يؤدي التعليم مهام أساسية لاستمرار النظام الاجتماعي وتكيفه مع التغيرات الكبرى التي تحدث في المجتمع وخارجه، فهو يمنح المعارف والمؤهلات اللازمة لذلك، متمثلة في المهارات والشهادات لشغل الوظائف الضرورية لسير المجتمع بمؤسساته المختلفة. وفضلاً عن المهمة التعليمية، يعتبر التعليم الطريق الملكي (المثالي) للتنشئة الاجتماعية، حيث يعمل على إعداد الأفراد للقيام بأدوارهم الاجتماعية المختلفة، وذلك من خلال استظهار مجموعة المعايير والقيم الاجتماعية السائدة.
وفي العادة، فإن الدولة هي من يشرف على النظام التعليمي. وحتى إن سُمح للقطاع الخاص بامتلاك وتسيير مؤسسات تعليمية، تبقى للدولة مهمة مراقبة البرامج التعليمية، خاصة المرتبطة منها بهوية المجتمع؛ كالتربية الدينية والوطنية والتاريخ والعلوم الاجتماعية. فمن خلال الإشراف المباشر أو المراقبة للعملية التعليمية، تسعى الدولة إلى الحفاظ على التلاحم والانسجام الاجتماعي.
وقد أدركت جماعة المسلمين مبكراً أهمية التعليم ودوره. وفي هذه الورقة سنحاول استجلاء وفك خيوط الاستراتيجيات المعقدة التي مكنت الجماعة من بناء نظام تعليمي خاص بها وموازٍ للنظام التعليمي الرسمي، وكيف سخرت الجماعة مؤسساتها التعليمية كذراع لخدمة مشروعها، وإعادة إنتاج قواعدها من خلال التأهيل الأيديولوجي والعقدي والتنظيمي للدارسين في مدارسها، كما سنبين كيف مكّن نظام الإخوان التعليمي الجماعة من كسب أعداد كبيرة من الأعضاء والمؤيدين، وساعدها كذلك في البقاء لأكثر من تسعين سنة برغم الحظر والتضييق.
وتتبنى هذه الورقة مفهوم الهندسة الاجتماعية المستخدم في العلوم الاجتماعية، لتوصيف استراتيجية جماعة الإخوان المسلمين في إعداد الأجيال الصغيرة وهندسة عقولهم وقلوبهم ليصبحوا أعضاء فاعلين في الجماعة.
للاطلاع يمكن الضغط على الرابط