نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الاميركية مقالا للكاتب عز الدين شكري فشير، قدّم فيه مقترحات لإدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن التي ستتولى السلطة في الولايات المتحدة في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.
واستعرض الكاتب بعض الأفكار التي يرى أن من شأنها مساعدة الإدارة الأميركية الجديدة في إرساء الديمقراطية بالعالم العربي.
وأوضح فشير -الذي يعمل أستاذا في قسم دراسات الشرق الأوسط بكلية دارتموث ومقرها في هانوفر، بولاية نيوهامبشير الأميركية- أن الرئيس المنتخب بايدن أشار مرارا إلى نيته تبني سياسة مغايرة لتلك التي انتهجها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب وما اتسمت به من تهاون -إن لم يكن دعما صريحا- لانتهاك حلفاء الولايات المتحدة للقيم والأعراف الديمقراطية.
فقد كتب بايدن على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، منتقدا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، "لا شيكات على بياض بعد الآن لدكتاتور ترامب المفضل". وأكد اختيار بايدن لأنتوني بلينكن ليكون وزيرا للخارجية في إدارته هذا الموقف عقب اعتقال مجموعة من المدافعين عن حقوق الإنسان بمصر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وكما قال جيك سوليفان مرشح بايدن لمنصب مستشار الأمن القومي، فإن ذلك الموقف يعكس جانبا من سياسة عريضة تعيد القيم والديمقراطية إلى صلب السياسة الخارجية الأميركية. ثم إنه يتسق مع وعد بايدن الانتخابي بإنشاء تحالف عالمي للديمقراطيات ووقف الارتداد نحو الاستبداد، وهو مقترح يعتزم طرحه أمام قمة عالمية يُنتظر عقدها خلال العام الأول من ولايته الرئاسية.
ولكن إلى أي مدى يمكن لبايدن الضغط على حلفائه من الحكام العرب "المستبدين الذين لا غنى له عنهم لتحقيق أهدافه على نطاق أوسع في الشرق الأوسط؟" يتساءل الكاتب.
يرى فشير في معرض إجابته عن السؤال أن بايدن لن يستطيع فعل الشيء الكثير في هذا الجانب، لأنه سيواجه منطقة تشهد استقطابات أكثر مما كانت عليها الحال في عام 2016، إذ بات حلفاء الولايات المتحدة أكثر تصميما لرسم مسارهم بأنفسهم.
إن أي تغيير يقدم عليه بايدن في السياسة تجاه منطقة الشرق الأوسط -سواء ما يتعلق ببرنامج إيران النووي، أو بالحروب الأهلية العربية، أو بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني- سيواجه مقاومة شديدة من عدد من زعماء دول المنطقة.
وبالنظر إلى المخاطر المحدقة بالزعماء العرب وتضاؤل رغبة واشنطن في الاستثمار بالشرق الأوسط، يبدو جليا -بحسب مقال واشنطن بوست- أن بايدن مواجه بخيارات أصعب مما تعرض له الرؤساء الأميركيون السابقون.
ووفق الكاتب فمن غير المحتمل على ما يبدو أن يتمكن بايدن -بموارده المحدودة- من إرغام أولئك الزعماء على احترام القيم الديمقراطية، خاصة في ظل ضآلة النتائج التي حققتها سياسة الولايات المتحدة للترويج للديمقراطية إبان إدارتي الرئيسين السابقين جورج بوش الابن وباراك أوباما.
ومع مرور قرابة عقدين على هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن، وبعد عقد من ثورات الربيع العربي، فإن "الفكرة السائدة الآن أن إرساء الديمقراطية في العالم العربي لن تتأتى عبر واشنطن، هذا إذا تحققت أصلا".
على أن ذلك لا يعني -وفق كاتب المقال- أن إدارة بايدن ستقف مكتوفة الأيدي في مواجهة الانتهاكات "المروعة"، فهي من شبه المؤكد ستشجب تلك الانتهاكات، وستطالب بالامتثال للقيم الديمقراطية وستكون متحفظة في علاقاتها مع أسوأ المعتدين على حقوق الإنسان.
وبالتلويح بفرض عقوبات محدودة، تستطيع الإدارة الأميركية الجديدة أيضا فرض تدابير واضحة للتلميح بعزوفها عن سياسة التواطؤ التي درج عليها ترامب.
غير أن تلك الإجراءات وحدها لن تغير -برأي الكاتب- من أوضاع حقوق الإنسان بأي طريقة مجدية، ناهيك عن إرساء الديمقراطية في المنطقة. "وإذا كان هذا كل ما في جعبة إدارة بايدن، فإن ذلك سيحيل بالأحرى الولايات المتحدة إلى قوة تعتمد على الخطب البلاغية لا رائدة للديمقراطية كما تبشر".
ويمضي المقال إلى إسداء النصح للرئيس الأميركي القادم بألا يختار بين إهدار الموارد الشحيحة في ممارسة ضغوط عقيمة على الحكام، وبين الاكتفاء بإصدار بيانات الشجب والاستنكار وتحقيق مكاسب ضئيلة.
ويضيف الكاتب أن هناك خيارا ثالثا، مشيرا إلى أن إعادة بناء المؤسسات العامة في الدول العربية ذات الأنظمة الهشة تعد أمرا "لازما ومنطقيا -إن لم يكن شرطا أساسيا- لإضفاء ديمقراطية ناجحة عليها".
ولعل هذا يتيح للرئيس الأميركي الجديد مجالا لاستمالة أولئك الزعماء العرب لما يسميه الكاتب "شراكة طوعية" تمنحهم وسيلة للانضمام في نهاية الأمر لـ"تحالف الديمقراطيات".
ولابد أن تكون شراكة كهذه خيارا وليست خدعة للترويج للديمقراطية. على أن ذلك لا يعني بالضرورة "إلقاء موارد جديدة" في الشرق الأوسط. ويختتم الكاتب بأن تأسيس مثل تلك الشراكة يتطلب مهارة وقدرة على الإبداع أكبر من القوة الخشنة، وهي صفات لا يفتقر إليها فريق بايدن.