• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
مقالات مترجمة

"نيويورك تايمز": ترامب يفجّر الحزب الجمهوري.. حفظه الله!


الكاتب توماس فريدمان يفصّل في مقال في صحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية أين أصبح الحزب الجمهوري الآن بعد ولاية الجمهوري دونالد ترامب، وهنا الترجمة الحرفية للمقال:

لن يكون عزل الرئيس ترامب ثلاث مراتٍ كافياً، استناداً إلى عنوان واشنطن بوست: "يُظهر الفيديو في أحداث الكابيتول الغوغاء مشهداً لمتظاهرين يجرّون ضابط شرطة إلى أسفل الدرج، وأحدهم يبرحه ضرباً بعصا يرفع علم الولايات المتحدة".

في حين أنني أريد خروج ترامب - ولا أمانع إسكاته في مثل هذا الوقت العصيب – إلاّ أنني لست مع فكرة إقصائه بشكلٍ تام عن Twitter و Facebook، فهناك عملٌ مهمٌّ أودّ أن يؤدّيه ترامب في فترة ما بعد الرئاسة، وأريده أن يتزوّد بمكبّرات صوتٍ للقيام بذلك، وهو تفجير الحزب الجمهوري.

أمنيتي الأولى لأميركا اليوم هي أن ينقسم هذا الحزب، ويُفصل الجمهوريّون أصحاب المبادئ عن أتباع ترامب الذين يفتقرون إلى الوطنية والأخلاق. سيكون ذلك بمنزلة نعمةٍ تحلّ على أميركا لسببين.

أولاً، لأنّه يمكن أن ينهي بالفعل الجمود الواقع في الكونغرس، ما سيمكّننا من القيام ببعض الأمور المهمّة في البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية التي من شأنها أن تساعد جميع الأميركيين، ليس أقلّهم من هم في معسكر ترامب، والذين هم في صفّه على وجه التحديد، لأنهم يشعرون بالتجاهل والإذلال والتهميش.

إذا كان عددٌ قليلٌ من الجمهوريين من يمين الوسط، مثل ميت رومني وليزا موركوفسكي، قد تخلّوا عن الحزب الجمهوري أو كانوا ببساطة على استعدادٍ للعمل مع فريق بايدن من يسار الوسط، فإنّ مجلس النواب والأعضاء الحكماء منهم، وممثلي مجلس الشيوخ – المعنيّين بالمصادقة على مشروع قانون رفع قيمة شيكات التحفيز الاقتصادي الأخير – سيصبحون أقوى من أيّ وقتٍ مضى. هذه هي الطريقة التي نبدأ بها في تخفيف حدّة الجنون الذي يجتاح أمتنا والتي ستسمح لنا بإعادة اللُّحمة بيننا، وتضع حدّاً للعداوة.

ثانياً، إذا انفصل الجمهوريون ذوو المبادئ عن طائفة ترامب، فإنّ الحزب الجمهوري المؤيّد لترامب سيجد صعوبةً بالغة في الفوز بالانتخابات الوطنية في المستقبل القريب. وبالنظر إلى ما شهدناه، لا يمكن الوثوق مطلقاً بسلطة هؤلاء الأبواق مرةً أخرى.

فكِّر بما فعل كلّ هؤلاء المشرّعين المنتمين إلى العبادة الترامبية. لقد روّجوا عن طيب خاطر لكذبة ترامب الكبيرة. ولو فكّرتَ في حجم هذا السراب، نجد ما يلي: خاض ترامب أكثر الانتخابات بطوليةً في التاريخ الأميركي - وهي انتخاباتٌ صوّت خلالها غالبية الأميركيين أكثر من أيّ وقت مضى، بحريةٍ ونزاهة، وفي خضمّ جائحةٍ مميتة – ومن ثمّ ادّعى أنّها عملية احتيالٍ وتزوير، لأنه مُني بالخسارة. وبعد ذلك، وعلى أسس

هذه الكذبة الكبيرة، صوّت ثمانية أعضاءٍ جمهوريون في مجلس الشيوخ و139 من أعضاء مجلس النواب لإبطال فوز جو بايدن الانتخابي. هذا مقزّز.

لذلك، آمل أن ينقسم الحزب الجمهوري. ولهذا السبب، فإنّ غضب ترامب وسخطه المتعاظمين سيسهّل عمليّة كسره.

ما الذي كان يحلم به السيناتوران جوش هاولي وتيد كروز عندما تبنّيا الخيانة الكاملة، وحاولا إقناع الكونغرس بإبطال فوز بايدن على أساس الكذبة الكبيرة؟ كانا يحلمان بعالمٍ ترامبي يكون فيه ترامب غائباً. لقد اعتقدا أنّه من خلال تنفيذ رغبات ترامب الآن، سيستأثران بقاعدته بعد رحيله.

هاولي وكروز متعطشان للسلطة لدرجة أنهما سيحرقان أميركا حتى تصبح رماداً في ما لو اعتقدا أنهما سيحكمان البلاد على أنقاض دمارها.

لكنهما أحمقان، فرغم تحريضات ترامب على إشعال أحداث الكابيتول ونهب المبنى، إلا أنّ عائلة ترامب لا تهمّها سوى مصالحها الشخصية.

وقد أوضح دونالد ترامب جونيور للمشاغبين الذين وصفتهم إيفانكا بـ "الوطنيين"، أنّ ما حصل هو بمنزلة جرس إنذارٍ للحزب الجمهوري. قال دون جونيور "إنّ كلّ هؤلاء الجمهوريين في الكونغرس لم يفعلوا شيئاً لوقف سرقة الانتخابات. يجب على هذه التظاهرات أن توصل الرسالة: الحزب الجمهوري لم يعد حزبهم بعد الآن، إنه حزب دونالد ترامب الجمهوري".

في ظلّ هذه الأجواء، سيتعيّن على الجمهوريين أصحاب المبادئ أن يغادروا الحزب إلى غير رجعة. وبما أن استطلاع كوينيبياك الأخير قد أظهر أنّ أكثر من 70% من الجمهوريين ما زالوا يدعمون ترامب، من المؤكّد أنه سيواصل حزبه بارتكاب كلّ أعمال الحقارة، وستشكل هذه السلوك اختبارات ولاءٍ يومية لجميع المشرّعين الجمهوريين، مما سيجبرهم على تحديد مواقفهم، إذا كانوا معه أو ضده، وسيكون هذا الضغط هائلاً.

يكفي أن نشاهد مقطع الفيديو الذي يبيّن ما حدث عندما التقى أتباع ترامب بالسيناتور ليندسي غراهام في مطار ريغان الوطني، بعد أعمال الشغب التي وقعت الأسبوع الماضي. لقد شتموه بلا رحمة ووصفوه بـ "الخائن" لأنه كان يخبرهم لأسابيع أنّ انتصار بايدن ليس شرعياً وبعد ذلك، أي بعد نهب مبنى الكابيتول، أعلن أنّ الانتخابات صحيحة لا شائبة فيها. احتاج غراهام إلى حماية الشرطة من عائلة ترامب لدى ركوبه الطائرة.

وكما قال دون الابن لغراهام: "ألم تحصل على المذكرة؟ إنّ عائلة ترامب تضع اسمها على كل ما تملك. لم يعد هناك من وجودٍ للحزب الجمهوري، إنه حزب ترامب الجمهوري. لقد سبق وبعت لنا روحك، ولا يمكنك استعادتها الآن من سمسار الرهن. ما زلنا نمتلك القاعدة، مما يعني أنك ما زلت ملكاً لنا".

ألم يحن الوقت المناسب لاختيار الجمهوريين الطريق القديم؟ "لن أسمح أن يشهد أبنائي ما نشهده نحن الآن - بيد أنني أحبّذ سياسته في التخفيضات الضريبية، وسياسات "إسرائيل"، وملف القضاة أو مواقفه في قضية الإجهاض" - لكنه لن ينجح بعد الآن. لقد ذهب ترامب بعيداً في تماديه، والقاعدة لا تزال تدعمه. إذا كان الحزب الجمهوري محسوباً على ترامب، سيتعيّن على كلّ جمهوري أن يسأل نفسه: هل هذا الحزب ما زال يمثّلني أيضاً؟

إذا نظرت عن كثب، ستجد في الواقع أربعة فصائل جمهوريّة مختلفة اليوم: المحافظون على المبادئ الأصيلة، والمحافظون التكتيكيون الساخرون، والمحافظون الذين باعوا مبادئهم، وأتباع ترامب. في معسكر المحافظين ذوي المبادئ، كنت أضع رومني وموركوفسكي. إنهم أميركيون حقيقيون، تحركوا بدافع أفكارهم المحافظة بشأن الحكومة الصغيرة والأسواق الحرة، فقد وضعوا الدولة والدستور فوق كلّ اعتبار، أي قبل توجهاتهم الحزبية والأيديولوجية. هم فعلاً ملتزمون بالقواعد.

في المعسكر المحافظ التكتيكي الساخر، والذي يمكنك تسميته معسكر ميتش ماكونيل، كنت أضع كل أولئك الذين حاولوا مجاراة ترامب لفترةٍ من الوقت – وهم من دعموه في رفضه الاعتراف بنتائج الانتخابات حتى "تم فرز جميع الأصوات القانونية" - ولكن بمجرد أن تمّ الإدلاء بأصوات الهيئة الانتخابية من قبل كل ولاية، انزلقت مواقفهم أمام الواقع، وأكدوا فوز بايدن.

أوضح خبير استطلاعات الرأي كريج تشارني: "أسمّيهم" بائعي المبادئ، إنهم مستعدون لخرق القواعد والأصول من دون مخالفتها".

أما الجمهوريون الذين باعوا مبادئهم وهم - "كاسرو القواعد" بلغة تشارني - فيقودهم هولي وكروز، إلى جانب أعضاء مجلس الشيوخ والممثلين الآخرين المثيرين للفتنة والذين حاولوا إقناع الكونغرس بعرقلة حفل انتخاب بايدن.

أخيراً، هناك أتباع ترامب المتشدّدون من أصناف مؤامرة QAnon، الذين يؤمنون بالكذبة الكبرى ويتعهّدون بها.

لا يسعني أن أفهم كيف يمكن لهذه المعسكرات الأربعة أن تبقى معاً. آمل أن يتفرّقوا حباً بأميركا.

لكن سيكون للديمقراطيين رأيٌ في هذا المضمار أيضاً. هذه هي أفضل فرصة لهم منذ سنوات للحصول على بعض الدعم من الجمهوريين من يمين الوسط. كن ذكياً: اشطب عبارة "لا لتمويل الشرطة، وتحدّث بدلاً من ذلك عن "تطوير ضبط الأمن"، وبدلاً من "الاشتراكية الديمقراطية"، تحدث عن "الرأسمالية الأكثر عدلاً وشمولية"، واقضِ على ثقافة الإلغاء في حرم الجامعات وفي غرف الأخبار.

أعلم أنّ المشهد مظلمٌ. لكن إذا نظرت إلى مجلس الوزراء المتنوع وعالي الجودة من يسار الوسط الذي جمعه بايدن والجمهوريون من يمين الوسط وأصحاب المبادئ الذين يتطلّعون إلى حلّ المشكلات العالقة - وليس جنود ترامب -  فهذا الضوء الذي يأتي من عمق النفق لن يكون قطاراً، بل ضوء أملٍ بأيامٍ أفضل.