• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
مقالات عربية

على الرغم من تصريحات مسؤوليها القاضية بتمسكها بالاتفاق الذي أبرم عام 2015 إلا أنه من الواضح جلياً أن الجمهورية الإسلامية في إيران تدرك تماماً أن إمكانية التفاوض على برنامجها النووي من جديد هو أمر مطروح وبشكل كبير؛ فمن خلال ملاحظة بعض المؤشرات ـ سواء الداخلية أم الخارجية ـ نرى أن هناك ما يشير في الأفق إلى عقد جولات مفاوضات جديدة هدفها التوصل إلى تفاهم يكمّل أو يعدل أو يلغي الاتفاق القديم.

من بين الدلالات الداخلية، يمكن استقراء العديد منها في هذا المجال؛ الأمر الأول: قيام طهران بالتصديق على رفع نسب تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المئة؛ حيث وافق مجلس صيانة الدستور الإيراني على مشروع قرار البرلمان لرفع التخصيب والحد من الرقابة على المنشآت النووية الإيرانية.

جاء ذلك في وقت، ذكرت فيه العديد من المعلومات أن الرئيس حسن روحاني قد أعرب عن معارضته للقانون، معتبراً أنه يضر بالعمل الدبلوماسي الإيراني. فبغض النظر عما يشاع من تعارض بين آراء المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي والرئيس روحاني، إلا أن هذا الموقف يؤشر إلى رغبة الأخير بعدم قطع شعرة معاوية مع الغرب.

الأمر الثاني: عزم الحكومة الإيرانية على زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي المتطورة بشكل كبير، حيث أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي أن العمل جارٍ لتركيب 1000 جهاز للطرد المركزي من طراز IR2m وكذلك البدء بتصنيع أجهزة الطرد المركزي IR6؛ موضحًا أنه تم نصب سلسلتين منها، أي نحو 320 جهازاً على أن يستكمل العمل بها خلال شهرين أو ثلاثة أشهر.

الأمر الثالث: يكمن في صور الأقمار الجوية التي رصدت العمل في منشأة فوردو؛ حيث قال الخبير في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار في معهد ميدلبري للدراسات الدولية جيفري لويس إن "أي تغييرات في هذا الموقع ستتم مراقبتها بعناية باعتبارها علامة على توجه البرنامج النووي الإيراني"، خصوصًا أن بعثة إيران لدى الأمم المتحدة لم ترد على الموضوع، وكذلك فعلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

في التوقيت نفسه، رفض سفير إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية كاظم غريب اقتراح مدير الوكالة القائل بأن إعادة إحياء الاتفاق النووي بعد وصول إدارة أمريكية جديدة إلى سدة الحكم يتطلب التوصل إلى اتفاق جديد؛ معلنًا أن هذا الأمر يتجاوز صلاحيات الوكالة.

الأمر الرابع: كان لافتًا موقف الرئيس الروحاني من المبادرة الفرنسية الرافض لدخول السعودية في أي محادثات جديدة. هنا، لن نتوسع كثيراً كوننا سنعود للموقف الأوروبي وتحديداً الفرنسي، غير أن ما نود الإشارة إليه هو رفضه لدخول الرياض، وليس نقضه لفكرة إعادة التفاوض بحد ذاتها.

إن الهدف من هذا السرد هو الوصول إلى مسألة مهمة تثبّت ما قلناه لجهة إمكانية العودة إلى طاولة المفاوضات، حيث أن طهران تريد زيادة أوراق القوة لديها، وهذا حقها الطبيعي خصوصًا بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق وتهديدات الإدارة السابقة وتخاذل بعض دول أوروبا للوفاء بالتزاماتها من أجل الحصول على ما تريده، خصوصًا أن الحديث يطال ترسانتها من الصواريخ البالستية ودعمها للإرهاب بحسب إتهام واشنطن لها. كل ذلك يصب في معنى واحد وهو زيادة أوراق التفاوض للحصول على نتيجة مرضية.

أما بالنسبة إلى المؤشرات الدولية، فهنا سنقسم الحديث إلى قسمين؛ القسم الأول، يتعلق بالاتحاد الأوروبي. أما القسم الثاني فيتعلق بالولايات المتحدة.

بالنسبة إلى القسم الأول، بشكل عام وقبل الحديث عن الإتحاد الأوروبي، يمكن القول بأن الأخير يريد ويشجع على أن يكون هناك اتفاق دائم بين طهران وواشنطن، والسبب هنا اقتصادي بامتياز حيث ستفتح له اسواق إيران “العذراء” وسيستطيع إدخال أموال إضافية إلى خزينته في ظل الأزمات الاقتصادية التي تضرب دوله.

أما في التفاصيل، فتُظهر مجريات الأحداث أن الإتحاد الأوروبي لم يستطع، أو لم يُرد مع ترجيح الأولى على الثانية بنسب مختلفة الوقوف بجانب إيران بالشكل الذي كانت تطلبه؛ حيث أن دوله قد هُددت بالعقوبات الاقتصادية ما جعلها تنسحب من العمل في طهران، كخروج الكثير من شركاتها العاملة منها، أو تمتنع عن القيام بتعاملات تجارية معها على غرار صفقة طائرات إيرباص التي أوقفتها عقوبات الإدارة الأمريكية السابقة.

في هذا المجال، يمكن الاستدلال بموقف إيران الذي جاء على لسان رئيس منظمة الطاقة الذرية علي أكبر صالحي الذي اتهمت فيه الإتحاد بعدم الوفاء بالتزاماته الواردة في الاتفاق حيث قال صالحي "كان من المفترض أن يكون الإتحاد الأوروبي بديلاً عن الولايات المتحدة، لكن لسوء الحظ فشلوا في الوفاء بوعودهم.. سمعنا المتحدث باسم الإتحاد الأوروبي يقول إنهم ملتزمون بخطة العمل الشاملة المشتركة طالما كانت إيران ملتزمة بها.. أنا أتساءل: هل هم ملتزمون بعدم الالتزام؟ لسوء الحظ، قام الأوروبيون بذلك حتى الآن."

في مجال آخر، لم تفعّل دول الإتحاد الأوروبي آلية إنستكس من أجل مساعدة إيران على الخروج من تأثيرات العقوبات الاقتصادية، حيث اعتبرتها طهران مجرد حبر على ورق. فعلى الرغم من إعلان خبراء اقتصاديين كُثر جدوى هذه المنظومة في التعاملات التجارية بين الطرفين، إلا أن دول الإتحاد لم تقم بتفعيلها كما يجب وهو ما يخفي أمرين؛ إما خوفاً من واشنطن، أو تقاعساً بهدف الضغط.

أضف إلى ذلك، إن مزاج بعد الدول الأوروبية يسير في اتجاه إعادة التفاوض، وهو ما يظهر جليًا من خلال المبادرة الفرنسية التي شدد الرئيس إيمانويل ماكرون من خلالها على ضرورة تجنب ما وصفه بـ "خطأ استبعاد دول أخرى في المنطقة عند التفاوض على اتفاق العام 2015"؛ مبينًا أن أي محادثات جديدة ستكون صارمة جداً، وأن الوقت المتبقي لمنع طهران من تطوير سلاح نووي محدود للغاية.

فحتى مع قدوم إدارة جديدة إلى البيت الأبيض، يبدو أن الاتجاه الأكثر وضوحاً لدى الأوروبيين هو الجنوح نحو عملية إعادة التفاوض من جديد على اتفاق يرضي الأطراف كافة.

أما بالنسبة إلى القسم الثاني، فعلى الرغم من تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يقول فيه إن بلاده ستعاود الانضمام إلى الاتفاق إذا عادت إيران للامتثال الصارم بشروط الاتفاق، إلا أن المتغيرات الدولية التي حدثت منذ خروج واشنطن إلى يومنا هذا ستكون كفيلة باللجوء نحو عملية تفاوض جديدة تتناسب مع الوضع القائم حالياً.

لذا، لا يظنن أحد أن الرئيس الأمريكي سيعود إلى كل الاتفاقات التي انسحب منها سلفه، بل على العكس؛ فقد يعطيه هذا الأمر حجة من أجل إعادة تقييم الأمور خصوصاً وأن التهمة ستلحق بالرئيس السابق وهو بريء منها. لذا، يعتبر الاتفاق النووي الإيراني من الأمور التي لن تعود إلى ما كانت عليه، حتى ولو كان الرئيس الجديد هو نائب الرئيس الذي سبق وأبرم ذاك الاتفاق.

هنا، تظهر بعض المؤشرات التي تثبت رغبة الولايات المتحدة، أو نيتها، في إعادة التفاوض؛ الأمر الأول: إن أياً من الطرفين الدخول في مواجهة مفتوحة أو حتى محدودة؛ بالتالي، إن إعادة التفاوض تعتبر الحل الأمثل.

الأمر الثاني: يريد الجانب الأمريكي تلافي الفجوات الموجودة ضمن خطة العمل الشاملة المشتركة التي قد تستفيد منها إيران بشكل يخالف مصالح واشنطن في المنطقة.

الأمر الثالث: لا يمكن إنكار ما وصلت إليه طهران من قوة إقليمية، سواء على صعيدها هي أو عبر التنظيمات التي تدعمها في المنطقة، وهذه مسألة مهمة تتوقف عندها واشنطن، لاسيما أن نفوذ إيران اليوم هو أقوى مما كان عليه زمن الاتفاق، ويشكل تهديداً لحلفائها أكبر بكثير من ذي قبل. وليس أدل دليل على ذلك سوى قدرة الحوثيين في اليمن على ضرب العمق السعودي وتهديد أمن النفط العالمي من خلال استهداف الشركات والمجمعات النفطية التي تبعد مئات الكيلومترات عن صنعاء.

الأمر الرابع: ما سبق يدعونا للحديث عن هاجس الولايات المتحدة الدائم هو أمن إسرائيل، حيث تعتبر واشنطن أنها مهددة خصوصاً بعد أن أصبحت إيران على حدودها، أي وجود حزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، لا بل حتى الحوثيين الذين أعلنوا عن قدرتهم على ضرب أهداف في عمقها بحسب ما قال العميد يحيى سريع خلال ندوة نُظمت بالعاصمة صنعاء تحت عنوان "الأطماع الإسرائيلية في اليمن".

الأمر الخامس: هنا يجب علينا التطرق إلى حدث أساسي ومهم، وهو اتفاقيات التطبيع التي وقعتها بعض من دول الخليج مع إسرائيل، خصوصاً أن قواعد الاشتباك السياسي في المنطقة قد تغيرت، وهو ما سوف يستغله الرئيس بايدن كورقة قد يستطيع من خلالها إحداث ضغط ما.

في المحصلة، يبدو أننا متجهون، في أي من المديين القريب أم البعيد، نحو العودة إلى التفاوض على اتفاق جديد، أو تعديل للقديم على أقل تقدير، إذ لا شيء يمنع من ذلك، خصوصاً أن لدى الدول القوية عادة رؤى إستراتيجية تستطيع من خلالها توقع كل شي، والتنبه لكل شيء.

لكن ذلك لا يعني أنه يجب أن نضع في الحسبان بعض المواضيع المهمة، أبرزها:

1ـ  في إعادة التفاوض بعض من التعقيد لا سيما لجهة ضمه للصواريخ البالستية والدعم الإيراني للتنظيمات الموالية لها في المنطقة على غرار ما كتبنا سابقاً، حيث أن قبول طهران بذلك سيعني تخليها عن عنصر قوة وقائي – استباقي ضمن أية مواجهة مستقبلية قد تحدث، وهي ليست في هذا الوارد مطلقاً.

2ـ  إن العلاقات القوية الصينية – الإيرانية والروسية – الإيرانية ستكون حتماً، ولو بطريقة ضمنية على جدول أعمال أي تفاوض مستجد.

3ـ على الأوروبيون الإسراع بالوصول إلى اتفاق حيث أن هناك من يقول إن التباطؤ في هذا الشأن قد يعطي فرصة لإيران لصنع قنبلة نووية، بحسب وجهات نظر غربية. هذا الأمر قد يعني أيضاً زيادة في اندفاعة إيران نحو الصين وروسيا؛ بالتالي لن ذلك يصب في صالح الغرب بعمومه.

4ـ  إن الكثير من الأزمات الداخلية الأمريكية قد تشكل عائقاً على مستوى وحجم الضغط على إيران، إذ أن على الرئيس الجديد أولوية لملمة الكثير من الآثار السيئة لسياسات سلفه المحلية، وهو ما سيؤثر ولو بطريقة غير مباشرة على قدرة واشنطن على فرض شروطها كما كانت في السابق.