كتب دوف س. زاخيم، وهو شغل سابقاً منصب نائب وزير الدفاع الأميركي، مقالة في مجلة "ذا ناشونال انترست" الأميركية، يقول فيها:
إن اعتقال الأردن لحوالى عشرين من كبار المسؤولين المتهمين بالتآمر للإطاحة بالملك عبد الله الثاني، الذي ترافق مع النقد الأخير الذي وجهه الأمير حمزة بن حسين لحكم أخيه غير الشقيق، قد قدما حجة لكل من أعداء الملك ومنتقديه لاتهامه بالقمع وسوء الإدارة والفساد. لطالما كان الملك والأمير على علاقة صعبة، على الرغم من أن حمزة ينفي أن يكون جزءاً من أي مؤامرة.
وأضاف الكاتب أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد أعربت حتى الآن عن دعمها للملك الأردني، الأمر الذي أثار استياء هيئة تحرير صحيفة "واشنطن بوست"، التي توصي بأنه "بدلاً من الدعم الأعمى للحاكم، يجب أن تخبره إدارة بايدن والديمقراطيات الغربية الأخرى بهدوء ولكن بحزم، أن الوضع القمعي الراهن غير مستدام". ومع ذلك، فإنه ليس واضحاً البتة ما قد تعنيه عبارة "غير مستدام" بالضبط. لا تقدم "واشنطن بوست" أي تفسير، لكن المعنى واضح: إذا لم يرضخ الملك للضغوط الغربية فيقوم بإجراء إصلاحات جادة، فعليه أن يواجه غضب شعبه بمفرده. وإذا تم خلعه، فهذه مشكلته.
ورأى المسؤول السابق أن هذه نادراً ما تكون طريقة للتعامل مع رجل كان صديقاً مخلصاً للولايات المتحدة - حيث تلقى تعليمه في المدرسة الثانوية - حتى قبل أن يخلف والده الملك حسين في الملك قبل حوالى 22 عاماً. فعندما ردت إدارة الرئيس جورج بوش الإبن على هجمات الحادي عشر من أيلول / سبتمبر بإطلاق عملية "الحرية الدائمة"، كان الأردن من أوائل الدول العربية التي قدمت الدعم المادي للقوات الأميركية وقوات التحالف في أفغانستان. وبين عامي 2012 و2014 نشر الأردن قوات في ولاية هلمند الأفغانية الخطرة لدعم التحالف الدولي الذي يقاتل حركة طالبان.
وتابع الكاتب: كما دعم الأردن الجهود العسكرية الأميركية في كل من العراق وسوريا. فضلاً عن ذلك، أدار الأردن برامج تدريبية لآلاف من ضباط الجيش العراقي. وبحسب ما ورد من تقارير، قدمت عمّان معلومات استخباراتية رئيسية مكّنت الولايات المتحدة من تعقب وقتل أبو مصعب الزرقاوي، الزعيم الوحشي لتنظيم القاعدة في العراق. استضافت عمّان أيضاً وجودًا عسكرياً أميركياً في الجزء الشمالي من المملكة، على الرغم من أنها لم تعترف بهذا الوجود أو سبب وجوده بالضبط.
وأضاف زاخيم: كان على الملك عبد الله أن يواجه في الوقت نفسه تهديدات داخلية من "جماعة الإخوان المسلمين" العدوانية ومن العناصر المتطرفة داخل الأغلبية الفلسطينية في البلاد، وكلاهما استاء من معاهدة الملك حسين لعام 1996 مع "إسرائيل"، والتي استمر الملك عبد الله في دعمها منذ أن خلف والده. لقد ظل على دعمه لها بالفعل حتى عندما أغضبته "إسرائيل"، كما كان الحال في كثير من الأحيان، باتباعها سياسة التوسع الاستيطاني التي عارضها الملك الأردني باستمرار وبصوت عال.
كما أن التهديدات المحتملة للنظام ولاستقرار الأردن قد ازدادت مع تدفق اللاجئين العراقيين والسوريين نتيجة الاقتتال الطائفي في العراق والتمرد على الرئيس السوري حافظ الأسد في سوريا. إضافة إلى ذلك، في حين أن العديد من اللاجئين العراقيين البالغ عددهم أكثر من 750 ألفاً كانوا ميسورين نسبياً وجلبوا معهم المهارات التي أفادت الاقتصاد الأردني، كان المهاجرون السوريون أكثر اعتماداً على مساعدات الدولة، مما تسبب في ضغوط كبيرة على الوضع المالي للأردن غير المستقر أساساً. بالإضافة إلى ذلك، تخشى الحكومة الأردنية -وهي محقة بذلك- أن يكون من بين اللاجئين السوريين عناصر من المحتمل أن تنضم إلى أي انتفاضة قد تحدث داخل الأردن نفسه.
وقد لاحظ بعض المراقبين أن الخلاف مع حمزة، الذي عزله الملك عبد الله كولي للعهد عام 2009 ووضع محله نجله الأكبر الأمير حسين بن عبد الله، يذكرنا بقرار والده تعيين ابنه الأكبر ولياً للعهد بدلاً من شقيقه الأمير حسن بن طلال. في الحقيقة، تمت تسمية عبد الله في البداية ولياً للعهد عندما كان طفلاً صغيراً، لكن الملك قرر أنه إذا لم ينجُ من محاولة اغتيال أخرى، فإن تعيين شقيقه بدلاً من ابنه الصغير على العرش سيضمن خلافة سلسة.
وعندما أعاد الملك حسين، مع شعوره باقتراب أجله، تسمية نجله عبد الله ولياً للعهد، كان في الواقع يعيد ابنه إلى ما كان سابقاً لقبه. علاوة على ذلك، كان عبد الله في ذلك الوقت قائداً محبوباً للقوات الخاصة الأردنية التي غالباً ما كانت تقود وحداته إلى القتال. أصيب الأمير حسن وأنصاره بخيبة أمل عميقة من قرار الملك. وبالمثل، وليس من المستغرب على الإطلاق، أن الملكة نور، والدة حمزة، مستاءة من قرار ابن زوجها عبد الله تجريد ابنها من لقبه ومنحه بدلاً من ذلك لإبنه.
ورأى الكاتب أن الملك عبد الله يبقى قوة ضرورية من أجل الاستقرار في المنطقة، وهو ملتزم بالسلام مع "إسرائيل" والأهم من ذلك أنه حليف قوي للولايات المتحدة. وستصبح صداقته أكثر أهمية لواشنطن مع استمرارها في تقليص وجودها العسكري في المنطقة وتقليل أهمية الشرق الأوسط مقارنة بشرق آسيا وأوروبا. ومن المؤكد أن رحيل عبد الله لن يسبب سوى الاضطراب، وليس من الواضح إطلاقاً أن العائلة الهاشمية التي يقودها ستحتفظ بالسيطرة على البلاد.
وأضاف: في شباط / فبراير 2011، مع مواصلة المصريين لاحتجاجاتهم على حكم حسني مبارك، رفض الرئيس الأميركي أنذاك باراك أوباما الاستجابة لنداء نظيره المصري لإنقاذ كرامته من خلال البقاء في منصبه لأشهر أخرى عدة، على الرغم من سجل مبارك في التفاني في دعم المصالح الأميركية في المنطقة. وبدلاً من ذلك، دعا أوباما إلى الإطاحة الفورية بمبارك وأشاد برحيله في وقت لاحق من ذلك الشهر. وكانت النتيجة مزيداً من عدم الاستقرار في مصر، أولاً مع تولي الرئيس الإخواني محمد مرسي السلطة في عام 2012 ثم مع سقوطه بعد أقل من ثلاثة عشر شهراً.
وقال المسؤول الأميركي السابق في مقالته إنه من الأفضل لإدارة بايدن ألا تكرر سوء التقدير الكارثي لأوباما. إذ لم تعد واشنطن تتمتع بنفس الدرجة من الثقة التي منحها لها حلفاؤها السنّة لعقود. وقد ساهم سقوط مبارك في انعدام الثقة هذا، والذي تفاقم بسبب سعي إدارة أوباما إلى إبرام اتفاق نووي مع إيران. ومن خلال تصميماته الخاصة لتجديد اتفاقية 2015 مع إيران، يجب على فريق بايدن أن يفعل كل ما في وسعه لعدم تنفير الحلفاء العرب السابقين لأميركا.
وخلص زاخيم إلى أن التخلي عن الملك عبد الله لن يقوّض علاقات واشنطن مع العرب السنّة فحسب، بل قد يؤدي كذلك إلى ظهور حكومة إسلامية راديكالية متطرفة، معادية لـ"إسرائيل" والغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص. أما من خلال الحفاظ على دعمه لعبدالله، سيظهر بايدن أن أميركا قد تعلمت أخيراً أهمية الحفاظ على إيمان بأصدقائها وحلفائها في الشرق الأوسط، على الرغم من أن أولويات أمنها القومي تخضع بالضرورة لتغييرات أساسية.
*دوف س. زاخيم شغل منصب نائب وزير الدفاع وكبير المسؤولين الماليين في وزارة الدفاع الأميركية من عام 2001 إلى عام 2004 ونائب وكيل وزير الدفاع لشؤون التخطيط والموارد من 1985 إلى 1987. كما شغل منصب المنسق المدني في وزارة الدفاع لإعادة إعمار أفغانستان بين عامي 2002 و2004. وهو يشغل حالياً منصب نائب رئيس مركز الأمن القومي (للأبحاث).