"إن الدفع لمواجهة "الانفصالية الإسلامية" قد يؤدي إلى تكريس العداء الكامن تجاه مسلمي فرنسا في القانون" بهذه العبارة بدأت الكاتبة الفرنسية البريطانية ميريام فرانسوا مقالًا نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، وفيه:
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشهر الماضي عن مبادرة "تاريخية": إنشاء مجلس رسمي للأئمة لإضفاء الطابع الرسمي على وضع رجال الدين. إن الدولة العلمانية الفرنسية التي بررت مراقبة كل مظاهر الهوية الإسلامية العامة باسم العلمانية تعمل على إنشاء سجل رسمي للأئمة المسلمين.
سيضع المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية (CFCM)، إلى جانب وزارة الداخلية المعايير القانونية للممارسات الدينية لحوالي خمسة ملايين مسلم في فرنسا؛ وسيتعين على الأئمة توقيع "ميثاق قيم جمهورية" يتضمن مادتين أساسيتين على الأقل تمنعان الإسلام السياسي و"التدخل الأجنبي". بذلك، سينتهي التمويل الأجنبي الذي وفر حتى الآن بموافقة الحكومة الفرنسية الوسائل اللازمة لتمويل المساجد وموظفيها لصالح نموذج جديد وهو الإسلام الفرنسي.
يأمل ماكرون أن ينجح في تحقيق ما فشل فيه أسلافه لجهة إحياء الحلم السياسي المتمثل في صياغة نسخة من الإسلام الخاضعة سياسيًا والمتوافقة اجتماعيًا؛ إسلام من دون قوة تُذكر، بإمكانه أن يدمج معتنقيه المحرومين في جمهورية تستحقر هويتهم الدينية بشكل منهجي، حيث يقول ثلثا المسلمين الفرنسيين إنه يُنظر إلى دينهم بنظرة سلبية.
وما تسجيل الأئمة سوى جزء من حملة أوسع شنّها ماكرون لمواجهة "الانفصالية الإسلامية". لكن لماذا قد يكون "الإسلام الفرنسي" أكثر مرونة من الأشكال الأخرى؟ ليس الإسلام دينًا مركزيًا يمكن التحكم فيه بكلمة زعيم واحد، كما ينبغي للمرء عدم افتراض أن تقاليد الثورة والمعارضة الفرنسية لا ولن تؤثر على الممارسة المحلية للشعائر الإسلامية، حيث يمنح كل من التاريخ الفرنسي والمبادئ الإسلامية الأولوية للعدالة الاجتماعية. فضلا عن ذلك، هناك نوع من المفارقة في هذا المقترح الأخير. فالأئمة مسؤولون عن إقامة الصلاة. بينما يقدم علماء الدين الإسلامي أو الفقهاء المضمون الأخلاقي للدين، إلا أنه لا وجود لخطط "لإضفاء الطابع الرسمي" عليهم.
كما أن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بحد ذاته يتكون من اتحادات تتلقى تمويلًا أجنبيًا، وعلى الرغم من أنه قد شُكل من قبل الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في سنة 2003 ليكون وسيطًا بين المجتمعات المسلمة في فرنسا والحكومة، إلا أن المجلس سُئل عن شرعيته.
من بين حوالي 2500 مسجد في فرنسا، لم يصوت 1100 مسجد في آخر انتخابات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وبغض النظر عن سعي ماكرون لممارسة السيطرة على هذا المجال، إلا أن المسلمين الذين يرغبون في طلب الإرشاد الديني خارج نطاق المجلس سيكونون قادرين على القيام بذلك تماما.
كما يشير الإمام الفرنسي طارق أوبرو، فإن الاتحادات التي يتألف منها المجلس منظمات علمانية وليست دينية؛ ما مؤهلاتهم لتكوين الأئمة في علم أصول الدين؟ والأسوأ من ذلك، ما هي نسخة الإسلام التي سيعملون على إضفاء الطابع الرسمي عليها؟ هل ستكون تلك التي حصلوا عليها من الحكومات الأجنبية الاستبدادية التي تمولهم؟ كيف لذلك أن يكون إسلاما فرنسيا؟
هل سنشهد تكرارًا لمبادرة الرئيس السابق فرانسوا أولاند لسنة 2015 عندما أرسل أئمة فرنسيين للتدريب في المغرب لإعادة "الإسلام الفرنسي" إلى الوطن؟ تتخذ معظم جوانب هذا المشهد طابعا استعراضيًا، قد تم تصميمه لطمأنة الناخبين بأن ماكرون يسيطر على الوضع. لكن ما هي المشكلة من وجهة نظره بالضبط؟
إذا كان الرئيس يريد حقيقة تطوير "إسلام فرنسي"، وهو أمر يرحب به العديد من المسلمين الفرنسيين، أليس من الأجدر إشراك المسلمين الفرنسيين بدلاً من تنفيرهم من خلال التعامل مع منظماتهم الدينية كما لو أنها خطر أمني؟
إن فكرة جمهورية فرنسية معرضة لهجوم أيديولوجي من أقلية مسلمة عنيفة هي من نسج خيال اليمين المتطرف، ومع ذلك فقد استسلم ماكرون لهذه الرؤية. وأصبحت أسطورة صراع الحضارات التي روجت لها الجبهة الوطنية، سياسة بعد أن تبناها "ليبراليون" يتنافسون على الأصوات.
تذكرنا نظرية "الانفصالية الإسلامية" بالسياسة المحافظة الجديدة المناهضة للإرهاب التي تم طرحها في المملكة المتحدة سنة 2010. وتعتبر نظرية "الحزام الناقل" أن الأيديولوجيا هي"النذير الرئيس للتطرف العنيف". ودحضت مذكرة لجنة مجلس الوزراء التي تم تسريبها آنذاك هذه النظرية، وأشارت إلى أنها تمنح "وزنًا مبالغ فيه للعوامل الأيديولوجية"، ومع ذلك، لم يتم تكريس هذه النظرية في إستراتيجية "المنع" المتنازع عليها بشدة في المملكة المتحدة، لكن هناك نموذج فرنسي لهذه النظرية المنقوصة يظهر أنها تدعم أحدث مشروع قانون لماكرون بشأن "الانفصالية الإسلامية".
ولعل أحد الجوانب الأكثر إثارة للقلق في مشروع القانون الذي يهدف إلى تحرير الإسلام في فرنسا من "التأثيرات الخارجية" هو إدراج الأفراد المدانين بتهمة "تمجيد الإرهاب" إلى قائمة رصد الإرهاب آليًا. وبما أنه تم التحقيق مع مئات الأشخاص، بما في ذلك أطفال لم تتجاوز أعمارهم 10 سنوات بتهمة "تمجيد الإرهاب"، فإن مشروع القانون يخاطر بتجريم جيل من المسلمين لسلوكياتهم المعارضة. وأحيانا قد يكون لأعمال تهور يقوم بها بعض المراهقين الذين يرفضون مثلًا إزالة القبعة والسماعات خلال دقيقة صمت، مضاعفات قد تغير حياتهم.
ستخضع مؤسسات المجتمع المدني الفرنسي من مساجد ومنظمات رياضية بدورها لرقابة حكومية أكثر صرامة، مع منح السلطات المحلية حرية أكبر لإغلاقها على أساس تصرفات أحد أتباعها، بقطع النظر عما إذا كان هذا الشخص يشغل مناصب قيادية داخل هياكل الجمعية.
وبموجب مرسوم بدأت الحكومة الفرنسية بحلّ بعض منظمات المجتمع المدني بما في ذلك جمعية خيرية إسلامية بارزة، وهي جمعية بركة سيتي، وجمعية التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا"، وهي جمعية بارزة في مجال حقوق الإنسان وصفها وزير الداخلية جيرالد دارمانين بأنها "عدو للجمهورية". وقد قام بذلك من دون أي دليل عن وجود سلوك غير قانوني، وهو بمثابة تحذير شديد اللهجة للمسلمين الفرنسيين الساعين إلى تأكيد حقوقهم. ومن جهتها، وصفت منظمة العفو الدولية عمليات الإغلاق بأنها "نيل من حرية التعبير وتكوين الجمعيات".
ينبني المبدأ الدستوري الفرنسي للعلمانية على الحياد الديني الصارم للدولة والمؤسسات العمومية، ويمثل أحد أعمدة الهوية الفرنسية. لكن هذا القانون الجديد يقترح تعديل هذه الركيزة التاريخية من خلال تحويلها من شكل من أشكال الحماية القانونية للدولة إلى نوع من الإكراه السياسي.
تواجه فرنسا تهديدًا إرهابيًا، لكن الإجراءات الحالية مع "تشريع" العداء الكامن تجاه المسلمين تهدد بتعريض أسس الجمهورية ذاتها للخطر. وقد يكون إرث ماكرون مكرسَا في القانون.