• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
تقدير موقف

الاعتداء الأميركي على موقع للحشد الشعبي العراقي


قامت القوات الأميركية، ليل الأحد 27/6/2021، باعتداء عسكري طال موقعاً للحشد الشعبي في العراق، إضافة إلى موقعين عسكريين داخل الأراضي السورية، أسفر عن وقوع ضحايا عسكريين ومدنيين. وهو الاعتداء الثاني من نوعه بعد تولي جو بايدن منصب الرئاسة الأميركية، في غضون أربعة أشهر بتفويض منه مباشرة، مستغلاً الصلاحيات الممنوحة له من الكونغرس.

وهناك جملة أسباب دفعت بايدن لاعتدائه، منها ما هو داخلي اميركي، ومنها ما هو استراتيجي حول الصناعة العسكرية الأميركية، إضافة إلى وجود رسائل إقليمية وعراقية.

في الوضع العراقي

برز التطوّر الحاصل في إمكانيات الحشد الشعبي العسكرية، حيث أعطت العمليتان الأخيرتان، استهداف منصات صواريخ الباتريوت في قاعدة عين الأسد، وإدخال عنصر المسيّرات في صلب الأسلحة المستخدمة في المواجهة مع الأميركيين، من خلال قصف مكتب المخابرات الأميركية في أربيل، إشارات بالغة على حجم التقنية العسكرية التي بات يمتلكها، والتي قد تشكل ندّاً ولو غير متكافئ مع القوات الأميركية، غير أنها ذات فعالية قتالية وعملياتية يمكنها أن تعطي عاملاً إيجابياً في سير العمليات، بما اعترف به الجنرال كينيث ماكينزي، قائد القيادة المركزية الأميركية، أنها "المرة الأولى منذ الحرب الكورية، لا تتمتع القوات الأميركية بتفوّق جوّي كامل"، هذا فضلاً عن المعلومات الاستقصائية والمخابراتية التي أفضت إلى كشف المركز السرّي للمخابرات الأميركية، في مؤشر عملياتي تصاعدي لقوات الحشد الشعبي.

لقد استخدم بايدن الذراع العسكرية الأميركية مباشرة، دون الطلب إلى القوات العراقية ذلك، مقارنة عمّا كانت لجات إليه في بعض العمليات من اعتقال منفذي بعض الهجمات الصاروخية على مواقع الجيش الأميركي، وهو ما حصل باعتقال قوات الأمن العراقية أربعة عناصر من مطلقي الصواريخ على قاعدة عين الأسد العسكرية، لكن يبدو أن بايدن أراد أن يكرّر توجيه خطاب عالي النبرة، في محاولة منه لكف اليد عن قواته والأهداف الحساسة لديه.

التحريض ضد إيران والحشد

ويدخل في سياق الشأن العراقي الداخلي أيضاً، معطوفاً على الشأن السياسي العراقي – الإيراني، فقد تعمّد بايدن في تعليل قصف موقع الحشد على اعتباره خارج سيطرة سلطة الحكومة العراقية في توجّه فاضح لإثارة النعرات الشعبية والسياسية ضد إيران، بالدعوة غير المباشرة على حثّ الحكومة والشعب العراقي للمطالبة بوضع الحكومة يدها على كافة الأراضي العراقية وكف اليد الإيرانية بحسب تحريض بايدن. وفي جهة أخرى، يلعب نفس الدور التحريضي بين السلطة العراقية والحشد الشعبي، باعتباره خارج عن سلطة القرار السياسي والعسكري العراقيين، وفي كلا الرسالتين، هناك محاولات لجرّ العراق إلى صراع داخلي بين الحكومة والحشد الشعبي.

رسالة دعم سياسي لقمة الكاظمي مع الأردن ومصر

تزامن القصف الأميركي مع القمة العراقية المصرية الأردنية، بهدف إيصال رسالة دعم سياسي لسياسة الكاظمي الإقليمية بضرب المعارضين، في حال وجودهم، على الانفتاح العراقي تجاه حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، على خلاف ما كانت عليه حكومة عادل عبد المهدي لدى توجهها إلى الشرق نحو الصين في العلاقات التجارية.

الرسالة النارية إلى إيران

أما من جهة الرسائل النارية لإيران، فإن بايدن يريد القول بلهجة حامية للمرة الثانية، متزامنة مع المفاوضات النووية، أن لا مجال لإخلاء الساحة العراقية أو السورية، بالرغم من إعلان أولوياته السياسية الخارجية في مواجهة الصين وروسيا، وقد استخدام عبارة "الميليشيا التابعة لإيران" لتحميل إيران المسؤولية، ومحاولة إدخال ملفات المنطقة إلى المفاوضات خارجة عن الملف النووي، سواء تقبل إيران بإدخال ملفات أخرى إلى التفاوض أم لا.

وقد جاء الرد الإيراني سريعاً من وزارة الخارجية على لسان سعيد خطيب زاده الناطق الرسمي لها بأن "ما تقوم به الولايات المتحدة يزعزع أمن المنطقة"، ما يفيد الاستنكار ورفض التوجّه نحو التصعيد العسكري كما هو حال العمليات الأميركية، ما يعرّض المنطقة إلى مخاطر كبيرة.

الهدف الأميركي

وعلى الصعيد الأميركي المتعلّق بموقف بايدن وسياسته نحو الشرق الأوسط، فإن ما أعلنه عن توجيه التصعيد نحو الصين وروسيا لم يترك آثاراً تدلّ على تخفيف الاهتمام بمنطقة غرب آسيا، إنما جاءت الضربتان العسكريتان مع التحشيد السياسي الدولي والإعلامي لهما على بقاء هذه المنطقة في صلب أولويات بايدن، وأن سحب بطاريات الباتريوت قد لا يكون مؤشراً إيجابياً للمنطقة، إذا ما تمّ ربطه بما كان عليه حال أوباما عند سحب القوات الأميركية من العراق، فكان الصراع العسكري وولادة داعش وأخواتها.

دوافع العملية العسكرية ضد الحشد الشعبي العراقي

وقد ارتكز الهجوم العسكري على عدة دوافع أميركية، تعتبر تجاوزها بمثابة خط أحمر، لا تسمح للحشد الشعبي ومن خلفه إيران على تجاوزها:

  • التطوّر العسكري للحشد، وامتلاكه أسلحة تشكل خطورة مباشرة على القوات الأميركية في العراق، ويدخل ضمنها امتلاكه صواريخ دقيقة أو المسيّرات. إضافة إلى الدعم الاستخباري الذي تقدمه إيران للحشد الذي تمثّل بضرب موقع المخابرات الأميركية في أربيل.
  • الحفاظ على هيبة وسمعة الجيش الأميركي في العراق، وعدم السماح لحرب استنزاف تؤرقه وتشكل عنصر ضغط لسحب تلك القوات من العراق، فيلجا إلى ضربات قاسية ونوعية في محاولة إعادة الردع الأميركي.
  • تأثير ضربة الحشد الشعبي المباشرة على القوات الأميركية من حيث أهميتها العسكرية والاستخبارتية التي سببت ألماً موجعاً، من حيث اعتبارها تجاوزاً للخطوط الحمر التي تحاول الإدارة الأميركية فرضها، لا سيّما إذا ما دخل عنصر الصناعة العسكرية على محك الفعالية الميدانية، أو في مجال الاستخبارات الأمنية وإلحاق خسائر فيها، ما يكشف عن عمق التغلغل الأمني الإيراني في زوايا المخابرات الأميركية أو لمن هم حولها، فيشكلان أمراً خطيراً لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام.
  • وضع الصناعة العسكرية الأميركية على المحك لجهة الجدوى منها، من خلال  ضرب منصات الباتريوت، وتهديد سمعتها بالفشل الميداني بأنها ليست بالكفاءة المرسومة لها، كما جاء في تقرير لوكالة رويترز بتاريخ 18/9/2019، من حيث الكلفة المالية الباهظة وعدم فاعليتها مع "الطائرات المسيّرة وصواريخ كروز بسرعات أبطأ على ارتفاعات أقل فمن الصعب على نظام باتريوت رصدها"، كما حصل أثناء قصف الحشد الشعبي لها في عين الأسد، وسابقاً أثناء قصف منشآت أرامكو وفشل نظام الدفاع الجوي السعودي المعتمد على الباتريوت في حمايتها، وهو ما يقود إلى الفشل على غرار ما حصل لدبابة الميركافا الإسرائيلية إبّان العدوان الصهيوني على لبنان في تموز 2006، ما يشكّل عنصر ضغط من مصانع الأسلحة على القيادة العسكرية وبالتالي على المصالح الأميركية العامة، بما تتركه من أثر سلبي في التسويق لها في الدول الأخرى، ما يسبّب خسائر مالية باهظة، إضافة إلى استثمار نقاط الضعف فيها من جانب أعداء الولايات المتحدة.
  • لجوء بايدن إلى اختيار العنصر العسكري، مباشرة أو غير مباشر، في الضغط على إيران وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط، خاصة إذا ما تمّ رفع بعض العقوبات الاقتصادية عن إيران، بخلاف ما كانت عليه إدارة دونالد ترامب التي اعتمدت الخيار الاقتصادي كعامل أولي. والجدير ذكره في هذا الصدد، أنه لن يكون رفعاً تاماً للحصار الاقتصادي، بينما يُستبعد خيار المواجهة العسكرية المباشرة للجيش الأميركي في المنطقة، إنما على النهج الذي سار علية باراك أوباما، باستخدام أبناء المنطقة واستقدام عناصر قتالية أخرى من نسق داعش وأخواتها.

استفادة بايدن من تأجيل الكونغرس للحد من صلاحياته العسكرية

لقد استغلّ بايدن تأجيل مناقشة مجلس الشيوخ الأميركي النظر في قانون إلغاء تفويض الحرب على العراق للنفاذ عبره في توجيه الضربة العسكرية.

عمل بايدن على تحشيد جو إعلامي مؤيد للضربة، فكان موقف رئيسة مجلس النواب بيلوسي يدافع بقوة عن سياسته، إضافة لذلك الموقف الأميركي في الأمم المتحدة كذلك التصريحات المتعددة والمتكررة في زمن قصير، إذا ما انضم إليها الإعلام الخارجي، وكتابات المحللين السياسيين والعسكريين والتشديد على مثل هذه الضربات.

تقارير مراكز الدراسات الأميركية حول الضربة العسكرية

وفي جانب موازٍ، لا يمكن تجاهل كتابات وتحليلات مراكز الدراسات الأميركية الواردة في هذا الشأن والداعية إلى تعظيم الدور العسكري لما لها من تأثير في رسم سياسات الولايات المتحدة، وهو عمل لافت لكثرة المقالات والدعوات المنسجمة مع الحشد الإعلامي المواكب لها.

فقد سلّط معهد واشنطن للدراسات الضوء، في تقرير بتارخ 27/6/2021، على خطر العمليات العسكرية للطائرات المسيّرة، واعتبر أن الهجمات بطائرات بدون طيار تشهد نمواً سريعاً في الكمية والنوعية، التي تشكل ما يقرب من ثلث الهجمات في أيار وحزيران 2021، في إشارة واضحة منه إلى التعامل مع هذا الخطر بما يعمل على كبحه، ثم أردفه بتقرير لاحق بعد يوم واحد، يدعو فيه إلى تصعيد العمليات العسكرية الأميركية من حيث نسبة عددها بأشد قسوة واستهداف القيادات، كما اقترح اعتماد أسلوب العمليات غير المعلنة واعتماد الغموض  في تبنيها العمليات العسكرية ليضيع المنفّذ لها فتضعف نسبة الرد عليها.

التوافق الدولي مع العملية العسكرية الأميركية

وعلى الصعيد الدولي، فقد لاقت العملية العسكرية الأميركية ردوداً مؤيدة من فرنسا بلسان وزيرة الدفاع فلورنس بارلي بوجود "أطراف سياسية تحاول إبعاد القوات الأجنبية بالعراق"، كذلك موقف السفير البريطاني في العراق، بغض النظر عن الفائدة السياسية للولايات المتحدة من هذين الموقفين، إلا أنهما أتيا في سياق المواقف السياسية الدولية الداعمة لها، ما قد يفيد عن توافق على مبدأ استعمال القوة العسكرية.

الضغوط الداخلية الأميركية على بايدن

أما فيما يتعلّق بالمؤشرات السلبية التي تتفاعل مع هذه الضربة، فهي حتماً لم تكن من مبدأ الديمقراطية في العالم إنما من مبدأ حفظ وسلامة الجنود الأميركيين في العراق، لا سيّما بعد التهديدات اللاحقة، لكن من المفيد تسليط الضوء عليها، سواء كانت فاعلة بقوة أم محدودة الفعالية.

فقد أصدرت أربعة منظمات أميركية هي Concerned Veterans for America - Demand Progress - Just Foreign Policy - Quincy Institute بيانًا مندّداً باستعمال القوة العسكرية دون الإذن القانوني الأميركي، وأشار البيان إلى أن هذا حصل سابقًا مع "الضربة الجوية التي شنتها الإدارة في 25 فبراير ضد نفس المجموعات في سوريا، وقد ادعى الرئيس أن سلطات المادة الثانية المتأصلة هي المبرر القانوني الوحيد"، وقد حذّرت المنظمات الأربع في بيانها من التمادي في استخدام الإدارة لسلطات الممنوحة بموجب المادة الثانية في الدستور الأميركي، وقد انضمت إلى "24 منظمة في إرسال خطاب إلى الكونغرس يوبخ فيه إساءة استخدام الإدارة لسلطات المادة الثانية ويحذر من السابقة المقلقة للغاية التي قد تحددها للضربات المستقبلية. لسوء الحظ، تواصل الإدارة توسيع هذه السابقة الخطيرة".

يعطي هذا البيان صورة عن عثرة في الملفات التي سيحملها الرئيس الأميركي جو بايدن في المستقبل، إذا ما كانت خاضعة للرقابة العامة التي تستطيع أن تحجّم إطار عمله، وتؤثّر سلباً على سجّله السياسي والعسكري خارج البلاد، في توطئة للانتخابات القادمة فتشكل عبئاً ثقيلاً عليه لا يمكن تجاوزه، هذا من جهة، أما من جهة ثانية فإن ما يبرّر للرئيس الأميركي الهجوم الجوّي العسكري على مواقع الحشد الشعبي العراقي أو داخل الحدود السورية هو لن يجلب الأمن والاستقرار للولايات المتحدة، وهذه الحقيقة يظهرها البيان حول مزاعم الإدارة في تخفيض التصعيد، وهو ما لن يجنيه الرئيس، إذا ما تم الأخذ بالبيان الفوري للحشد الذي توعّد بالردّ بـ "حرب مفتوحة مع الاحتلال الأميركي".

إن هذا التكتّل في وجه الرئيس الأميركي، إذا ما تصاعد ولاقى مقبولية وتجاوباً من منظمات أخرى قد ينذر بمهام صعبة أمامه، لذلك سيعمل التكتل على كسب حلفاء جدد في الساحة الأميركية، وإن مبادرتها الإعلامية يمكن أن تؤسّس تحالف في هذا السياق.

أما ما جاء في ردّ بايدن عليها جاء من قبيل الدفاع عن العملية داخلياً، وهجومياً في المنهج الذي سيتبعه لاحقاً من خلال ما أفاد باستعداد بلاده للتحرك لاحقا في حال وجود ضرورة لذلك لمواجهة التهديدات والهجمات مستقبلا.