حذرت دراسة حديثة نشرت بدورية "فرونتيرز إن مارين ساينس" (Frontiers in Marine Science) في 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري من أن تسرب ما يزيد عن مليون برميل نفط من الناقلة المتهالكة صافر بات وشيكا، ويرجح أن يحدث في أي ثانية.
وهذا يعني تسربا نفطيا يزيد 4 أضعاف عن كارثة التسرب، التي وقعت عام 1989 في خليج ألاسكا من الناقلة "إكسون فالديز" (Exxon Valdez)، الأمر الذي ينذر بكارثة بيئية وإنسانية إقليمية سيتم معها تدمير صحة وسبل عيش ملايين الأشخاص، الذين يعيشون في 6 بلدان تمتد على طول ساحل البحر الأحمر. كما سيؤثر هذا التلوث على الهواء والغذاء والماء.
نموذج حاسوبي
ووفقا للبيان الصحفي للدراسة المنشور على موقع "يوريك ألرت" (Eurek Alert)، وضع فريق دولي من الباحثين من الولايات المتحدة وألمانيا وإسرائيل نموذجا يوضح آلية انتشار أو توزيع النفط المتسرب من صافر في البحر الأحمر لمدة تقارب 30 يوما، ودرس هذا النموذج تبعا لحالة الطقس سواء صيفا أو شتاء.
وخلص الباحثون إلى أن "صافر" وصلت إلى المرحلة الأخيرة من التآكل، وبأن النهاية باتت وشيكة جدا. ووفقا للدراسة، ستقوم التيارات المحلية بتوزيع النفط على الشعاب المرجانية، التي تغطي ما يقرب من 4 آلاف كيلومتر على طول ساحل البحر الأحمر.
ويعد خليج العقبة، الذي يقع في أقصى شمال البحر الأحمر، موطنا للشعاب المرجانية، التي تعتبر من أكثر النظم البيئية بدائية على مستوى العالم. وقد أثبت مرجان البحر الأحمر ذاك أنه مقاوم بشكل ملحوظ لارتفاع درجات الحرارة، وتحمض المحيطات على عكس الشعاب المرجانية في بقاع أخرى من العالم.
وأوضح الباحثون أن النفط المتسرب سيمتد شمالا في فصل الشتاء إضافة إلى انتشاره في مركز البحر الأحمر، وهكذا يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة قبل حلول فصل الشتاء.
الحياة في البر والبحر
منذ اندلاع الحرب في البر الرئيسي بين الحوثيين والقوات التي تقودها السعودية، فقدت شركة النفط اليمنية الحكومية إمكانية الوصول إلى ناقلة النفط "صافر" ذات الـ45 ربيعا، وتركت الناقلة لتتآكل تدريجيا قبالة الساحل الغربي لليمن.
وفي عام 2019 تراجع الحوثيون في اللحظة الأخيرة عن إذنهم بالسماح للأمم المتحدة بالتدخل لحل أزمة صافر. وفي مايو/ أيار الماضي تداولت صحف عديدة خبر خرق مياه البحر لجسد الناقلة، ووصولها إلى غرفة المحرك.
ليتبع ذلك إعلان مسؤولين سعوديون أنهم عثروا على "بقعة نفطية" بالقرب من الناقلة، وذلك في ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري.
وعلى الرغم من أنه لم يتم البت في صحة أي من هذه التقارير؛ إلا أن الباحثين لم يتوانوا عن إطلاق صيحات التحذير تجاه القنبلة الموقوتة العائمة. ففي شهر يوليو/تموز الماضي قدرت مجموعة بيئية يمنية أن الأمر سيستغرق 30 عاما حتى تتعافى البيئة إذا غرقت صافر، وقد يفقد أكثر من 126 ألف شخص في هذه الدولة وحدها سبل عيشهم جراء التلوث الناجم عن ذلك.
وفي حال تسبب هذا التلوث المرتقب بانسداد عدد لا يحصى من محطات تحلية المياه في المنطقة، فقد يحرم ملايين الناس من المياه؛ مما سيترك اليمنيين وجها لوجه أمام المجاعة والفقر من الحرب المستمرة.
كما أنه سيهدد إمكانية بقاء الشعاب المرجانية في شمال البحر الأحمر وخليج العقبة على قيد الحياة في العقود القادمة؛ لكونها النظم البيئية الأخيرة للشعاب المرجانية في العالم.
ويعتقد بعض الدبلوماسيين أن "الحوثيين يتخذون صافر درعا للمساومة وبالسعر المناسب"، "مثل امتلاك سلاح نووي". وقد يكون مسؤولو الأمم المتحدة قادرين على معالجة الوضع؛ لكن من الذي سيدفع سيما أن الثمن ما يزال قيد التفاوض المكثف.
ووفقا لتقرير صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فقد وافق الحوثيون أخيرا على السماح للأمم المتحدة بتفقد الناقلة وإصلاحها. ويرى خبراء البيئة أن هذه الصيانة المرتقبة في شهر يناير/كانون الثاني القادم، إن حدثت، ستكون متأخرة جدا.
واختتم الباحثون دراستهم بأنه لا بد أن تعمل الأمم المتحدة و"المنظمة البحرية الدولية" (International Maritime Organization) والشركات العالمية لاستخراج النفط وتكريره وشحنه، على حماية البحر الأحمر وموارده البحرية الحيوية، وذلك من خلال بذل جهود جادة لوقف هذا التسرب الهائل والمدمر المحتمل.