هو حزب يشكل تهديدا دائميًا وقلقاً بالنسبة لأردوغان وحزبه، المعارضون المنتمون لحزب الشعوب الديموقراطي وقد شهدوا قصة صعود حزبهم ما لبثوا أن واجهوا أشكال الاضطهاد، يكفي مع اعتقال 16 ألف عضو منهم، ومع ذلك بقيت قواعد الحزب مؤمنة بأن النضال يبقى حياً.
تلك هي مقدمة المقال الموسع الذي كتبته بيثان مكيرنان في صحيفة الغارديان البريطانية، وتحدثت الكاتبة عن مثال من معاناة اعضاء هذا الحزب النشيط والمعارض، انها السنة الصعبة بالنسبة لعدالت فيدان، عمدة مدينة سيلوبي ذات الاغلبية الكردية في جنوب شرق تركيا.
في عام 2019، عندما تم انتخابها، كانت فيدان من بين مجموعة قوية من 65 مرشحًا من اليسار التقدمي، ممثلا في حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد للفوز بمقاعد في الانتخابات المحلية على مستوى البلاد. الآن، وبعد التطهير الحكومي المستمر لمسؤولي حزب الشعوب الديمقراطي أصبحت واحدة من خمسة رؤساء بلديات فقط من حزب الشعوب الديمقراطي تركوا في مناصبهم، أما البقية فتم عزلهم أو سجنهم واستبدالهم بمعينين حكوميين.
تروي الصحافية عن فيدان قولها، هناك الكثير من الضغوط والمخاوف. كل يوم أستيقظ وأنا أشعر بالقلق من أن يحدث لي ما حدث للآخرين وأنا اردد مع نفسي: "اليوم هو دوري".
وتنقل الصحافية عن فيدان قولها: "القانون لا يعني أي شيء هنا. يمكن أن يتم طردي من وظيفتي: أو إرسالي إلى السجن بسبب تهم إرهابية ملفقة أو شهود مزيفين. أي شيء يمكن ان يحدث ".
تاريخ تركيا السياسي يشهد كيف تم استخدام النظام القضائي التركي كسلاح لتحقيق أجندات سياسية مختلفة - وبينما عزز أردوغان قبضته على السلطة يقول المنتقدون إن قمع الدولة للمعارضة وصل مستوى غير مسبوق.
وأما إذا كان الأمر متعلقًا بحزب الشعوب الديمقراطي ـ وهو الحزب الذي شكل أكبر تهديد لسلطة أردوغان ـ فقد كانت الأعمال الانتقامية وحشية بحسب الكاتبة.
يقول حسيب قبلان، المحامي والسياسي والمؤلف الكردي البارز: "أنا محام متمرس واعمل منذ عقود وأقول إنه منذ الانقلاب العسكري عام 1980، لم أرَ سلوكًا قمعيًا لا يرحم كما فعلت حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان".
"في أزمنة سابقة، كان بإمكاننا على الأقل الدفاع عن موكلينا المتهمين في المحكمة. أما اليوم، فإن هناك حكومة تسعى للسيطرة على نقابات المحامين المستقلة، ويتم تعيين قضاة ليس لديهم خبرة في المحاكم العليا. هذه أيام صعبة بحق تلك التي يمر بها القضاء التركي".
الى وقت قريب، كان مستقبل حزب الشعوب الديمقراطي لا يزال يبدو مشرقًا. تم تشكيل الحزب من تحالف اليساريين والقوميين الأكراد في عام 2012، وغالبا ما تتم مقارنته بحركات حزب الخضر والأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية مثل بوديموس في إسبانيا وسيريزا في اليونان. كما يوجد تشابه مع حزب "شين فين" بسبب ارتباطه التاريخي بحزب العمال الكردستاني المحظور.
في غضون سنوات قليلة فقط، أوفى حزب الشعوب الديمقراطي بوعوده وحظي بثقة طيف واسع من المجتمع التركي، فبدلاً من أن يكون مجرد قاعدة للناخبين الأكراد، نزل الحزب الى الميدان وشارك خلال احتجاجات حديقة جيزي ضد الاتجاه الاستبدادي المتزايد لحزب العدالة والتنمية ليصبح الشعوب الديموقراطي ثالث أكبر حزب سياسي في البلاد في صعود مباغت أزعج اردوغان وحزبه.
تتحدث الكاتبة عن انتخابات العام 2015، حيث وجه حزب الشعوب الديمقراطي ضربة قاسية لحزب العدالة والتنمية من خلال الفوز بعدد كافٍ من المقاعد لاختراق عتبة الانتخابات البالغة 10في المئة التي أبقت تقليديًا الأحزاب الصغيرة والسياسيين الأكراد خارج البرلمان، مما أدى إلى حرمان الحزب الحاكم من الاستحواذ على الأغلبية البرلمانية. لكن البهجة بالنصر لم تدم طويلا.
انسحبت حكومة اردوغان من محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني، مما زج المنطقة ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرق تركيا في دائرة جديدة من العنف، وبدأت السلطات حملات اعتقال لا ترحم شملت السياسيين وأنصار حزب الشعوب الديمقراطي بسبب صلات مزعومة بالجماعة المسلحة.
تم القبض على الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش في العام التالي، ويواجه حاليا عقوبة قد تصل إلى 142 عامًا في السجن على الرغم من أمر من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن على تركيا إطلاق سراحه.
وتقول الكاتبة أنه على الرغم من إدراجه في القائمة السوداء من طرف وسائل الإعلام التركية على مدى السنوات الخمس الماضية، إلا ان حزب الشعوب الديمقراطي تمكن من الحفاظ على الزخم في وسط بيئة معادية بشكل متزايد. ووفقًا لقبلان تم اعتقال حوالي 16000 عضو من أعضاء الحزب، أو المتعاطفين معه، والعديد منهم تم اعتقالهم تحت جنح ظروف الطوارئ المعلنة بعد الانقلاب الفاشل عام 2016.
بالنسبة لأيهان بيلجن الذي شغل منصب عمدة حزب الشعوب الديمقراطي لمدينة قارس الواقعة شمال شرق البلاد حتى سبتمبر، فإن قرع الشرطة على الباب ذات صباح لم يكن مفاجأة.
واحتُجز بيلجن منذ ذلك الحين بتهم تتعلق بالإرهاب لدوره المزعوم في التحريض على الاحتجاجات العرقية التي تحولت إلى أعمال عنف في عام 2014.
كتب بيلجن من السجن أن عدم استعداد الدولة للتعامل مع القضية الكردية يعزز فقط تصميم الأشخاص الذين يقاتلون من أجل حقوقهم. "الخطوات التي تمهد الطريق لديمقراطية حقيقية صعبة. وقال من خلال محاميه "من الضروري أن تتغلب تركيا على هذا المأزق السياسي".
قصة صعود حزب الشعوب الديموقراطي وما جرى لقياداته وقواعده من ملاحقات وزج في السجون تعطي صورة مأساوية للقمع المنظم ومصادرة الحريات وقمع الأقليات الى ما هنالك من سياسات اقصاء فوضوية لا يمكن أن تدوم الى ما لانهاية ولسوف يدفع الحزب الحاكم ثمن كل ذلك باهظًا دون شك.