تناول أندرو باراسيليتي في تقدير موقف في موقع "المونيتور" الأميركي الخلاف التركي الجديد مع روسيا وإيران وتساءل إن كان الأمر مجرد شجار أم صدعاً في العلاقات؟ وقال إن تركيا وروسيا وإيران ظلت موحدة إلى حد ما في السنوات الأخيرة، مقيدة بدبلوماسية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتشاطرت معارضة للسياسة الأميركية في سوريا وإن كان كل منها لأسباب مختلفة، وعداء أنقرة وطهران المتبادل تجاه "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة (مجدداً لأسباب مختلفة). ويبدو أن الجاذبية المغناطيسية لتلك المصالح المشتركة تتضاءل، وقد يكون أحد الأسباب هو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يدرك أن حاميه الوحيد في واشنطن، الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، سيغادر الشهر المقبل. هناك علامة على أيام أكثر تحدياً قادمة هي أن إدارة ترامب في طريقها للخروج، وتنفيذ عقوبات الكونغرس بسبب شراء أنقرة لنظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400.
وعدد الكاتب ست مؤشرات على بعض التغييرات المحتملة في السياسة التركية فيما يتعلق بإيران وروسيا والولايات المتحدة، وما قد يعنيه ذلك بالنسبة لإدارة بايدن:
1-قصيدة في أذربيجان: زار أردوغان أذربيجان الأسبوع الماضي في جولة مظفرة. ما كان يمكن للجيش الأذربيجاني أن يستعيد الأراضي التي فقدها لأرمينيا في ناغورنو كاراباخ من دون الدعم العسكري التركي. كانت الحرب تحظى شعبية في تركيا وعلامة على موقف أردوغان الحازم في المنطقة. في باكو في العاشر من كانون الأول / ديسمبر، انغمس أردوغان في قصيدة أثارت لفترة وجيزة مصدراً جديداً للخلاف مع طهران بمقاطع تتحدث عن فصل الأذريين الإيرانيين "بالقوة" عن أذربيجان. وأدى ذلك إلى اندلاع موجة دبلوماسية بين وزيري خارجية البلدين لتوضيح "سوء التفاهم"، وانتهى باعتقاد الرئيس الإيراني حسن روحاني أن "الأمر قد انتهى".
2-اعتقالات في تركيا: ألقت المخابرات التركية القبض على 11 شخصاً يشتبه في تورطهم في اختطاف المعارض الإيراني حبيب شعب. قد يكون المشتبه بهم على صلة بكل من الحكومة الإيرانية ومهرب المخدرات ناجي شريفي زنداستي، الذي يعيش في تركيا منذ أن حكمت عليه إيران بالإعدام في عام 2007. وهناك تكهنات بأن زنداستي ربما يكون قد وعد بعفو مقابل اختطافه شعب وإرساله إلى إيران.
3-صدع في سوريا: ربما تفكر تركيا في شن هجوم على بلدة عين العيسى التي يسيطر عليها الأكراد في شمال غرب سوريا. تحاول روسيا منع تحرك تركي من خلال التوسط في اتفاق مع "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية للسماح بدور أكبر للحكومة السورية والجيش السوري. لقد تماسك تجمع إيران وتركيا وروسيا في سوريا على الرغم من المصالح المتباينة، لكنه قد يكون في حالة تآكل. فقد أخبر المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري، مراسل المونيتور جاريد زوبا، أن دور تركيا في سوريا كان عبارة عن حقيبة مختلطة، حيث أن عداء أنقرة لقوات سوريا الديمقراطية كان مجرد ركن واحد مزعج من هيكل سياسي معقد سعت فيه واشنطن إلى تسخير مصالح الطرفين، تركيا وإسرائيل لدحر إيران والتعامل مع حكومة الرئيس بشار الأسد وروسيا في الحرب الأهلية في سوريا.
4-طائرات بدون طيار لأوكرانيا: وسائل الإعلام الإخبارية الأوكرانية تعج بالتكهنات بأن الجيش الأوكراني ربما يخطط لاستعادة منطقة دونباس الشرقية في البلاد التي يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من روسيا، باستخدام طائرات "بيرقدار – تي بي2" Bayraktar TB2 التركية التي يعتقد أنها كانت تغيّر قواعد اللعبة في الحرب الأذرية الأرمنية. لقد أثار تعميق العلاقات الدفاعية بين تركيا وأوكرانيا قلق موسكو، وقد يكون ذلك رداً على الجهود الروسية لتقويض أجندة تركيا في الحربين في ليبيا وسوريا، حيث تدعم أنقرة وموسكو الجماعتين المتنافستين.
5-المصالحة مع السعودية: سعى أردوغان إلى إصلاح العلاقات مع السعودية، التي تدهورت بشدة بسبب سلسلة من الأحداث بما في ذلك مقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول. وردت الرياض بمقاطعة غير رسمية للبضائع التركية في المنطقة. عززت تركيا علاقاتها مع قطر، التي هي نفسها مستهدفة بحظر من قبل السعودية والإمارات ومصر والبحرين منذ عام 2017. كما تشترك أنقرة والدوحة في تقارب مع جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها دول الحصار الأربعة إرهابية. ففي مؤشرات على تحسن العلاقات، عمل أردوغان عبر الهاتف مع الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لشكر المملكة على مساعدتها في أعقاب الزلزال الذي ضرب إزمير، ومع ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة لتقديم التعازي في وفاة رئيس الوزراء. بعد اتصال أردوغان بالملك سلمان، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن العلاقات السعودية التركية "طيبة وودية".
وقال الكاتب إن أنقرة لا تزال تملك نفوذاً على الرياض فيما يتعلق بمقتل خاشقجي. ويمكن لها أن ترفع أو يخفض درجة الحرارة في التحقيق، اعتماداً على كيفية تأثيره في واشنطن. في غضون ذلك، يعتبر أردوغان مشاكله مع الإمارات أكثر منها مع المملكة، حيث اتخذت وأبو ظبي جانبين متعاكسين في حرب ليبيا.
6-إعادة ضبط الوضع مع "إسرائيل" (وواشنطن): سمّت تركيا سفيراً جديداً لها لدى "إسرائيل" تماشياً مع الجهود المبذولة لتطبيع العلاقات معها وتسجيل نقاط مع الإدارة المقبلة للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن. كما أن النشر العلني لقصة المعارض الإيراني الشعب التي سرّبها لأول مرة مسؤول تركي إلى صحيفة "واشنطن بوست"، يشير إلى أن تركيا حريصة على إظهار أنها تتخذ إجراءات صارمة ضد إيران في الوقت الذي تسعى فيه إلى بناء جسور مع إدارة بايدن المقبلة. والأكثر غرابة، أن الاستخبارات التركية، الذي اتهمت "إسرائيل" رئيسها هاكان فيدان، باقتلاع أصولها المحلية في إيران لمصلحة النظام الديني، هي من أخذت زمام المبادرة. وهذا بدوره يتناسب مع جهود تركيا الأخيرة للتواصل مع "إسرائيل" والتي قوبلت بتجاهل كبير وتثاؤب.
وقد أشار مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون في كتابه الأخير إلى علاقة ترامب وأردوغان على أنها "علاقة صداقة" ومن غير المرجح أن يتشارك أردوغان وبايدن في نفس العلاقة. في كانون الثاني / يناير 2020، وصف بايدن أردوغان بأنه "مستبد" وقال إنه يجب أن "يدفع الثمن". وقال أردوغان إنه "ليس غريباً عن بايدن"، مضيفاً "لقد عرفنا بعضنا البعض عن كثب منذ عهد أوباما. حتى أنه وصل إلى منزلي وزارني في منزلي عندما كنت مريضاً"، مشيراً إلى أنه "لا يوافق على الخطوات الأميركية بشأن شرق الفرات في سوريا وشراء تركيا للأسلحة".
وخلص الكاتب إلى أن أردوغان يبحث عن فرص لتصحيح العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا وسيرغب في السير على قدم المساواة مع بايدن، مشيراً إلى أن الخلاف مع روسيا وإيران كان دائماً تحت السطح. ومع ذلك، يجد أردوغان وبوتين وروحاني طريقة لترك أمتعتهم عند الباب لإدارة هذه الاختلافات. ومن المرجح أن يتم حل المشكلات العديدة التي تشكل العبء في العلاقات الأميركية التركية في إدارة بايدن. فبايدن هو نفسه دبلوماسي ماهر، ولدى الولايات المتحدة وتركيا أسباب مقنعة لإيجاد أرضية مشتركة حيث يمكن العثور عليها، مع التخلي عن فكرة "التحالف" بين الولايات المتحدة وتركيا، والتي يشير البعض إلى أنها في الغالب حنين إلى الماضي.