"إيران دولة جارة وكل ما نطمح له هو أن يكون لدينا علاقة طيبة ومميزة مع إيران"، بهذه الكلمات عبّر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن موقف بلاده من طهران. بل ذهب إلى ما هو أبعد قائلاً: "نعمل اليوم مع شركائنا في المنطقة وفي العالم لإيجاد حلول لهذه الإشكاليات، ونتمنى أن نتجاوزها وأن تكون علاقة طيبة وإيجابية فيها منفعة للجميع". هذه التصريحات أثارت موجة من التحليلات والتساؤلات شملت أسباب تبدّل الموقف السعودي لا سيما أنّ أبعاد العلاقة السعودية-الإيرانية تطال منطقة الشرق الأوسط عموماً ولبنان والعراق واليمن خصوصاً.
في قراءة تحليلية نشرتها مجلة "فورين بوليسي" الاميركية تحت عنوان "لماذا يريد محمد بن سلمان محادثة إيران فجأة؟"، تساءل المحلل الأميركي-الإيراني تيتا بارسي عن أسباب رغبة ولي العهد السعودي في إجراء محادثات مع إيران، مشيراً إلى أنّ عاملاً يبرز أكثر من غيره: "تزايد العلامات الدالة إلى جدية الولايات المتحدة الأميركية في نقل تركيزها بعيداً عن منطقة الشرق الأوسط". وكتب بارسي: "ابتعاد واشنطن عن توريط نفسها في خلافات ومكائد شركائها في الشرق الأوسط أجبر قوى المنطقة على استكشاف أساليبها الديبلوماسية الخاصة".
وإذ ربط بارسي بين تصريحات بن سلمان والمحادثات السرية بين إيران والسعودية في العراق، قدّم توقعاته بشأن مستقبل التواصل بين البلديْن قائلاً: "من الواضح أنّ هذه المحادثات ما زالت في بدايتها، واحتمال فشلها في رأب الصدع بين إيران وخصومها العرب كبير".
ولكن سرعان ما استدرك بارسي قائلاً: "تشير عدة عوامل إلى أنّ هذه المحادثات قادرة على تغيير مسار العلاقات السعودية-الإيرانية والوضع الأمني الأوسع في المنطقة"، مسلطاً الضوء على الأسباب الداعية إلى التفاؤل:
- مشاركة قوى إقليمية أخرى بالمحادثات إلى جانب السعودية وإيران، ما يشير إلى أنّ المحادثات "تشبه الحوار الإقليمي الملح وليست مجرد مفاوضات ثنائية تهدف إلى نزع فتيل التوترات".
- مبادرة القوى الإقليمية إلى إجراء المحادثات وقيادتها لها، "بمعنى أنّ قوى كبرى من خارج المنطقة لم تفرضها (المحادثات) عليها وأنّ دولاً خارجية لا تقودها (المحادثات)".
في ما يتعلّق بدور الولايات المتحدة في المحادثات، أكّد بارسي أنّها ساهمت فيها بطريقة غير تقليدية، كاتباً: "العامل الوحيد الذي أجبر لاعبي المنطقة على سلوك المسار الديبلوماسي لا ينطوي على إعادة التزام الولايات المتحدة بدعم الرياض في مواجهة طهران ولا على أي مبادرة ديبلوماسية جديدة للمنطقة"، مؤكداً أنّ العامل الذي سرّع المحادثات يتمحور حول "تزايد العلامات الدالة إلى أنّ الولايات المتحدة بتنأى بنفسها عسكرياً عن الشرق الأوسط".
وفي هذا السياق، ذكّر بارسي بمواقف الرئيس الأميركي جو بايدن المشككة بجدوى الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط وبعلاقات بلاده بشركائها في المنطقة، معتبراً أنّه بعث رسالة واضحة إلى القوى الإقليمية تفيد التالي: يمثّل الشرق الأوسط أولوية لإدارة بايدن لسبب واحد وهو استكشاف طرق لخفض التعقيدات الأميركية هناك.
التفات القوى الإقليمية إلى الديبلوماسية لم يكن مفاجئاً بالنسبة إلى باريسي، إذ قال: "لطالما كانت الفرص الديبلوماسية موجودة، إلا أنّ شركاء الولايات المتحدة اعتبروها ثانوية مقارنة مع الاعتماد على واشنطن لدعمهم وحل مشاكلهم ببساطة".
وعليه، اعتبر بارسي أنّ الدرس واضح بالنسبة إلى الولايات المتحدة، كاتباً: "إذا تراجعت الولايات عسكرياً، سيُحث الشركاء الإقليميون على القيام بخطوة ديبلوماسية إلى الأمام".