لا يتوقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الحديث عن المؤامرات التي تحاك ضده، والأعداء الذين يعملون على الإطاحة به، وقد بلغ الأمر ذروته بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة؛ لكن هل من تفسير علمي لشعور ترامب المستمر بالظلم ورغبته في الانتقام؟
في تقرير نشرته صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، يقول المختص في الطب النفسي والمحاضر في مدرسة الطب بجامعة ييل، جيمس كيميل، إن دماغ الإنسان الذي يشعر بالظلم يشبه تماما دماغ مدمن المخدرات، إذ يظهر عدد من الدراسات أن الشعور بالظلم، سواء كان حقيقيا أو متخيلا، يحفز الدوائر العصبية نفسها التي تنشطها المخدرات.
ويوضح الكاتب أن دماغ مدمن المخدرات يتلقى بعض الإشارات، مثل الأماكن التي اعتاد أن يتعاطى فيها هذه المواد، أو مقابلة أشخاص يشاركونه الإدمان، ما يتسبب في ارتفاع الدوبامين في مناطق محددة من الدماغ، وتحديدا النواة المتكئة والمخطط الظهري، وبالتالي تحدث الاستثارة تحسبا للمتعة والراحة، التي تحدث بعد تناول المخدرات.
وتُظهر الدراسات الحديثة وفقا للكاتب، أن الإشارات التي تصل إلى الدماغ نتيجة الشعور بالظلم، مشابهة تماما لما يحدث لمدمن المخدرات؛ إذ تتسبب الاستثارة في توقع تجربة ممتعة تحفزها الرغبة في الانتقام. وليس من الضروري أن يكون الانتقام في تلك الحالة عبر العنف الجسدي، فقد يكون كلمة أو خطابا أو تغريدة مستفزة.
ويرى الكاتب، أنه بالرغم من أن هذه النتائج العملية ليست قطعية، فإنها تشير بوضوح إلى أن الشعور بالظلم والرغبة في الانتقام، نوع من الإدمان الذي لا يختلف كثيرا عن إدمان المخدرات أو القمار. وقد يساعد ذلك في تفسير عدم قدرة بعض الأشخاص على التخلي عن فكرة الانتقام حتى بعد مرور فترة طويلة على الشعور بالظلم، ولماذا يلجأ البعض إلى العنف.
ترامب وإدمان الشعور بالظلم
يعتقد الكاتب من هذا المنظور، أن رغبة ترامب في الانتقام ممن يرى أنهم عاملوه بشكل غير عادل -بما في ذلك الناخبون الأميركيون- تبدو حالة قهرية لا يمكن السيطرة عليها.
ويقدم علم الإدمان إشارة تحذيرية أخرى، ذلك أن رغبة ترامب المستمرة في الانتقام من خصومه، لا تلحق الضرر به وحده؛ بل تؤذي المجتمع كله، وفقا للكاتب. فعلى غرار إدمان المخدرات، يبدو أن إدمان الانتقام ينتقل من شخص لآخر.
ويعمل ترامب في الفترة الحالية على بثّ مشاعره لملايين الناس عبر تغريداته في تويتر وتصريحاته الإعلامية ولقاءاته الجماهيرية. وقد تتحول رغبته في الانتقام إلى مطلب جماهيري يتبناه مؤيدوه، وهذا بدوره قد يخلق شعورا مشابها لدى خصوم ترامب وأنصارهم.
ويحذر الكاتب من خطورة ما يقوم به ترامب، فالأمر لا يتعلق بفرد من العائلة أو صديق مدمن؛ بل برئيس دولة. وتبدو الفرصة في شفاء ترامب، والمجتمع الأميركي بأكمل من "إدمان" الشعور بالظلم ضئيلة للغاية.
وقد أصبحت الأحزاب السياسية وجماعات الضغط تتعمد تأجيج مشاعر الإحساس بالظلم وإذكاء روح الانتقام للحصول على التبرعات وتوجيه الناخبين. بدورها، تروج وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي -وفقا للكاتب- محتوى يؤجج هذه المشاعر؛ لجذب المشاهدين والمستخدمين وزيادة الإعلانات والمبيعات.
هل يحتاج ترامب للعلاج؟
يشدد الكاتب على ضرورة نشر الوعي منذ سنوات الدراسة الأولى حول أفضل الطرق للتعامل مع مشاعر الإحساس بالظلم أو الأذى أو الإذلال، والوقاية من "إدمان" الانتقام. فخطر هذه الظاهرة ليس سياسيا فحسب؛ بل قد تؤدي إلى انتشار العنف في المجتمع.
ويميل المدمن في هذه الحالة إلى إثارة المشاكل والصراعات مع الآخرين؛ لأنه يشعر بنوع من النشوة، لكن ذلك يتحول بسرعة إلى نوبات قلق واكتئاب، تهدد حياته الشخصية والمهنية.
ولهذا السبب، يرى الكاتب أن حالة ترامب تحتاج إلى نظرة متأنية وشيء من التعاطف، ومحاولة فهم "الإدمان" الذي يعاني منه باعتباره اضطرابا سلوكيا يحتاج إلى علاج مثل أي "مدمن"، وليس الإمعان في مهاجمته وانتقاده؛ لأن ذلك سيغذي شعوره بالظلم ورغبته في الانتقام.