• اخر تحديث : 2025-12-24 01:28
news-details
مقالات مترجمة

أخطر تهديد في الشرق الأوسط: كيف يُمكن للحوثيين - وحرب جديدة في اليمن - أن يُغيّروا موازين القوى بعد غزة؟


كان المتوقع أن يكون بين أهم الآثار الإقليمية الأوسع لوقف إطلاق النار في غزة في أكتوبر/تشرين الأول، هدوء جديد في البحر الأحمر، وربما في اليمن. 
في الواقع، ونتيجة الهدنة، أوقفت حركة أنصار الله الحوثية - الجماعة المسلحة التي تسيطر على شمال اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، والمتحالفة مع حماس وإيران - هجماتها على السفن التجارية في البحر الأحمر وضد إسرائيل. كما بدا أن اتفاقًا سابقًا توسطت فيه عُمان بين الحوثيين والحكومة الأميركية قد خفف من حدة التهديد المباشر الذي يشكله الحوثيون على المصالح الأمريكية في الممر الملاحي. أما داخل اليمن، فقد استمرت هدنة هشة دامت ثلاث سنوات ونصف في الحرب بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليًا. ورغم عدم هزيمة الحوثيين، بدا أن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن الوضع في البلاد قد هدأ، وأن بإمكانهم توجيه اهتمامهم إلى أماكن أخرى.
 
 
بعد أقل من شهرين، بدأ هذا الهدوء النسبي بالتلاشي. ففي أوائل ديسمبر، شنّ الانفصاليون في جنوب اليمن حملة واسعة للسيطرة على أجزاء كبيرة من حضرموت، وهي منطقة منتجة للنفط على الحدود مع السعودية، ومحافظة المهرة على الحدود مع عُمان. يمثل هجوم المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو فصيلٌ جزءٌ من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ولكنه يدعو إلى استقلال جنوب اليمن، تحولًا جذريًا في موازين القوى في البلاد. فمن جهة، يحظى المجلس بدعم الإمارات، وقد أدى توسعه الجريء إلى توترات جديدة مع السعودية، التي تدعم فصائل متنافسة داخل الحكومة وتعتبر الاستيلاء على السلطة تهديدًا محتملًا لأمنها القومي. والأكثر إثارة للقلق، أن هجوم المجلس الانتقالي الجنوبي يُرجّح أن يُوفّر ذريعةً لعملياتٍ أوسع نطاقًا من جانب أنصار الله.
 
وبينما تتكشف حملة المجلس الانتقالي الجنوبي، تعهّدت حركة أنصار الله بتوسيع سيطرتها على المناطق المنتجة للنفط والغاز في شرق البلاد. وبمساعدة إيران ودول أخرى، عملت بلا كلل على توسيع ترسانتها من الأسلحة التقليدية المتطورة؛ كما كثّفت إنتاجها المحلي للأسلحة، حتى باتت قادرة على تجميع الصواريخ الباليستية وتصنيع طائرات مسيّرة قصيرة المدى بشكل مستقل. 
 
علاوة على ذلك، تُؤكد أفعال الجماعة وخطابها رغبتها في السيطرة على اليمن بأكمله ومواصلة مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة والسعودية والإمارات. وإذا ما انهار وقف إطلاق النار في غزة، فإن الحوثيين على أهبة الاستعداد لمواصلة هجماتهم على البحر الأحمر، والآن بعد أن لمسوا مدى فعالية هذه الحملة، قد يُعيدون إطلاقها لأسباب أخرى في المستقبل.
 
إن تجاهل الولايات المتحدة لليمن يُعرّضها للخطر. وحتى الآن، اقتصر دور إدارة ترامب على فرض عقوبات على الحوثيين، وحماية الهدنة الثنائية بين الولايات المتحدة والجماعة، والأمل في أن تتولى إسرائيل وشركاء الولايات المتحدة في الخليج حل أي قضايا أخرى بأنفسهم. كما تخلّت الإدارة إلى حد كبير عن دعم الحكومة اليمنية وتقديم قيادة دبلوماسية لإنهاء الحرب.
 
لكن بدون استراتيجية أميركية أوسع، قد تأتي الضغوط المالية على الحوثيين بنتائج عكسية. قبل تحرك المجلس الانتقالي الجنوبي في ديسمبر، لوّحت قيادة الحوثيين بإمكانية سعيها للاستيلاء على المزيد من الأراضي أو انتزاع تنازلات مالية من السعودية للحصول على المزيد من الموارد. والآن، جعلت الاضطرابات في الجنوب البلاد أكثر قابلية للاشتعال، ما يُهدد بإعادة إشعال صراع كان حتى الآن يصب في مصلحة الحوثيين. وأي عودة إلى حرب شاملة ستكون لها تداعيات في الخليج ومنطقة البحر الأحمر.
 
محور المقاومة
 
مع انحسار غبار الحرب الإسرائيلية على غزة، يبرز الحوثيون كحالة شاذة. فمع تراجع حماس بشكل كبير، وانهيار حزب الله اللبناني، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتجنب المجموعات الشيعية في العراق الصدام مع إسرائيل، بات باقي أعضاء محور المقاومة الإيراني، الذي كان يتمتع بنفوذ قوي، في حالة ضعف شديد. على النقيض من ذلك، ازداد الحوثيون جرأةً بفعل الحرب في غزة، التي ساعدت قادتهم على ترسيخ جوهر الجماعة الأيديولوجي، وتهميش البراغماتيين، وتعزيز اعتقاد أنصارهم بأنهم في مهمة مقدسة لتحرير فلسطين وقلب النظام الإقليمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وإسرائيل.
 
وقد حصد الحوثيون مكاسب ملموسة من تحديهم. فبمواصلة حالة التأهب القصوى، أفلتوا من المساءلة عن تفاقم الفقر وعدم دفع رواتب موظفي القطاع العام في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. كما استغلوا الصراع لقمع خصومهم المتصورين، وتضييق أي هامش للمعارضة، وتشديد قبضتهم على السلطة. وفي الوقت نفسه، عزز الصراع البارز مع إسرائيل التجنيد العسكري، بما في ذلك تجنيد الأطفال، وسهّل جهودهم لتدريب جيل جديد وتلقينه أفكارهم. وبحلول العام 2024، قُدّر عدد مقاتلي الحوثيين بنحو 350 ألف مقاتل.
 
وقد تفاقم خطر الحوثيين مع تنامي قدراتهم العسكرية. في المراحل الأولى من الحرب في غزة، لم تتمكن صواريخ الحوثيين في الغالب من الوصول إلى الأراضي الإسرائيلية؛ وبحلول مايو/أيار 2025، أصبحت قادرة على ضرب مطار بن غوريون قرب تل أبيب. وفي سبتمبر/أيلول 2025، تمكنت طائرات الحوثيين المسيّرة من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، ما أسفر عن إصابة أكثر من 20 شخصًا في إيلات وضرب مطار رامون القريب. كما استهدفت صواريخ الحوثيين ينبع، وهو ميناء نفطي سعودي رئيس يقع على بعد حوالي 620 ميلًا من الحدود اليمنية. في الوقت نفسه، منحت حرب غزة الحوثيين خبرة عملياتية قيّمة، سمحت لهم بتحسين دقة استهدافهم واختبار أسلحة جديدة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية المزودة برؤوس عنقودية.
 
سعياً لتوسيع ترسانتها، نوّعت الجماعة سلاسل إمدادها وأقامت علاقات مع خصوم الولايات المتحدة، بما في ذلك الصين وروسيا إلى جانب إيران. ولسنوات، دأبت طهران على تزويد الحوثيين بالأسلحة التقليدية والتدريب، وضاعفت هذا الدعم مع تراجع قوة حلفائها الإقليميين. إلا أن الحوثيين يستوردون الآن مكونات ذات استخدام مزدوج ومواد عسكرية من الصين لاستخدامها في تصنيع الأسلحة محلياً. وفي سبتمبر/أيلول، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على 32 فرداً وكياناً مرتبطين بالحوثيين، بينهم عدد في الصين، بتهمة جمع التبرعات غير المشروعة والتهريب وشراء الأسلحة.
 
وفي المقابل، شاركت روسيا بيانات الاستهداف عبر الحرس الثوري الإيراني لمساعدة الحوثيين على استهداف السفن الغربية وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال. كما قامت موسكو بتزويد الحوثيين بالنفط عبر ميناء الحديدة اليمني. وفي الصومال، قدّم الحوثيون الأسلحة والتدريب لحركة الشباب الجهادية السنية مقابل المال وشراكة محتملة لتعطيل الملاحة في خليج عدن. كما أصبح الصومال مركز عبور هامًا للأسلحة المهربة إلى مناطق سيطرة الحوثيين.
 
وقد أوضح قائد حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي، أن طموحات الحركة لا تتوقف عند حدود اليمن. في الواقع، كان توحيد العالم الإسلامي ضد النفوذ الغربي وإسرائيل جزءًا أساسيًا من منظومة الحوثيين الفكرية منذ تأسيس الحركة أوائل العقد الأول من الألفية الثانية، وهي مهمة تعززت بشكل كبير بفعل الحرب في غزة. وصرح الحوثيون بأن جولات أخرى من القتال مع إسرائيل حتمية، وأن السعودية والإمارات مجرد أدوات في المشروع الإقليمي الأميركي الإسرائيلي وخائنتان للقضية الفلسطينية. ويتباهى الآن بأن حركته تُدرّب أكثر من مليون مجاهد، وأن اليمن الخاضع لسيطرة الحوثيين يتصدر العالم العربي في الإنتاج والتصنيع العسكري. رغم أن الادعاءات المتعلقة بإنتاج الأسلحة كاذبة بشكل واضح، إلا أنها تُعزز صورة الحوثيين عن أنفسهم كقوة المقاومة العربية الرائدة.
 
ضغط بلا سياسة
 
مع ازدياد نفوذهم، تلقى الحوثيون ضربات موجعة. فقد دمرت عملية "الفارس الخشن"، وهي حملة قصف مكثفة استمرت 52 يومًا وبدأتها إدارة ترامب في مارس/آذار، العديد من مستودعات الأسلحة ومنشآت التصنيع التابعة للحوثيين، على الرغم من أن حجم الأضرار الكامل غير واضح. كما أن قرار الولايات المتحدة هذا العام بإعادة تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية أدى إلى ضغوط اقتصادية على المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وذلك بقطع وصولها إلى النظام المصرفي الدولي.
 
منذ صيف 2024، ألحقت الغارات الجوية الإسرائيلية أضرارًا جسيمة بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث أغلقت المطار الدولي الوحيد في الشمال، ودمرت جزءًا كبيرًا من ميناء الحديدة، وألحقت دمارًا هائلًا بالبنية التحتية للكهرباء في اليمن. كما استهدفت إسرائيل قيادة الحوثيين بنجاح نسبي. في أغسطس/آب، أسفرت غارة إسرائيلية عن مقتل رئيس الوزراء وعدد من أعضاء حكومة الحوثيين في صنعاء، ولم يكن أي منهم من أبرز منظّري الحوثيين. وفي أكتوبر/تشرين الأول، أكّد الحوثيون اغتيال رئيس أركانهم، وهو استراتيجي عسكري بارز. ورغم أن هذه الهجمات لم تُحقق نجاحًا يُذكر في الوصول إلى كبار قادة الجماعة، إلا أنها أجبرتهم على الاختفاء، وأبطأت اتصالاتهم، وأثارت شائعات حول احتمال مقتل آخرين.
 
يُوجّه الحوثيون تهديدات علنية للرياض.
 
لكن نهج واشنطن العام تجاه اليمن مليء بالتناقضات. فعلى سبيل المثال، وفّرت الهدنة الثنائية التي أبرمتها الإدارة الأميركية مع الحوثيين في مايو/أيار مخرجًا سريعًا من عملية "الفارس الخشن"، التي كلّفت بالفعل أكثر من مليار دولار، واستُخدمت فيها موارد عسكرية ضخمة كانت مطلوبة في أماكن أخرى. إلا أنها لم تمنع الحوثيين من مواصلة هجماتهم على أهداف غير أميركية في البحر الأحمر، أو من إطلاق المزيد من الصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل. كما أنها لم تُقدّم استراتيجية طويلة الأمد لحماية المصالح الأميركية في البحر الأحمر أو الخليج.
 
على النقيض من ذلك، منحت الهدنة، التي سمحت لواشنطن بالانسحاب سياسياً وعسكرياً من اليمن، الحوثيين فرصة لتصعيد معاركهم ضد أعدائهم الداخليين والإقليميين بكلفة أقل. وما زاد الطين بلة، أن إدارة ترامب علّقت معظم المساعدات الإنسانية لليمن، بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية التي تدعمها الولايات المتحدة ظاهرياً. في بلد يحتاج فيه 24 مليون شخص - أي غالبية السكان - إلى مساعدات إنسانية، وأكثر من 14 مليوناً منهم في أمسّ الحاجة إليها، يُعدّ هذا بمثابة ضربة قاصمة.
 
في غضون ذلك، وبتشديد العقوبات وإغلاق المنافذ الدبلوماسية أمام الحوثيين، أغلقت الإدارة الأميركية أي فرصة للتوصل إلى اتفاق سلام تفاوضي في الوقت الراهن. ولم يعد للولايات المتحدة مبعوث مخصص إلى اليمن، ما يدل على تراجع هذا البلد في سلم أولويات واشنطن. ولا تؤيد الإدارة العودة إلى صيغة ما قبل حرب غزة لتسوية النزاع اليمني التي كانت تنص على موافقة الحوثيين على وقف إطلاق النار وعملية سياسية مقابل منافع مالية تشمل دفع رواتب القطاع العام. ومع ذلك، لا يبذل سوى قلة في واشنطن جهودًا لإيجاد مسار بديل.
 
الصراع الجديد على السلطة
مع الاضطرابات الجديدة في الجنوب، قد تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها الخليجيون قريبًا أزمة أوسع نطاقًا. ومن الممكن أن تعمل الإمارات والسعودية على الحد من تداعيات سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على حضرموت من خلال الاتفاق على جهد مشترك لاحتواء التوترات داخل الحكومة اليمنية. قد تُفضي مثل هذه الصفقة إلى جبهة موحدة ضد الحوثيين، ما يسمح بإحياء البحث عن تسوية سياسية في اليمن، أو بدفع هذه القوات لاستعادة أراضٍ من الحوثيين في الشمال قبل أي مفاوضات محتملة.
 
وقد أعلن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، أن "الهدف التالي للجماعة هو صنعاء، سلمياً أو بالحرب". وأي اتفاق يسمح لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي بدعم المقاتلين على طول ساحل البحر الأحمر ومدينة مأرب لاستعادة الشمال من الحوثيين سيكون صعباً، والمرجح أن يتضمن ضمانات للحكم الذاتي الجنوبي، وربما استفتاءً في المستقبل. لكن كل هذا غير ممكن حتى يتم حل المأزق الراهن في حضرموت بطريقة تُراعي المخاوف الأمنية للسعودية.
 
قد يكون الوقت ضيقاً. وهناك أيضاً احتمال حقيقي لاندلاع قتال بين فصائل الحكومة، ما قد يُساعد الحوثيين على تحقيق المزيد من التقدم العسكري أو السياسي. وإذا أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي استقلاله - وهو أمر يبدو حريصاً على تجنبه حالياً لأن قلة من الدول ستعترف به - فقد يدفع ذلك القوات الشمالية إلى إعادة تنظيم صفوفها ضده.
 
في غياب التدخل الأميركي، ستواصل السعودية والإمارات دعم الجماعات المتنافسة. حتى لو لم تُؤدِّ حملة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى إشعال حرب أوسع، فسيحتاج الحوثيون قريبًا إلى تخفيف الضغط الاقتصادي الذي يُعانون منه. وهذا يعني على الأرجح الاستيلاء على المزيد من الموارد داخل اليمن، على سبيل المثال، بالسيطرة على محافظة مأرب الغنية بالنفط شرق صنعاء، أو إجبار السعودية على تقديم تنازلات مالية جديدة. وقد هدد الحوثيون الرياض علنًا، مطالبين السعودية بالتحرك لإنهاء الحرب بشكل نهائي، ورفع القيود المفروضة على الموانئ والمطارات، ودفع تعويضات عن الأضرار الناجمة عن الغارات الجوية السعودية على البلاد بين عامي 2015 و2022. وتؤكد رسائل الحوثيين، بما في ذلك إعادة نشر مقاطع فيديو لتوغلاتهم السابقة في الأراضي السعودية وهجماتهم على منشآت أرامكو النفطية، استعدادهم لاستخدام القوة.
 
نظراً لتركيز السعودية على أولوياتها الداخلية وتزايد شكوكها حول المظلة الأمنية الأميركية، فالمرجح أن تستسلم لهذا الضغط. ورغم أن سعي الحوثيين للسيطرة على المزيد من الأراضي سيواجه مقاومة داخلية يمنية، إلا أن الرياض قد تتردد في دعم هذه القوى المناهضة للحوثيين خشية تجدد الهجمات. في المقابل، ومع ضعف موقف الحكومة اليمنية جراء تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب، قد يسعى الحوثيون إلى تحقيق مكاسب إقليمية، مثلاً بمضاعفة جهودهم لحشد ولاء زعماء القبائل الموالين للحكومة حول مأرب. أي من هذه المسارات سيوفر للحوثيين موارد إضافية لتسليح أنفسهم في معارك مستقبلية مع الولايات المتحدة وحلفائها، فضلاً عن تقليص فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في اليمن.
 
وقد تعهد القادة الإسرائيليون بمعاقبة قيادة الحوثيين على هجماتهم السافرة على إسرائيل، كما أنشأت الحكومة الإسرائيلية وحدة استخباراتية جديدة تركز على اليمن. وفي حال انهيار وقف إطلاق النار في غزة، ستُستأنف الاشتباكات بين الحوثيين وإسرائيل، ما قد يصرف الحوثيين عن جبهات أخرى ويوفر فرصاً عسكرية محتملة لخصومهم اليمنيين. مع ذلك، لا يمكن لواشنطن الاعتماد على إسرائيل لمواجهة تحدي الحوثيين. فالحوثيون بعيدون عن إسرائيل، ومتحصنون بقوة في تضاريس جبلية شبيهة بأفغانستان. وكما أظهرت الحملات السعودية والأميركية، لا يمكن هزيمة الجماعة بالقصف الجوي وحده.
 
علاوة على ذلك، تحظى إسرائيل بشعبية متدنية للغاية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وشن المزيد من الضربات الإسرائيلية، لاسيما على البنية التحتية المدنية، يُنذر بتحريض اليمنيين العاديين ضد عدو خارجي مكروه. حتى لو تمكنت إسرائيل من تنفيذ المزيد من الاغتيالات الرفيعة المستوى، فقد يُفضي ذلك إلى ظهور قيادة حوثية أكثر تشدداً في صنعاء، أو إلى صراع جديد على السلطة قد يُزعزع استقرار المنطقة بطرق جديدة.
 
من الميدان إلى القمة
إن رغبة واشنطن في تجنب التورط في حرب مكلفة في اليمن مفهومة. فقد ألحقت قرابة شهرين من القصف الأميركي المكثف في ربيع العام الماضي أضراراً بالحوثيين، لكنها لم تُغير من سلوكهم أو قبضتهم على السلطة. يُسلّط الهجوم الجديد للمجلس الانتقالي الجنوبي الضوء على الانقسامات المتزايدة داخل التحالف الداعم للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وعلى الطبيعة المعقدة والمتغيرة للسياسة الداخلية في البلاد. ولكن نظرًا لموقع اليمن الاستراتيجي على ممر البحر الأحمر وقربه من حلفاء واشنطن الرئيسيين في الخليج، لا يُمكن لإدارة ترامب تحمّل فراغ سياسي.
 
ولمنع اتساع رقعة الصراع، ستحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة توجيه اهتمام جاد إلى اليمن. والأهم من ذلك، يجب على الإدارة الضغط على السعودية والإمارات لخفض حدة التوتر في الجنوب سريعًا والتوصل إلى نهج مشترك تجاه اليمن. سيكون هذا شرطًا أساسيًا للتصدي الفعال للحوثيين. في الوقت نفسه، يجب على واشنطن بذل المزيد من الجهود لمساعدة القوات اليمنية الموالية للحكومة على الحفاظ على خطوط المواجهة الحيوية، بما في ذلك في مأرب وعلى طول ساحل البحر الأحمر، لإقناع الحوثيين بالتنازل. ويمكن أن تلعب الضمانات الأمنية الأميركية المعززة للسعودية والإمارات دورًا هامًا في هذا الصدد، من خلال تأكيد أنه في حال تعرض أي من البلدين لهجوم من الحوثيين، فإن الولايات المتحدة ستساعد في الدفاع عنهما.
 
يتعين على واشنطن أيضاً تجديد دعمها لمسار دبلوماسي مخصص. فاليمن غارق في الحرب منذ أكثر من عشر سنوات، والخسائر الفادحة التي لحقت بسكانه ستترك آثاراً تمتد لأجيال. ولا يمكن حل أزمة الحوثيين، بل والتحديات الداخلية الأوسع نطاقاً التي تواجه البلاد، من خلال الضغوط الاقتصادية أو حملات القصف التي تقودها جهات خارجية فقط.
 
صحيح أن هناك حاجة إلى الإكراه، لاسيما الضغط السياسي والعسكري الميداني من جانب اليمنيين، إلا أن إيجاد حلول بديلة والدبلوماسية لا يقل أهمية. ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي على الولايات المتحدة التنسيق مع الأطراف الفاعلة الرئيسة في البلاد - اليمن، والسعودية، والإمارات، وسلطنة عمان، والأمم المتحدة، وغيرها - لوضع خارطة طريق لتسوية منقحة.
 
يتعين على إدارة ترامب أن تُدرك أن النظام الأمني الذي تسعى لبنائه في الشرق الأوسط، والذي يتمحور حول دول الخليج بعد غزة، لن ينجح إذا انزلق اليمن إلى الفوضى. في غياب التدخل الأميركي، من المرجح أن تستمر السعودية والإمارات في دعم الجماعات المتنافسة داخل الائتلاف الحكومي، مما يُعمّق التوترات بين حليفين رئيسيين للولايات المتحدة (وهي توترات تتجلى أيضاً في السودان)، ويُعمّق الانقسامات بين اليمنيين، ويُهيئ الفرص للحوثيين - فضلاً عن جماعات عنيفة أخرى كالقاعدة - لاستغلال الوضع. وقد يُؤدي ذلك إلى تجدد تحركات الحوثيين في أنحاء المنطقة.
 
لن يكون استعادة الهدوء في اليمن بالأمر الهين، وسيتطلب الأمر ضمانات أمنية للبحر الأحمر ولدول الخليج المجاورة، فضلاً عن تلبية مطالب المجلس الانتقالي الجنوبي باستقلال الجنوب. وسيتطلب الأمر في نهاية المطاف إشراك الحوثيين في العملية السياسية، وإعادة توجيه اهتمامهم نحو الشؤون الداخلية من خلال منحهم دورًا في بناء مستقبل أفضل. وقد تتعثر أي صفقة في ظل تضارب المصالح. لكن التقاعس عن العمل سيكون أسوأ بكثير، وسيؤدي حتماً إلى استمرار امتداد مشاكل اليمن إلى أحد أهم الممرات الملاحية في العالم ومنطقة الشرق الأوسط الكبرى. لا تحتاج واشنطن إلى قيادة الجهود في اليمن، لكن المخاطر جسيمة للغاية بحيث لا يمكنها التغاضي عن الأمر.