كتب الباحث الأميركي صموئيل هيكي مقالة في مجلة "ذا ناشونال انترست" الأميركية تناول فيها المفاوضات النووية غير المباشرة في فيينا بين إيران والولايات المتحدة.
وقال الكاتب إن الاتصالات غير المباشرة في فيينا بين الولايات المتحدة وأعضاء الاتفاق النووي الإيراني (الصين، وفرنسا، وألمانيا، وإيران، وروسيا، وبريطانيا) تتواصل، وتتم معالجة القضية الشائكة المتمثلة في رفع العقوبات وتسلسلها.
وقال إن الرئيس الأميركي جو بايدن قد أوضح أنه سيدعم العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، كنقطة انطلاق لاتفاق ملحق أو اتفاق أوسع. وقد اقترح مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أن ينضم الخصوم الإقليميين لإيران مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى حوار إقليمي أوسع يشمل مناقشة الصواريخ الباليستية الإيرانية. مثل هذا الحوار سيكون خطوة إيجابية نحو تخفيف التوترات الإقليمية التي لم تعالجها "خطة العمل المشتركة الشاملة" ويمكن أن يكون خطوة إيجابية نحو استعادة التعاون عبر الأطلسي بشأن الأمن الدولي.
وأشار الباحث إلى أنه مع تقدم المحادثات، يواجه بايدن نفس الحجج القديمة حول ما قد يحدث إذا تم رفع العقوبات الأميركية عن إيران. فقد جادلت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بأن طهران استخدمت أموالاً غير متوقعة بعد توقيع الاتفاق النووي لإحداث الفوضى بطريقتين رئيسيتين: الأولى، تمويل أنشطة الجماعات الوكيلة لإيران. وثانياً، رفع مستوى مشترياتها من الأسلحة والصواريخ.
فشل حملة الضغط الأقصى
لكن الكاتب يوضح أن إيران لم تطلب الكثير من الموارد لدعم الجماعات الحليفة في الشرق الأوسط. وأشار كولين كال، خلال جلسة تأكيد تعيينه ليصبح وكيل وزارة الدفاع للسياسة، قائلاً إن "الحقيقة المحزنة هي أنه ليس من المكلف للغاية بالنسبة لإيران أن تدعم وكلاءها في المنطقة". فقد أصدرت إدارة ترامب تقديراً مفاده أنه بين عامي 2012 و، أنفقت إيران ما بين 2 إلى 3 مليارات دولار سنوياً لدعم وكلائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. خلال نصف هذه الفترة، أي من 2012 إلى 2015 ، واجهت إيران حملة عقوبات متعددة الأطراف، وبقيت الأرقام ثابتة من عام 2016 إلى عام 2018 عندما تم تخفيف العقوبات المتعلقة بالمجال النووي من خلال الاتفاق النووي الإيراني، لذلك لم تؤثر "خطة العمل الشاملة المشتركة" على رعاية طهران لحلفائها.
وأضاف الكاتب أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لم يغيّر النشاط الإيراني. فبين عامي 2017 و2020 ، ضاعفت إدارة ترامب جميع العقوبات الأميركية على الجماعات الحليفة لإيران، لكن الضغط المستمر فشل في تغيير السياسة الخارجية الإيرانية. ووفقاً للباحثيم أريان طبطبائي وكولين كلارك: "لا يمكن للعقوبات المالية أن تؤثر على العديد من أهم جوانب علاقات إيران بحلفائها، بما في ذلك التدريب
والملاذ الآمن ونقل الأسلحة والتكنولوجيا التي توفرها". وطوال هذه الفترة، حصل الحوثيون في اليمن على أسلحة أكثر تطوراً استخدموها ضد أهداف عسكرية ومدنية سعودية، بحسب الكاتب.
ورأى الكاتب أنه حتى في ظل اتفاق نووي يعمل بكامل طاقته، رأى الشعب الإيراني أن تخفيف العقوبات لا يمكن أن يؤدي إلى تحسن اقتصادي واسع النطاق، وأن الحل الأفضل قد يكون ممارسة الضغط المالي على القيادة الإيرانية من خلال تحفيز الامتثال لقيود مجموعة العمل المالي، والتي تركز على مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لتنظيف النظام المالي الإيراني الغامض.
لماذا زادت إيران من مشترياتها من الأسلحة / الصواريخ بعد توقيع الاتفاق النووي؟
اعتبر الباحث أن من المضلل الافتراض أن طهران استخدمت أموالاً مزعومة من تخفيف العقوبات في أعقاب الاتفاق النووي لتوسيع نطاق مشترياتها من الأسلحة والصواريخ. وبالنظر إلى التوترات الإقليمية، لطالما أعطت طهران الأولوية للإنفاق العسكري على الاحتياجات المحلية.
وساهمت الجهود المبذولة لطمأنة الشركاء الخليجيين القلقين من خلال زيادة مبيعات الأسلحة لهم في تصاعد سباق التسلح حتى مع تهديد إيران لجيرانها من خلال دعم الحلفاء. إذ قوضت مبيعات الأسلحة إلى المنطقة تصوّر إيران لأمنها. فالصواريخ الباليستية، على الرغم من فعاليتها المحدودة من دون رؤوس نووية، مهمة لقدرة إيران على مواجهة جيرانها منذ أن انهارت قوتها الجوية، التي كانت الأقوى في المنطقة، بعد سقوط الشاه.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن معالجة برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني أمر ضروري للحد من تهديد محتمل طويل الأمد، ويجب أن يقترن بالعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015. فقد أوقف الاتفاق سعي إيران للحصول على رأس حربي نووي لتركيبه على صاروخ بعيد المدى، من خلال عرقلة طريقها لتكديس المواد الانشطارية الصالحة لصنع قنبلة نووية. إن معالجة التهديدات النووية والصاروخية طويلة المدى في اتفاقية متابعة لخطة العمل الشاملة المشتركة سيوفر طمأنة لدول المنطقة التي من شأنها أن تساعد في إنهاء دورة تصعيد مبيعات الأسلحة.
زعزعة التحالف بين أميركا وأوروبا
وأشار الكاتب إلى أن الانسحاب الأميركي من "خطة العمل الشاملة المشتركة"، الذي أعقبته حملة فرض "أقصى ضغط" من العقوبات على إيران، إلى إثارة الرعب لدى الحلفاء الأوروبيين وأثار إعادة تقييم "سيادتهم الاقتصادية". وأوضح أن الاستمرار في تنفير حلفاء الولايات المتحدة هو مقامرة مع الأمن القومي للولايات المتحدة. فقد دفع الافتقار إلى الوحدة بين الولايات المتحدة وأوروبا إيران إلى النظر في استغلال الوضع من خلال السعي للحصول على إعفاء من الأعضاء الآخرين في الاتفاق النووي بدلاً من الحد من برنامجها النووي. هذا الوضع، وليس استخدام إيران المستمر للوكلاء أو الإنفاق العسكري، يشكل خطراً حقيقياً على الحوار الناشئ. إذ أن إعادة تبني سياسة الاستعداد لرفع العقوبات المتعلقة بالمجال النووي مع عودة إيران إلى الامتثال لاتفاق النووي سيتم استقبالها بشكل إيجابي عبر المحيط الأطلسي ويمكن أن تفتح الباب للعودة إلى التعاون في إدارة التوترات الإقليمية.
وخلص الكاتب إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا تشتركان في المصالح في استقرار الخليج الفارسي وفي تجنّب انتشار الأسلحة النووية، وأنه يجب أن تركز المناقشات الحالية في فيينا على المصالح المشتركة، وليس على المخاوف المضللة بشأن ما يمكن أن ينتج عن الاتفاق.
*صموئيل م. هيكي محلل أبحاث في مركز الحد من التسلح وعدم الانتشار.