قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الصهيونية تهدف رحلة وزير النفط المصري التي تلت زيارتين مماثلتين لزعيمي اليونان وقبرص، إلى إظهار أن الحلفاء الإقليميين متحدون ويعملون بالتنسيق معاً عند التعامل مع الأصدقاء والأعداء.
وعلى الرغم من أن زيارة طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية المصري إلى إسرائيل يوم الأحد الماضي حملت مظاهر نقاش روتيني حول التعاون في مجال الطاقة بين الشريكين الإقليميين، إلا أنها بعثت أيضاً برسالة إلى الخصوم وإلى الولايات المتحدة.
رحلة الملا كانت جديرة بالملاحظة لمجرد حقيقة أنه كان أول وزير مصري يزور إسرائيل منذ أن التقى وزير الخارجية سامح شكري برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عام 2016.
والملا ليس لاعباً ثانوياً، فقد أشار غابرييل ميتشل من معهد "ميتفيم"، وهو مركز أبحاث مقره "إسرائيل" معني بالسياسة الخارجية الإقليمية، إلى أن الملا مقرب جداً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ويمكن القول إنه أحد أبرز الوزراء المصريين خارج الرئاسة".
من المؤكد أنه لا يوجد نقص في قضايا الطاقة التي يجب أن يناقشها الملا مع "إسرائيل". اتفقت إسرائيل ومصر الأحد على ربط حقل "ليفياتان" للغاز الطبيعي الإسرائيلي بمنشآت الغاز الطبيعي المسال المصرية عبر خط أنابيب تحت الماء يمكن تصدير الغاز منه إلى الأسواق الأوروبية.
علاوة على ذلك، فإن الخطة الإماراتية-الإسرائيلية لضخ النفط من إيلات على ساحل البحر الأحمر إلى عسقلان على ساحل البحر المتوسط تهمّ مصر، لكن القاهرة امتنعت إلى حد كبير عن انتقاد المشروع علناً. هناك صفقة لتزويد غزة بالغاز الطبيعي الإسرائيلي في انتظار المصادقة عليها قريباً، وأي شيء يحدث في القطاع الساحلي يمكن أن يكون له تأثير مباشر على الأمن المصري.
وقال المحللون إن أحد الأغراض الرئيسية للاجتماعات – بخلاف مناقشات المسائل المتعلقة بالطاقة – كان توجيه رسالة إلى تركيا، ورئيسها رجب طيب إردوغان.
وعلى مدى عقد من الزمان، كانت تركيا منخرطة في منافسة مريرة مع مصر بدأت عندما دعم إردوغان جماعة الإخوان المسلمين بعد إطاحة الجماعة من السلطة في القاهرة. في البحر الأبيض المتوسط، انضمت مصر إلى اليونان وقبرص اللتين تتهمان تركيا بالتنقيب غير القانوني عن الغاز الطبيعي في مناطقهما الاقتصادية الخالصة. وبالتعاون مع "إسرائيل"، أسست هذه الدول منتدى غاز "إيست ميد"، ومقره القاهرة، وأجرت تدريبات عسكرية مشتركة.
وقال ميتشل: "لقاء بين إسرائيل ومصر، حتى لو لم يكن ذلك الغرض الأساسي من الزيارة، يبعث برسالة إلى تركيا، لا سيما في سياق الاجتماعات التي تُعقد هذا الشهر".
وفي 8 شباط/فبراير، زار رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس إسرائيل، وفي 14 شباط/فبراير، التقى الرئيس القبرصي نيكوس أنستسياديس بنتنياهو.
هذا وقد تمّ إطلاق منتدى غاز شرق المتوسط "EMGF"، الذي يضم "إسرائيل" ومصر وقبرص واليونان والسلطة الفلسطينية، رسمياً في أيلول/سبتمبر. ويعتزم المنتدى التعاون في إنشاء خط أنابيب للغاز الطبيعي يربط إسرائيل واليونان وقبرص بإيطاليا ثم بأوروبا. الهدف النهائي هو إمداد القارة بعشرة بالمائة من غازها.
وانضمت إسرائيل إلى "EMGF" في أيلول/سبتمبر الماضي في تطور يؤسس رسمياً ما كان من بنات أفكار وزير الطاقة يوفال شتاينتس والملا كمنظمة حكومية دولية إقليمية مقرها في القاهرة.
الرسالة هدفت أيضاً إلى توجيه رسالة إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، حيث تتوقع مصر ضغوطاً متزايدة من حكومة الولايات المتحدة بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان.
في الأسبوع الماضي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس بعد أن اعتقلت حكومة السيسي عائلة ناشط سياسي يحمل الجنسية الأميركية: "لن نتسامح مع اعتداءات أو تهديدات الحكومات الأجنبية ضد مواطنين أميركيين أو أفراد أسرهم".
وكان بايدن قال أثناء حملته الانتخابية إنه "لا مزيد من الشيكات البيضاء للديكتاتور المفضل لترامب".
نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن ونائب مدير مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق عيران ليرمان قال إنه "ليس لدي أدنى شك في أن المصريين لديهم مخاوف بشأن إدارة بايدن".
وأضاف ليرمان: "كل شرق البحر الأبيض المتوسط ينظم نفسه حتى يسمع بايدن موقفاً موحداً منا".
كما رأى ليرمان أن الزيارات التي قام بها الزعيمان اليوناني والقبرصي هي جزء من عملية التنسيق الإقليمي التي تهدف في جزء منها إلى توجيه رسالة لبايدن، وقال "لم يكونوا هنا فقط للتحدث عن السياحة".
من جهته، قال موشيه ألبو، مؤرخ للشرق الأوسط الحديث والباحث في مركز "دادو" للدراسات العسكرية متعددة المجالات: "يفهم المصريون جيداً مدى أهمية تعبيرات التطبيع مثل هذه بالنسبة لإسرائيل. ولذلك فإن الرسالة الخفية هي أن مصر تعمل مع إسرائيل، وتتوقع من إسرائيل مساعدتها مع الولايات المتحدة، ورسالة إلى الولايات المتحدة، التي سترى مصر تتعاون مع إسرائيل".
الزيارة، التي زار خلالها الملا مسؤولين فلسطينيين في رام الله، سمحت لمصر أيضاً بتقديم نفسها كوسيط قيّم بين "إسرائيل" والفلسطينيين، كما سعت للقيام بذلك منذ فوز بايدن في الانتخابات.
وفي كانون الأول/ديسمبر، قال السيسي إن القاهرة تعمل على الدفع بحل الدولتين قدماً، قبل أسبوع من تولي بايدن منصبه.
واستضافت مصر وزراء خارجية الأردن وفرنسا وألمانيا لمناقشة إحياء محادثات سلام إسرائيلية - فلسطينية، وكلما تمكنت مصر من تقديم نفسها كمصدر للاستقرار والتعاون في المنطقة، حسب المنطق، قَلّ الضغط الذي ستواجهه من الولايات المتحدة بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان.
سعى القادة الإسرائيليون في تصريحاتهم إلى التأكيد على التأثير الإيجابي لمصر في الشرق الأوسط. وقال وزير الخارجية غابي أشكينازي إن "مصر تلعب دوراً حيوياً في المنطقة في تعزيز الأمن والاستقرار والسلام".
وحرص أشكينازي أيضاً على التركيز على مظهر التطبيع المتزايد مع مصر، وقال: "كانت مصر أول دولة توقّع اتفاق سلام مع إسرائيل، ونأمل مع التحول النموذجي لاتفاقيات إبراهيم وكل التطبيع، أن نتمكن معاً من توسيع دائرة السلام حول المنطقة".
وأى ميتشل أن العلاقات بين إسرائيل ومصر أصبحت أكثر دفئاً بشكل ملحوظ مما كانت عليه في الماضي، وقال: "لم يكن التعاون أبداً متنوعاً إلى هذا الحد، ولم يكن يوماً مجدياً بهذا الشكل في تاريخ العلاقات الثنائية بأكمله".
ووافق ليرمان رأي ميتشل قائلاً: "هناك اتجاه للتطبيع. تذكّر أن المصريين قدموا دعمهم لاتفاقيات أبراهام".
لكن ألبو غير مقتنع بأن المصريين يحاولون إظهار عزمهم على إقامة علاقات أكثر دفئاً مع إسرائيل وقال: "تقدم مصر الزيارة داخلياً على أنها زيارة تعزز مصالح مصر، وهي أحد التزاماتها كجزء من رؤية مصر لشرق البحر المتوسط، حيث يلتقي الملا وزيري الطاقة الفلسطيني والإسرائيلي".