كتب السفير والمفاوض النووي الإيراني السابق سيد حسين موسويان مقالة في "نشرة العلماء النوويين" تناول فيها واقع الأزمة النووية الإيرانية والموقفين الإيراني والأميركي منها.
وقال الكاتب إنه بعد 80 يوماً من تنصيب الرئيس الأميركي جو بايدن، عقدت إيران والقوى العالمية أول جولة من المحادثات النووية في فيينا التي هدفت إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني المعروف بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة". فقد اتفق الدبلوماسيون في المحادثات يوم الجمعة الماضي على أن الخطوات أولية في مجموعتي العمل المصممة على إعادة الولايات المتحدة وإيران على الالتزام بالاتفاق النووي لعام 2015، كانت إيجابية وستتواصل هذا الأسبوع.
ورأى الكاتب أن إدارة بايدن لا تزال تحتاج للمناورة حول عقبات سياسية متعددة إذا كانت تريد العودة إلى الاتفاق النووي في وقت مناسب. فإذا لم تعد واشنطن بسرعة إلى الاتفاق، فثمة احتمال حقيقي بانهيار المحادثات، ومتابعة إيران لبرنامجها لتخصيب اليورانيوم، وستنشأ أزمة خطيرة لا نحتاج إليها.
فقد واصلت إيران التزامها الكامل بالقيود التي وافقت عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة لمدة عام كامل بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق. وبعد ذلك، بدأت إيران التراجع بخطوات تدريجية عن هذه القيود، محاولة الضغط على الولايات المتحدة للعودة إلى الاتفاق. في كانون الثاني / يناير الماضي، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بعد تسميته للمنصب أن فترة "الاختراق النووي" التي تجعل إيران قادرة على إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة عالية لتصنيع قنبلة نووية قد تقلت عن فترة العام (بحسب الاتفاق النووي) إلى نحو ثلاثة إلى أربعة أشهر. في أيلول / سبتمبر 2019، كتب بايدن نفسه، حين كان لا يزال مرشحاً للرئاسة، "إن ترامب قد رمى بتهور بسياسة كانت تعمل لإبقاء أميركا آمنة".
الآن، بعد ثلاثة أشهر من توليها الحكم، لم تعد إدارة بايدن للانضمام إلى الاتفاق النووي. ويبدو أن هناك ثلاثة عقبات رئيسية تحول دون عودة أميركية سريعة إلى الاتفاق وهي:
أولاً، إدارة بايدن منقسمة. فبحسب مجلة "فورين بوليسي" الاميركية، فإن مفاوض الشأن الإيراني في إدارة بايدن، روبرت مالي، ونائب مستشار الأمن القومي الأميركي جوناثان فينر يؤيدان العودة إلى الاتفاق النووي، بينما يؤيد كل من وزير الخارجية بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان خطاً أكثر تشدداً.
ثانياً، اللوبي الموالي لـ"إسرائيل" الواسع النفوذ يضغط على إدارة بايدن لعدم عودتها إلى الاتفاق النووي.
ثالثاً، إن أعضاء الكونغرس الديمرقاطيين منقسمون. ففي رسالتين منفصلتين إلى بلينكن، دعت المجموعتان من الحزبين، التي تضم نحو 160 عضواً في مجلس النواب، لمواصلة الضغط على إيران. فرئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السناتور بوب مندينز من نيوجرسي، يعارض إحياء الاتفاق النووي في صيغته الحالية. وفي بيان، حذر السناتور الجمهوري جميس إينهوف قائلاً: "كتذكير: أعضاء الكونغرس رفضوا خطة العمل المشترك على قاعدة توافق الحزبين في 2015. وإذا كرر (بايدن) التاريخ الأسبوع المقبل بإحياء هذا الاتفاق الفاشل، سنعمل على رفضه مرة أخرى".
وقال موسويان إنه بالنسبة للولايات المتحدة، فإن العودة إلى نصوص الاتفاق النووي، سيتطلب من إدارة بايدن الانخراط في عمل صارم، لرفع نحو 1600 من العقوبات والتعيينات العقابية التي فرضتها إدارة ترامب على إيران بعد انسحاب بايدن من الاتفاق عام 2018. كما أن إدارة بايدن قد حذرت سابقاً بأنها لن ترفع كل العقوبات التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب. لذلك، فإنه على الرغم من قول واشنطن وطهران إنهما تريدان تطبيق اتفاق "التزام مقابل التزام" لإحياء الاتفاق النووي، يبقى السؤال الأساسي هو: هل تستطيع إدارة بايدن تحقيق الالتزام الأميركي الكامل به؟
وأضاف الكاتب: لقد كنت منخرطاً في محادثات إيران النووية لنحو عقدين من الزمن. وبناء على خبرتي وفهمي للأوضاع السياسية الحالية في كل من طهران وواشنطن، فإن غياب قرار سريع من بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي، سيؤدي إلى انهيار الاتفاق بكامله، ولن تعقد محادثات نووية جدية مجدداً حتى تحصل إيران على رافعة جديدة من خلال إعادة برنامجها النووي إلى المستوى الذي كان عليه قبل الاتفاق النووي وربما أبعد من ذلك.
ورأى المفاوض النووي الإيراني السابق أن ثمة مواجهة جديدة وإمكانية أزمة جديدة قد تنشأ. فتاريخياً، قد أتت تكتيكات الضغط بنتائج عكسية، دافعة إيران أن تكون أقرب إلى حيازة سلاح نووي.
وأشار الكاتب إلى بداية المشروع النووي الإيراني في أيام الشاه وكيف أوقفت "الجمهورية الإسلامية" المشروع بعد الثورة عام 1979، ثم عندما أرادت إحياء المشروع واتفقت مع كل من فرنسا وألمانيا. لكهما رضختا للضغوط الأميركية وانسحبتا من المشروع مع إيران. لكن بعد 15 سنة من المحادثات النووية بين إيران وكل من فرنسا وألمانيا كل على حدة، قررت إيران في عام 1995 إنتاج وقودها النووي الخاص. وفي عام 2003، علم العالم أن إيران تبني منشآة لتخصيب اليورانيوم. وردت الولايات المتحدة بالانتقال من سياسة "لا تكنولوجيا نووية" إلى التركيز على سياسة "لا تخصيب" في إيران.
وفي أيلول / سبتمبر 2003، باشرت فرنسا وألمانيا وبريطانيا محادثات نووية مع إيران، وكما نقل وزير الخارجية البريطاني، تعثرت المحادثات لأن الولايات المتحدة تصر على أن إيران يجب ألا تكون لها منشآت لتخصيب اليورانيوم على أراضيها الخاصة تحت أي ظروف، واستسلمت الدول الأوروبية الثلات تحت هذا الضغط. فبين 2003 و2013، أقنعت الولايات المتحدة الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا، الدول الأربع الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، على دعم ستة قرارات دولية فارضة عقوبات دولية قاسية على إيران.
وقد ذكر وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري العام الماضي أنه "في عام 2013، جلست مع محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران، اللقاء الأول بين أعلى دبلوماسيين للبلدين منذ ثورة 1979 وأزمة الرهائن (الأميركيين في طهران). كان لدى إيران في ذلك الوقت مواد مخصبة كافية لصنع بين 8 و10 قنابل نووية وكانت على بعد شهرين أو ثلاثة أشهر من صنع قنبلة".
اضطرت واشنطن إلى تغيير سياستها من "لا تخصيب" إلى "لا تفجير نووي". هذه السياسة كانت متوافقة مع معاهدة منع النتشار النووي والاتفاق النووي الإيراني الذي وقع في تموز / يوليو 2015.
نحن الآن أمام مواجهة جديدة. في الثاني من كانون الأول / ديسمبر، وفي رد على إعادة إدارة ترامب فرض العقوبات على إيران، أصدر البرلمان الإيراني الذي يسيطر عليه المتشددون، قانوناً يطلب من المنظمة الإيرانية للطاقة النووية البدء بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة من نظير اليورانيوم، وهو الحد المحدد دولياً كي يصبح اليورانيوم فوقه صالحاً للاستخدام في صنع الأسلحة النووية. كما أن البرلمان قد سحب إيران من البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة النووية، والذي يسمح لمفتشي الوكالة بعمليات تفتيش في مواقع مثل المواقع التي تنتج فيها إيران أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم.
ورأى موسويان في مقالته أنه إذا واصلت الولايات المتحدة رفض العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران، يطلب القانون من إيران بالبدء هذا الشهر بتشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة، لإنتاج القدرة على تحويل اليورانيوم إلى شكل معدني، بحيث يمكن استخدامه في سلاح نووي، وبزيادة كبيرة في تشغيل أجهزة الطرد. ونص القانون على أن مفاعل أراك للمياه الثقيلة الذي ينتج 40 ميغاوات يجب عودته إلى العمل في غضون عام.
حتى الآن، كان رد إدارة بايدن مؤسفاً. فوزير الخارجية بلينكن قال إنه لن تكون هناك تنازلات أميركية حتى تعود إيران إلى الالتزام الكامل بخطة العمل الشاملة المشتركة. وفي 11 آذار / مارس الماضي، أعرب مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ونظيره الإسرائيلي مائير بن-شابات، عن عزمهما المشترك لمواجهة إيران.
وإذا كما يظهر الآن استمر عدم عودة أميركا إلى الاتفاق النووي، فإن إيران ستنتج يورانيوم مخصباً كافياً في غضون الشهور الثلاثة أو الستة المقبلة، لوضع نفسها في موقف يسمح لها باختراق نووي وإمكانية تخصيب سريع بما يكفي من يورانيوم مخصب بنسبة 90 في المئة لصنع قنبلة.
وقد كرر المرشد الأعلى الإيراني، آية الله السيد علي خامنئي، مراراً أن إنتاج الأسلحة النووية وتخزينها هو محرم بشكل مطلق وفقاً لأحكام الإسلام. لكنه أكد أيضاً أن إيران لن ترضح بتاتاً للضغط الأميركي بسبب أنشطتها النووية وقد تخصب اليورانيوم إلى نسبة تصل لـ60 في المئة. هذه النسبة الأخيرة تبدو إشارة إلى اهتمام عبرت إيران عنه سابقاً في تطوير مفاعل نووي مشابه للمفاعلات البحرية الأميركية التي تزود السفن بالطاقة.
إذا واصلت إيران هذا المسار، يبدو أن الولايات المتحدة و"إسرائيل" سترد بتكثيف الاستراتيجيات التي اتبعتها منذ عام 2005: عقوبات، تخريب منشآت إيران النووية، وربما اغتيالات أكثر لعلماء نوويين إيرانيين.
بناء على خبرتها في العقود الأربعة السابقة، ستتمكن إيران من مقاومة سياسات المواجهة والمضي قدماً في موقف الاختراق النووي. في المقابل، وبعد تنصيب رئيس إيراني جديد، ومرجح أن يكون من المحافظين، في آب / أغسطس 2021، على الولايات المتحدة أن تنتقل من سياسة "لا اختراق" إلى سياسة "لا قنبلة نووية". في هذه المرحلة، لحل الأزمة سلمياً، سيتطلب الأمر محادثات نووية وعلى الولايات المتحدة القيام بتنازلات كافية لإقناع إيران بعدم مواصلة السعي لحيازة قنبلة نووية.
وختم الكاتب قائلاً إنه سيكون من الأفضل تجنب هكذا أزمة خطيرة من خلال عودة الرئيس بايدن إلى خطته الأصلية بالعودة السريعة إلى "خطة العمل الشاملة المشتركة" وإزالة جميع العقوبات التي فرضها الرئيس ترامب في مقابل عودة إيران إلى الالتزام الكامل بالاتفاق النووي. عندها، يمكن للبلدين التفاوض على مسائل أخرى تقسّمهم.