدرة اسناد ولا قدرة للفرض، وغير قادرة على تحييد الجبهات الإقليمية بشكل كامل.
في البعد العسكري:
-المقاومة: أصبح لدى المقاومة لامركزية في القيادة والسيطرة، استمرار الإنتاج العسكري بدليل قول الشيخ نعيم قاسم بأننا تعافينا، تطوير للمسيرات والصواريخ، وتطوير في التكتيكات المتبعة.
-إسرائيل: توسع الـ "AI" الذكاء الاصطناعي، وتعتمد على التفوق الجوي، ولكن هناك صعوبة في السيطرة على الأرض.
-أميركا: تشغيل منظومة دفاع جوي مشتركة، محاولة حماية الملاحة البحرية، دعم استخباراتي أميركي بريطاني فرنسي لإسرائيل.
مداخلة الأستاذ هادي قبيسي:
نقطة التحول، أو التغير الاساسي الذي حصل في الحرب هو أن المقاومة حاولت الانتقال من اللاتماثل الى التماثل، فقد كانت تعمل في السابق على أساس انها الطرف الأصغر والاضعف والأكثر مرونة، وانتقلت الى الصدام المباشر الجبهوي على انتشار كبير جدًا وعلى قدرة كلاسيكية، ولكن لم تعط لهذا التحول العناية الكافية كي يكون قادر على التوازن مع العدو الأكثر تطورًا على المستوى الكلاسيكي. عندما تبين بعض الانكشاف الأمني والتقني لدى المقاومة، فإن تغيير البنية كلها وآلية العمل أصبح صعب جدًا.
التحول الرئيس الذي حصل في هذه الحرب هو الانتقال من الدفاع الى الهجوم، فلأول مرة نتعرض للأراضي الفلسطينية بهجوم جبهوي من أربع جبهات لبنان وفلسطين (غزة) واليمن والعراق بمراحل وأيضا الضفة، وهذا هجوم جبهوي مفتوح على إسرائيل بدرجة معينة وليس بشكل كامل، ولكن لأول مرة يتعرض الإسرائيلي للدفاع، والانتقال من الدفاع الى الهجوم سمح للإسرائيلي استخدام هذا القدر من الذخيرة وان يطيل وقت الحرب الى هذه الدرجة وان يتحمل هذا القدر من الخسائر.
بالنسبة للمرحلة الأولى التي مضت، عناصرها الإيجابية والسلبية:
-سقوط مشروعية إسرائيل في نظر شعوب العالم، وهذه نقطة لم نعرف كيف نستثمرها.
-اختبار القدرات العسكرية لناحية القدرة بحد ذاتها، ولناحية كيفية تشغيلها.
-التكيف مع الطفرة التكنولوجية.
-التغير في ميزان القوة لصالح العدو.
-تعرض سردية المقاومة لتحديات مستجدة وهي تحتاج الى تطوير رؤيتها وسرديتها، ليس فقط بما حصل في الماضي بل في ما يتعلق بتصوراتها ووعودها المستقبلية.
-اختبار مجتمع المقاومة للتحدي الوجودي وهذا لم يحصل فقط في لبنان، بل في فلسطين وإيران، وهذا الاختبار مهم ويبنى عليه بأننا استطعنا تجاوز هذا التحدي، وبالطبع اثاره النفسية ثقيلة وصعبة ولكن نحن قادرين على التجاوز والترميم بعد التجاوز.
المرحلة الثانية وما نستطيع القيام به:
-اكتساب وتعزيز المشروعية.
-تطوير العلاقات الإقليمية والدولية.
-الاستفادة من تغير النظام العالمي.
-تكييف القدرات وإعادة توجيهها نحو اللاتماثل والذكاء.
-توسعة ساحات المواجهة.
-تعزيز الجهوزية النفسية الاجتماعية، فبعد الصدمة التي حدثت في لبنان وإيران وغزة نحتاج الى تطوير اليات الدعم النفسي والمعنوي والايديولوجي والروحي والإداري.
-تطوير ألية الإنذار والتوجيه النفسي، حيث ليس لدينا الية انذار للمجتمع.
-تطوير اليات التفكير خارج الصندوق، نحن الان محكومون للسياق الذي حصلت فيه الحرب وبحاجة الى اليات تفكير أخرى خارج الصندوق لاعتبارات عدة: على المستوى الاستراتيجي والمواقف، وعلى المستوى الجغرافي والساحات التي نتحرك فيها، وعلى مستوى التحالفات والعلاقات، وعلى المستوى التقني، وعلى المستوى التكتيكي كيف ندير الحرب، وعلى مستوى السرد والخطاب.
مداخلة د. علي شعيب:
اود التحدث عن التحولات الثقافية والاجتماعية التي تركتها عملية طوفان الأقصى، ومن أبرز الفرص الناشئة من التهديد الذي حصل هو التغير في الاتجاه العالمي نحو النموذج الغربي والنموذج الأميركي ونحو النظرة لدور الكيان الصهيوني في المنطقة، حيث كشف القناع، وهذا التغير شاهدناه في مصاديق عدة على صعيد النخب، وشاهدناه في مظاهرات انتفضت للقيم الإنسانية، ونحن امام نموذج على الصعيد العالمي لم يكتف برد فعل متكافئ بأنه حدثت عليه عملية طوفان الأقصى فقام بقتل بعض الفلسطينيين، بل ذهب أبعد من ذلك، واستمر بعملية إبادة إنسانية للبشر والحجر ، ولم يوفر أي قيمة من القيم التي تتكلم عنها المؤسسات الدولية من حقوق انسان ومنظمة أمم متحدة ومحكمة جنائية دولية، وقوانين الحرب كلها انتهكت في سبيل ان إسرائيل تعرضت لإبادة.
هذا التغير أساسي وهناك نموذج لشخص اسمه لوين، يتحدث عن ثلاثة مراحل في مرحلة أولى فك التجميد، والمرحلة الثانية تغيير، والمرحلة الثالثة تثبيت، فنحن في مرحلة التجميد ورأينا نقمة عالمية تجاه هذا النموذج الغربي الأميركي المتغطرس المهيمن، وهذا دور مفترض لاتحادات عالمية، وإقليمية، ومحلية، فكلها يجب أن تشارك من ضمن سياق واحد: نقابية، وتربوية، وصحية، وإعلامية، وسياسية، واقتصادية، وتكنولوجية، وقانونية، وبيئية لتثبت هول ما جرى.
برز التحول في الرأي العام على صعيد النخب، وهناك نخب من اليسار الديمقراطي تجاهر بأنها ضد إسرائيل، وفاز منها شخص بعمدة نيويورك اهم ولاية في اميركا. ونحن إذا بدأنا من هذا التغيير في الرأي العام الأساسي وبدأنا بتثبيته في لقاءاتنا وحواراتنا وذكر إحصاءات حول التدمير، وفي المجال التربوي، وفي المجال الديني، وطبيعة الأمور التي انتهكت، وفي المجال الصحي...، ونأتي بنماذج على وسائط التواصل الاجتماعي، فالعالم أصبح مفتوحًا وعلينا جعل من جريمة غزة هولوكوست العصر، ونستفيد من تجربة الهولوكوست ونستنسخ منها بعض الأمور التي تفيدنا، والاستفادة من ذلك استفادة ضخمة نبدأ من منطقة الشرق الأوسط، وأول لعبة نقدر ان نستفيد منها في الحرب الناعمة لكي نستطيع ان نقوم بثورات ناعمة، أو أن نغدي تيارات معينة ضمن ذلك.
وكل موضوع من هذه الموضوعات لابد من فتح جلسة خاصة به، ونعمل ما يسمى مجموعات تفكير "Think tank" مركزة تخرج أفكار رائعة نترجمها بخطط ونبدأ العمل عليها لنتمكن من الوصول، وهذه فرصتنا الذهبية لإنجاز هولوكوست ضد إسرائيل، وعندما سندخل في مواجهة جديدة مع إسرائيل يجب أن نحمي ظهرنا من الناحية النفسية والإعلامية لنتمكن من الدخول ونحظى بمساندة الناس، وعلينا اختيار نخب لا ترغب بالنموذج الأميركي نفسه، ويجب الخروج من النموذج الغربي. ومن الأمور التي اثرت علينا في الحرب وعلينا الالتفات اليها ومعالجتها هي أننا لم نكن أقوياء إعلاميًا.
مداخلة د. هدى رزق:
اجتماع النقب الذي جرى داخل إسرائيل عام 2023 واجتمعت فيه دول عربية، وأهم مقرراته هو الضغط على إيران من اجل المشروع النووي، والوقوف ضد هذا المشروع والعمل بشكل كبير وحثيث لضربه، ومن جهة أخرى القرار الذي اتخذ هو ضرب كل المقاومات، وهذا يجيب في ما بعد على مشروع الممر الهندي.
الخرق الأمني كان بشرًيا وتكنولوجيا وهو الذي أضعف المقاومة، والقرار 1701 الذي دخلنا به في 27 ت2 كان مقررًا وهوكشتين ضده، وهذا الاتفاق قبل أن نوقعه كانت الولايات المتحدة ضده، وكانت تسعى الى تغييره، وهذا المشروع قد تم بعد اغتيال القادة، وبعد ان حدث اختلال في التوازن، والقرارات التي نراها اليوم لضرب التمثيل الشيعي والمؤسسات الشيعية وضرب حزب الله ومؤسساته اتخذت بعد اغتيال القادة والسيد حسن مباشرة، وهو قرار كان اتخذ من قبل وجرى تفعيله حينها، ولكننا دخلنا في القرار 1701، وجرى الحديث حينها مع رئيس الوزراء ميقاتي بأنهم لا يريدون الـ 1701 ولكن ميقاتي حينها تحدث مع بري واصروا على 1701 لان لا يوجد مخرج غيره، وبالتالي هذه القرارات كانت متخذة سابقًا.
ما حدث هو انه صار هناك لا توازن وربما حرب الـ 66 حاولت ان تعدل التوازن ولكن كان ضرب القادة هو قرار لإنهاء الحزب وليس القادة فقط، ومن الواضح ان المقاومة كانت تعتبر الحرب الكلاسيكية هي المنفذ ولكن الحرب الكلاسيكية لدى المقاومة قوبلت بحرب متطورة أكثر وتكنولوجية استخدمت فيها أحدث الأسلحة المتوفرة لدى إسرائيل وأميركا.
المتحول الأساسي كان التدخل الأميركي بشكل كبير جدًا، وجرى تعزيز الردع الإسرائيلي وكذلك الامر الذي فاجأ الجميع هو قابلية إسرائيل للتحمل عسكريًا وبشريًا، وبالتالي دخول الولايات المتحدة بشكل سافر وكبير، ليس لأنها تريد انقاذ إسرائيل فقط ، وبالتالي تريد انقاذ صورة الولايات المتحدة التي اهتزت كذلك ،بل لأن الولايات المتحدة كانت تعقد اتفاقيات واجتماعات كبيرة لتعويم إسرائيل كي تكون قائدة في المنطقة، وهذه المسألة كانت كبيرة بالنسبة الولايات المتحدة ، وهناك أيضًا مسألة الممر الهند التي كانت الولايات المتحدة طاحشة به على أساس أنها تريد أن تقف في وجه المشروع الصيني، وبالتالي اعتبرت ان هذه الضربة تقوض كل المشاريع التي تعمل عليها الولايات المتحدة ، فكان لا بد لها من أن تنقذ ليس فقط إسرائيل بل أيًضا مشاريعها وصورتها في المنطقة بعد ما رأت أن هذه المنطقة بدأت تنفتح على الصين وروسيا .
وكل هذه الأسباب جعلت الولايات المتحدة تعتبر أن حرب إسرائيل هي حربها، وهي لا تقود الحرب فقط، بل تستعمل الجندي الإسرائيلي في حربها.
ما هي مكتسبات إسرائيل؟:
أول مكسب لإسرائيل هو أن تتوسع حدود إسرائيل، وبالتالي هذا قرار أميركي بتوسيع حدود إسرائيل، لذلك اليوم هناك خطورة فعلية على الجنوب والمناطق التي اخذتها إسرائيل ولا تريد الانسحاب منها؛ ولن تنسحب منها حتى لو تم نزع سلاح المقاومة.
إسرائيل خاضت صراعًا متعدد الجبهات، وهذا الصراع يجيب على القرار الأساسي الذي اتخذته الولايات المتحدة وإسرائيل في اجتماع النقب بضرب كل المقاومات، وهناك قرار اتخذ أميركي لا له علاقة بطوفان الأقصى، ولا حتى بأننا اخذنا القرار الإسناد، ولكن هناك قرار ومناسبة مهمة كطوفان الأقصى لان إسرائيل لديها الحجة الأساسية لتدافع عن نفسها ووجودها وبالتالي يجب ان تقضي على كل المقاومات وهذا الامر قرار أميركي وليس إسرائيلي.
الولايات المتحدة اعتبرت طوفان الأقصى فرصة وحولت التهديد الى فرصة للانقضاض على المنطقة وعلى المقاومات فيها ومحاولة إعادة استيعاب المنطقة الى جانبها.
كان الهدف الإسرائيلي هو انهاء المقاومة ولم يستطع ذلك، وبالتالي المقاومة موجودة، والسؤال هو كيف تمارس اسرائيل وأميركا الضغط علينا وعلى الجيش اللبناني، وبالتالي علينا المواجهة فهل هي إعلامية، عسكرية، بالصمود، بالحرب الناعمة والثقافة...
يجب العمل على تقوية معنويات البيئة الحاضنة وكلما تأخر الاعمار كلما ضعفت المقاومة ببيئتها؛ لاسيما أن كل الحلول التي تطرحها الولايات المتحدة هي لإضعاف الحزب ببيئته واضعاف هذه البيئة.
هل يمكننا العمل على صورة إسرائيل؟، نعم، ولكن بالتكافل والتضامن مع العراق والاقليم كله، وحتى مع الاتراك، فهناك مجموعات مهمة جدًا في تركيا ضد ما يحدث، وحتى مع الفلسطينيين الذين يفتحون القضية على العالم، ولذلك يجب البقاء على التحالف مع الجميع إعلاميًا وسياسيًا.
مداخلة د. محمد نور الدين:
إذا قارنا الموقف التركي خلال عملية طوفان الأقصى لغاية الان نلاحظ أن اردوغان كان يصف نتنياهو بهتلر ويتوعده، ومؤخرًا طلب القضاء التركي اعتقال نتنياهو اذا وطأت قدماه الاراضي التركية، وفي الوقت عينه كانت التجارة مع إسرائيل تسير على قدم وساق، والعلاقات الديبلوماسية استمرت على الرغم من استدعاء السفراء ولم تخفض حتى التشهير بإسرائيل قامت به جنوب افريقيا في محكمة العدل وليس تركيا، وبقي النفط الأذري يمر عبر تركيا الى إسرائيل، واذربيجان مع كازاخستان كانت تصدر 70% من حاجة اسرائيل للنفط والوقود.
السؤال هو محددات السياسة التركية التي توضح أداء تركيا:
أول عامل يحدد السياسة التركية هو العلاقة مع اميركا، ففي العام 1947 وقعت تركيا مع اميركا اول اتفاق عسكري كان ردًا على ستالين الذين كان يريد اراضٍ في تركيا والمشاركة في اتفاقية المضائق التي حدثت عام 1936، فرفضت تركيا وذهبت الى الاميركي ووقعت الاتفاقية العسكرية وكانت منطلق العلاقة التركية الاميركية التي بقيت تقريبًا لغاية الآن عسكرية في جوهرها، قد تشهد العلاقات التركية الأميركية طلعات ونزلات، ولكن العلاقة ثابتة ولا تتغير، وهذه العلاقة هي إحدى ثوابت السياسة الخارجية التركية، وكل قضية تريد تركيا شريكًا فيه يجب أن نأخذ في الاعتبار هذا العامل، ولا يمكن أن يكون بخطوطه الاساسية معارضًا، أو متعارضًا مع السياسات الاميركية.
العامل الثاني هو العلاقات مع إسرائيل، في العام 1949 اعترفت تركيا بإسرائيل ومنذ ذاك الحين العلاقات التركية الاسرائيلية خاصة في الخمسينيات كان علاقات ذهبية اقتصادية، وأمنية وعسكرية، وتبادل للزيارات على اعلى مستوى، واستمرت هذه العلاقات لغاية الان، ترتفع وتنخفض لا مشكلة، ولكن لا تحيد أبدً عن أن تكون أحد محددات السياسة التركية في الشرق الاوسط وفي أماكن أخرى في العالم.
العامل الثالث: عضوية تركيا في الأطلسي، فكل دولة عضو في حلف شمالي الأطلسي لا يمكن أن تكون معادية لإسرائيل، وهذا يسري على تركيا. فعضوية تركيا في الأطلسي محدد مهم جدًا، دخلت تركيا عام 1952 ولغاية الآن تحصل مشاكل ولكن في النهاية صوتت على السويد وفنلندا مؤخرًا رغم حاجة تركيا الى روسيا وما الى ذلك.
يعني هذه العلاقات مع الاطراف الثلاثة في العام 1947 و1949 و1952، خلال خمس سنوات وضعت أسس السياسة الخارجية التركية. وهذه المحددات الثلاثة تنطبق على كل السلطات التركية علمانية كانت، أو مع حزب العدالة والتنمية الاسلامية، والجميع صوت ومن ضمنهم المعارضة على دخول تركيا في حلف شمالي الاطلسي وهذا تأكيد بأن ثابتة الانطلاق من هذا الانتماء لرسم السياسات الخارجية التركية.
ثمة محدد أخر، وهو العقيدة التي تعتنقها السلطة الحاكمة في تركيا، كانت الحكومات علمانية ومنفتحة قليلا على الاسلامية لغاية العام 2002 ، ولكن حافظت تركيا على علاقات مع الدول الاخرى على غرار ما يريد اتاتورك (سلام في الوطن سلام في العالم) بمعنى من الند الى للند ومن دولة لدولة، ولا تدخل في شؤون الدول العربية، أو ايران، أو أي مكان، وأضيف مع حزب العدالة والتنمية ورجب طيب اردوغان بعد جديد وعامل ومحدد جديد في السياسة التركية كان وبالًا علينا كعرب ومسلمين في المنطقة، فقد اعتنق اردوغان بدل العلمانية وسياسة الحياة مع الخارج الايديولوجيا الاسلامية العثمانية وتعني مسألتين:
الأولى: التطلع التركي كنزعة تركية قومية تركية الى الخارج والسيطرة على الاراضي التي كانت موجودة تحت السيطرة العثمانية سابقًا، وفي حدها الادنى استعادة حدود ميثاق الملي في شمال سوريا وشمال العراق
الثانية هي النزعة السنية التركية لان الاسلام التركي والعثمانيين تاريخيًا على خصومة وصدام مع الاسلام الشيعي، وكل ما يمكن أن تمثله الشيعة في المنطقة، وأيضًا مع الاسلام الوهابي، فتركيا على خلاف مع السعودية والامارات ومصر.
هذا النموذج الموجود في تركيا أضاف بعدًا جديدًا على السياسة الخارجية التركية جعلها تنظر الى خارج حدودها، ومن هذه الزاوية كان هدف تركيا المركزي هو سوريا، وبعدما استطاعت أن تسقط النظام في سوريا وكان لها اليد الطولى في 8 كانون الثاني 2024، يمكن القول أن الدور التركي في المنطقة انسجم وتماهى مع الادوار الثلاثة: الاطلسية الاميركية الاسرائيلية، ومن هذه الزاوية يمكن القول إن الدور التركي في المنطقة يقع تحت سقف هذه المحددات الأربعة الموجودة، وكونها لا تتعارض مع السياسات الغربية في المنطقة بشكل عام لذلك نعتبر تركيا أكبر الرابحين في السنة الأخيرة من التطورات في المنطقة، وهي تشكل مع إسرائيل طرفي الكماشة التي تديرها الولايات المتحدة ، ومن هنا يمكن القول إن تركيا واسرائيل على الرغم من أن الساحة الجغرافية التي يلعبان فيها واحدة وعلى الرغم من أنهما مشروعين مختلفين (الصهيوني والعثماني) لكن مصيرهما التوافق وتقاسم النفوذ في ظل مصالح الطرفين ووجود مايسترو أعلى يدير هذه المنطقة.
مداخلة الأستاذ علي مراد:
بعد مرور عامين على طوفان الأقصى، يمكن القول إنّ المنطقة لم تعد تشبه نفسها. فقد أُعيد رسم خطوط التماس، لا فقط بالمعنى العسكري، بل بالمعنى الثقافي والسياسي والاجتماعي، وأُسقطت مسلّمات وارتفعت معادلات جديدة، بينما دخلت واشنطن بثقلها مباشرة في الصراع، في خطوة أظهرت أن النظام الإقليمي التقليدي لم يعد قادراً على تحمّل الضربات الارتدادية لتحوّلات القوة الجارية.
وعلى الرغم من كثرة الأسئلة وقلّة الإجابات، إلا أنّ قراءة معمّقة للوقائع تسمح بتحديد الحدود العملية لهذه التحوّلات، والآفاق المستقبلية لمسار الصراع في غرب آسيا، وتأثيراتها على القضية الفلسطينية والدول المحيطة، وعلى البنى السياسية والثقافية والاجتماعية في العالم العربي.
أولاً: رؤية الصراع بعد طوفان الأقصى – حاضر ومستقبل غرب آسيا
أعاد الطوفان تأكيد أنّ الصراع لم يعد يدور في مربّع «العرب – إسرائيل» التقليدي، بل أصبح صراعاً بين محور مقاومة متعدّد المستويات ومحور أميركي – صهيوني – إقليمي يسعى للحفاظ على الهيمنة. وأبرز خصائص المشهد الجديد:
لقد أحدثت المعركة تحولاً جذرياً في مقاربة الملف الفلسطيني:
تحوّل الصراع إلى اختبار وجودي للدول المجاورة:
مستقبل غرب آسيا بات رهناً بمخرجات الصراع لا بإرادة طرف واحد، ما يعني أنّ المنطقة تسير نحو نظام أمني جديد يقوم على مبدأ توازن الردع، لا التفوّق الاسرائيلي.
ثانياً: البعد العسكري والميداني بعد دخول الولايات المتحدة الصراع
ما إن دخلت الولايات المتحدة الحرب مباشرة – بقطعها البحرية والجوية وعملياتها الاعتراضية – حتى تغيّر شكل المواجهة. دخلت الحرب مرحلة جديدة تتّسم بـ:
أثبت طوفان الأقصى أنّ حركات المقاومة طوّرت نموذجاً متقدّماً من الحرب اللامتماثلة المتعددة الجبهات:
هذه البيئة العسكرية كسرت احتكار التفوّق الجوي الإسرائيلي – الأميركي، وأجبرت واشنطن على توزيع قواتها بطريقة تُمكّنها من الدفاع عن حلفائها وعن مصالحها في وقت واحد.
بالرغم من ضخامة الحضور العسكري الأميركي، إلا أنّ واشنطن واجهت تحديات واضحة:
البعد العسكري إذن دخل مرحلة الاستعصاء الاستراتيجي: لا واشنطن قادرة على الحسم، ولا المقاومة تريد حرباً شاملة، لكن الطرفين يواصلان الضغط لإعادة رسم التوازنات.
ثالثاً: البعد السياسي: ما الذي تُحضّره واشنطن وتل أبيب وأنقرة والخليج وسوريا؟
تعمل الولايات المتحدة اليوم على هندسة بيئة سياسية تسمح لها بإدارة الصراع بدل إنهائه:
باختصار، المشروع الأميركي هو منع انتصار المقاومة وليس تحقيق نصر إسرائيلي، لأن الثاني أصبح شبه مستحيل.
تركيا تتحرك وفق ثلاثة مسارات متوازية:
أنقرة تفهم أنّ النظام الإقليمي المقبل يُعاد تشكيله، وتحاول انتزاع موقع يسمح لها بالتحكم بجزء من ممرات الطاقة والنفوذ في شمال سوريا والعراق.
الدول الخليجية تعيش تناقضاً واضحاً:
لهذا تشهد السياسة الخليجية ارتباكاً في رسم معالم ما بعد الطوفان، وهو ما يفسر الحذر في التطبيع العلني والبحث عن «ضمانات أميركية» قبل أي خطوة إقليمية كبرى.
سوريا هي الدولة التي يجري حولها أكبر قدر من الهندسة السياسية:
النتيجة: سوريا تتحوّل تدريجياً إلى مركز إعادة توزيع النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية.
رابعاً: البعد الثقافي – الاجتماعي: كيف تنظر النخب العربية للصراع؟
للمرة الأولى منذ عقود، يواجه كيان العدو انهياراً حقيقياً في صورته الثقافية:
هذا التحول لم يكن عاطفياً فحسب، بل معرفياً أيضاً، إذ باتت النخب العربية تتعامل مع المقاومة كفاعل استراتيجي لا كحالة محلية.
دخلت واشنطن الحرب بحجم كبير، لكن النتيجة كانت عكسية:
هذا الانكشاف دفع شرائح واسعة من المثقفين العرب لتطوير سرديات نقدية للنظام العالمي وللتحالف الأميركي – الإسرائيلي.
لم تعد المقاومة تُرى كحركات تحمل هوية محلية ضيقة، بل كجزء من مشروع إقليمي يملك بنية قرار، استراتيجية قتال، رؤية سياسية، وشبكات تحالف. وهذا التحول جاء نتيجة:
أعادت الحرب إحياء مفهوم الانتماء الجمعي العربي – الإسلامي، بعد سنوات من التفكك.
كما أدت إلى:
خلاصة: نحو شرق أوسط جديد فعلاً… ولكن ليس كما تريد واشنطن
بعد عامين على طوفان الأقصى، يتضح أنّ التحولات الجارية ليست آنية، بل بنيوية تتعلق بمستقبل القوة والتوازن في المنطقة. ونستطيع تلخيص أبرز حقائق المرحلة الجديدة في خمس نقاط مفصلية:
هذه التحولات تمثّل فرصة تاريخية لإعادة بناء الوعي العربي وتحديث الرؤى الاستراتيجية، شريطة ألا تقع المنطقة في فخ التسويات السطحية أو الإملاءات الخارجية التي تحاول إعادة تدوير الهزيمة.