تناول المعلق المعروف في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، توماس فريدمان، في عموده في الصحيفة، العلاقات الأميركية – الصينية وأسباب تراجع هيبة أميركا لدى الصين.
وقال فريدمان إن الممثل الكوميدي يتعامل أحياناً مع قضايا السياسة الخارجية بشكل أفضل من أي دبلوماسي. لقد فعل ذلك الممثل بيل ماهر الأسبوع الماضي بشأن حدث صاخب حول العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، حيث بيّن التناقض الأكثر إثارة للقلق بين البلدين: الصين لا يزال بإمكانه إنجاز الأشياء الكبيرة، لكن ليس بإمكان أميركا إنجاز الكثير منها.
وأضاف الكاتب أنه بالنسبة للعديد من القادة السياسيين الأميركيين، "أصبح الحكم رياضة وترفيهاً أو مجرد حرب قبلية طائشة. من هنا، لا عجب أن يرانا قادة الصين كأمة في تدهور إمبريالي، نعيش على بقايا روائح "الاستثنائية" الأميركية.
ونقل عن الممثل ماهر قوله: "قاعدة جديدة: لن تربح معركة القرن الحادي والعشرين إذا كنت شعباً ساذجاً. والأميركيون شعب ساذج".
هذه هي العبارة الكلاسيكية من الجاسوس البريطاني الشهير "لورانس العرب"، عندما أخبر لورانس حلفاءه من البدو أنه "طالما ظلوا مجموعة من القبائل المتناحرة، فإنهم سيبقون شعبًا ساذجاً".
وقال ماهر: "نعلم جميعاً أن الصين تقوم بأشياء سيئة. يخلفون الوعود بشأن الحكم الذاتي لهونغ كونغ، يضعون الأويغور في معسكرات ويعاقبون المعارضين. ونحن لا نريد أن نكون كذلك. لكن يجب أن يكون هناك أمر ما بين حكومة استبدادية تخبر الجميع بما يجب عليهم فعله وحكومة تمثيلية لا يمكنها فعل أي شيء على الإطلاق".
وأضاف ماهر: "على المستوى الوطني، لدينا أسبوع البنية التحتية كل أسبوع منذ عام 2009، لكننا لم نفعل أي شيء إطلاقاً… ترى الصين مشكلة وهم يصلحونها. يبنون سداً. نحن نناقش ما يجب إعادة تسمية السد".
ينقل فريدمان ما قاله جيمس ماكغريغور، رئيس شركة الاستشارات "أبكو وورلدوايد – الصين العظمى": "نعم، الصين لديها مشاكل ضخمة. لا يبلغ طول الواحد من قادتها 10 أقدام (304 سنتيمترات)، لكنهم يركزون على مقاييس النجاح الحقيقية. إن قادة الصين شرسون لكنهم هشون، ولأنهم غير منتخبين، يستيقظون كل يوم خائفين من شعبهم، وهذا يجعلهم يركزون بشدة على الأداء، وبخاصة فيما يتعلق بالوظائف والإسكان والهواء النظيف".
وقال فريدمان إنه على النقيض من ذلك، يُنتخب العديد من السياسيين الأميركيين هذه الأيام من مقاطعات آمنة ومقسمة خصيصاً لهم، ويسعون للبقاء في السلطة من خلال "الأداء" فقط لقاعدتهم والقيام بالعمل الشعبوي.
وأضاف أنه عندما يشير إلى ذلك، يرد النقاد في أقصى اليمين أو أقصى اليسار بسخافة: "أوه، إذن أنت تحب الصين". وتابع: في الحقيقة. أنا لا تهمني الصين. أنا تهمني أميركا. هدفي هو إفزاعنا من الرضا عن النفس من خلال جعل المزيد من الأميركيين يفهمون أن الصين يمكن أن تكون شريرة حقاً والتركيز فعلاً على تثقيف شعبها وبناء بنيتها التحتية واعتماد أفضل الممارسات في مجال الأعمال والعلوم وتعزيز البيروقراطيين الحكوميين على أساس الجدارة، كل ذلك معاً". ورأى الكاتب أن شجبنا للصين لقيامها بذلك لن يكون له أي تأثير إذا لم نكن متساوين في كل ما تقوم به. وقال: "في اجتماع ألاسكا الأسبوع الماضي بين كبار الدبلوماسيين الأميركيين والصينيين، أوضح المسؤولون الصينيون أنهم لم يعودوا يخشون انتقاداتنا، لأنهم لا يحترموننا كما فعلوا من قبل، ولا يعتقدون أن بقية العالم يفعل ذلك. أو كما قال يانغ جيتشي، كبير صانعي السياسة الخارجية في الصين بنبرة صلفة لنظرائه الأميركيين: "الولايات المتحدة ليست لديها المؤهلات ... للتحدث إلى الصين من موقع قوة".
وقال فريدمان إنه لم يتفاجأ لأن الصينيين لم يلاحظوا أن رئيسنا الأخير ألهم أتباعه بنهب مبنى الكابيتول، وأن غالبية حزبه لم يعترفوا بنتائج انتخاباتنا الديمقراطية، كما سُمح للفوضويين اليساريين بالاستيلاء على جزء من وسط مدينة بورتلاند، مما تسبب في فوضى لأشهر، والعنف المسلح في أمريكا خارج عن السيطرة. وأضاف أنه خلال الوباء، طبعت الولايات المتحدة الأموال لمساعدة المستهلكين على الاستمرار في الإنفاق، الكثير من هذه السلع صناعة صينية. بينما تطبع الصين الأموال للاستثمار في المزيد من البنية التحتية.
وقال الكاتب هل تعتقدون أن الصينيين لم يلاحظوا كل تلك الفوضى والاضطراب في أميركا؟ وأشار إلى دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 والمقرر إقامتها في الصين، حيث بدأ عدد متزايد من الأصوات في اقتراح مقاطعة ألعاب الصين. وقال فريدمان إنه يؤيد الدعوة للمقاطعة، إذ بينما نشاهد الصين وهي تسحق البنية التحتية للديمقراطية في هونغ كونغ وتستخدم معسكرات الاعتقال لقمع مسلمي الأويغور بوحشية في شينجيانغ مع عدم اكتراث مطلق بالرأي العلن العالمي، كيف نتجاهل كل ذلك ونركز على مسابقة التزلج على الجليد؟
ولكن الكاتب اعتبر أن هناك ما هو أولى بالمنافسة يحتاج الأميركيون إلى التركيز على الفوز بها ليست أولمبياد 2022 ولكن أولمبياد 2025. فالرئيس الصيني شي جينبينغ أعلن من جانب واحد عن دورة الألعاب الأولمبية لعام 2025 في عام 2015 واقترح أنه لن يكون هناك سوى اثنين من المنافسين: الصين وأميركا.
وأوضح أنها كانت مبادرة أطلقت عليها حكومة شي "صنع في الصين 2025". كانت خطة مدتها 10 سنوات لتحديث قاعدة التصنيع في الصين من خلال الاستثمار المكثف للموارد الحكومية للسيطرة على ما حدده الزعيم شي على أنه 10 صناعات رئيسية عالية التقنية في القرن الحادي والعشرين، وكان يتحدى ضمناً أميركا للمنافسة وجهاً لوجه. وتشمل الصناعات الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية ومركبات الطاقة الجديدة الأخرى، واتصالات 5G وعلم الروبوتات، وتقنيات زراعية جديدة، وهندسة الطيران والفضاء، ومواد كيميائية مركبة والطب الحيوي.
وقال الكاتب إنه قبل بضعة أسابيع فقط، عندما أصدرت الصين خطتها الخمسية الرابعة عشرة، التي يفترض أن تنتهي عام 2025، ضاعف الرئيس شي بشكل أساسي استثمار حكومته في "التنمية المدفوعة بالابتكار". وأضاف أنها رسالة موجّهة إلى أميركا: سنحاول التغلّب عليك في لعبتك الخاصة، لذلك لن نعتمد عليك مجدداً البتة للحصول على سلع عالية التقنية.
لكن فريدمان قال إن رسالته إلى الصين هي أن تكون حذرة. يبدو بعض الدبلوماسيين لديها متعجرفين بشكل فظيع. كما يقول المثل: "قبل الهلاك الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح". لا تزال أميركا تتفوق في الكثير من المجالات.
وأضاف: لكن رسالتي إلى زملائي الأميركيين هي: علينا الآن أن نعاود ونضاعف صيغة النجاح لدينا، وهي: تعليم القوى العاملة لدينا بما يصل إلى ما هو أبعد من متطلبات التكنولوجيا، بناء أفضل بنية تحتية في العالم من الموانئ والطرق والاتصالات، جذب المهاجرين من الأشخاص الأكثر نشاطاً وذوي معدل ذكاء عالٍ في العالم، لإثراء جامعاتنا وبدء أعمال تجارية جديدة، وتشريع أفضل اللوائح القانونية لتحفيز المخاطرة مع الحد من الاستهتار، وزيادة الأبحاث التي تموّلها الحكومة بشكل مطرد لدفع حدود العلم حتى يتمكن رواد الأعمال لدينا من تحويل الأفكار الجديدة الواعدة إلى شركات ناشئة.
وأشار ماكغريغور إلى أن هناك بعض الأمل في هذه الجبهة: لقد بدأ الكونغرس في فرز مئات مشاريع القوانين الصينية التي تم تقديمها في الكونغرس الأخير لصياغة تشريع من الحزبين للاستثمار في العلوم والتكنولوجيا والبحث والتطوير وقيادة الولايات المتحدة في نفس التقنيات التي أعلنتها الصين كأهداف مقبلة لها. والرئيس بايدن يتحدث عن إنفاق التريليونات في هذا السياق.
ورأى فريدمان أن الأفكار الجيدة والتي تتضمن احترام حقوق الإنسان، والديمقراطية، والقضاء المستقل، والأسواق الحرة، وحماية الأقليات، لا تربح فقط في العالم لأنها أفكار جيدة. إنها تنتشر ويتم احتضانها لأن الآخرين يرونها تنتج العدالة والسلطة والثروة والفرص والاستقرار في البلدان التي تمارسها. وأضاف: "لقد غُرست المثل الأميركية في كل مؤسسة عالمية في القرن العشرين لأننا كنا أقوياء، وكنا أقوياء لأننا في كثير من الأحيان طبقنا مثلنا".
وخلص الكاتب إلى القول: لكن، إذا واصلنا كدولة التصرف كما فعلنا أخيراً، فسوف تتضاءل قوتنا وستتضاءل معها قوة مُثلنا العليا. سيكون لدينا تأثير أقل بشكل متزايد على الصين والعالم بأسره بغض النظر عن مدى صياحنا بعظمة أميركا. لذا، دعونا نتأكد من فوزنا في الأولمبياد المهم، أي التنافس على الريادة العالمية.