کتب "إحسان کیاني" الخبیر في شؤون السیاسة الخارجیة في مقال نشره مرکز "تبیین" للدراسات الاستراتیجیة الإیرانیة" عن مستقبل أفغانستان مع تقدم حملات طالبان في أنحاء البلاد. واستعرض الكاتب في مستهل المقال موضوع "بدایة هزیمة أمريکا وانسحاب قواتها من أفغانستان" ومن ثم رد فعل الدولة المرکزیة والدول الأجنبیة إزاء توقف عملیات السلام في أفغانستان وتقدم حملات طالبان، وعرض فی النهایة تحت عنوان" المستقبل الغامض" إحتمالیة حکم طالبان علی أفغانستان.
تظهر حركة طالبان الأخيرة في أفغانستان، والتي استولت على أكثر من ثلثي البلاد، الحاجة إلى إعادة النظر في مستقبل البلاد مع استمرار الأوضاع الراهنة. فمنذ بداية ربيع هذا العام، شنت طالبان هجومًا واسعاً وتقدمت في العدید من المدن والأرياف الأفغانية وتم إخراج القوات الحكومية من العديد من المناطق الريفية. ومن أهم الأمثلة على هذا التقدم محاصرة "مزار الشريف"، والاستيلاء على "قندوز" والسيطرة علی "شيرخان بندر" الواقع على الحدود الطاجيكية، و"إسلام قلعة" الواقعة على الحدود الإيرانية.
سبق وقیل إن هذه المجموعة سیطرت على أكثر من 70 بالمئة من الاراضي الأفغانية. وعلى الرغم من أن بعض القوى الشعبية والکتل السياسية قد تم تسليحها لمواجهة هذا التقدم، لكنه لا يوجد أفق واضح لانسحاب طالبان من المواقع التي سيطرت عليها.
يقوم هذا المقال بشرح المسائل المتعلقة بطالبان أفغانستان، مع اجراء تقییم للمستقبل السیاسي لهذا البلد في حال استمرار تقدیم طالبان في البلاد.
-بداية الهزیمة
عادةً ما يكون بدء المعرکة صعباً، ولکن نهایتها أصعب. في الوقت الذي تتسارع فیه وتیرة انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وفقًا لمعهد" الدراسات الاستراتيجية والدولية: "لا يوجد بوادر لتشکیل حكومة قوية ومتكاملة وفعالة في أفغانستان". یتم هذا الانسحاب بعد عشرين عامًا من الاحتلال إزاء الوعود المتكررة التي تراجعت باستمرار، من التغیير الديمقراطي إلى هزيمة طالبان ومن هزيمة طالبان إلى هزيمة القاعدة والآن حیث تذهب الأمور لقطع ارتباط هذین المجموعتین؛ وهذا لا يعني سوى فشل السياسات الأمريكية في أفغانستان. وإن الشعارات المستخدمة لا سيما حماية القوات الاستشارية أو شبكة المعلومات هي مجرد غطاء لهذه الهزیمة.
وبحسب رأي بعض الخبراء الأمريكيين، فإن الولايات المتحدة كانت في صدد احتواء نمو الصين منذ عهد بوش ومن ثم عهد أوباما، لكن وقوع أحداث 11 سبتمبر وصعود داعش، على التوالي، حالت دون ذلك. في خصم ذلك يعتزم بايدن الیوم مغادرة أفغانستان بأي ثمن ممکن. في الحقيقة إن اتفاق الولايات المتحدة مع طالبان لم يكن مجرد اتفاق مع مجموعة مسلحة. بل إنه دوّن علی أساس احتمالية الهيمنة الكاملة على أفغانستان. لهذا السبب، جاء هذا الاتفاق في سیاق منع الهجوم على المصالح الأمريكية من الاراضي الأفغانية، باعتبارها المحور الأساسي للاتفاق.
-رد فعل الدولة المرکزیة
توقفت الحین عملیات مفاوضات السلام، وأصيبت الدولة بالضعف والانهيار، ولم تستطع القوات الأفعانیة مواجهة تقدم حملات طالبان، وأعلنت الأمم المتحدة عن التسلیم الواسع للقوات الحکومیة مقابل حملات طالبان. على الرغم من التدريبات واحتیازه المعدات الأمريكية على مدى السنوات العشرين الماضية، فإن الجیش الأفغاني غير قادر اليوم على الصمود أمام هجمات طالبان. ويقول معهد أبحاث كوينسي في هذا الشأن، علی وجود "لائحة اتهامات بخصوص المليارات الأمريكية في إنفاقها على حفظ أمن أفغانستان".
إن التدريبات غیر المتکاملة وغیر المناسبة مع عدم القدرة على حفظ المواقع العسكرية وعدم دفع الرواتب هي من بعض العوامل التي قللت من قدرة الجيش والشرطة الأفغانية على الرد على هجمات مماثلة. في حين طلبا "أشرف غني" و"عبد الله عبد الله"، قادة أفعانستان المساعدة من بایدن خلال زیارتهما إلی واشنطن، لكنهما لم يتلقيا أي رد إيجابي.
ويبدو أنه مع الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان سيكون هناك سیناريوهان؛
الأول يتمثل في مدافعة افغانستان عن کل من کابل ومزار شریف بمساعدة قوة عسكرية صغيرة حیث تبقى في أفغانستان بذريعة دعم المواقع الدبلوماسية، إلی جانب الدعم الجوي الأمريكي. فيما تواصل طالبان محاصرة هذه المناطق كرافعة لمحادثات السلام. لكن السيناريو الآخر يتمثل في حرب دموية شاملة وسيطرة طالبان الكاملة على أفغانستان بعد فترة زمانیة أقصاها من ستة شهر إلی سنة واحدة.
-رد فعل الجهات الأجنبية
سعت موسکو بمبادرة من Troika Plus، حیث تشمل کل من روسيا والولايات المتحدة والصين وباكستان للتوسط بين كابول وطالبان. وهي مبادرة حظيت بدعم الأمم المتحدة، ولكن حتى الآن لم تحرز أي تقدم في حل القضية، على أرض الواقع، هذا في الوقت الذي تجري موسكو محادثات ثنائية مع طالبان لضمان عدم دخول القوات الإرهابية الحدود الطاجيكية. يمكن للكرملين، أیضاً من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تتکون من مجموعة دول آسيا الوسطى، بما في ذلك أفغانستان، ولا سيما كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، وكذلك منظمة شنغهاي للتعاون، التنسيق مع الصين، لتعزيز الفوائد الضرورية في أفغانستان.
كما عقدت الصين اجتماعا ثلاثياً مع وزراء خارجية كابول وإسلام أباد تحضيراً للتعاون مع باكستان بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. تطالب الصين تثبیت الاستقرار في البلاد لمتابعة مشروع "حزام واحد، طريق واحد"، وبالطبع لا رغبة لها أن تكون ضحية أخرى لأفغانستان بدخولها هذا البلد مباشرة بعد الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة.
المسألة الأخری بالنسبة لبکین هي أنها لا ترغب في تقوية المجموعات الإسلامية في أفغانستان فيما يتعلق بقضية الأويغور، علی غرار الهند التي لا ترید سيطرة طالبان لوقف نمو الإسلاموية في كشمير والمناطق المجاورة.
تحتاج أفغانستان إلى مبادرة أوسع وأعمق وأكثر تعقيداً تستند بشكل عام إلى اللاعبين الإقليميين. يسعى الیوم معظم جيران أفغانستان إلى تحقيق السلام والاستقرار في البلاد كهدف رئيسي لهم. ربما باستثناء باكستان، حیث ترغب بدعم طالبان كوسيلة ضغط، لکن هذه الحكومة أيضا لا رغبة لها بالحکم المطلق لطالبان علی البلاد. حتى الأنصار السابقين للمجموعة في منطقة الخليج الفارسي ليس لديهم الفرصة للتدخل علی نطاق أوسع علی غرار فترة الاحتلال السوفياتي وما بعده، لأسباب بما في ذلك الصراع في اليمن. لقد أدركت جميع الجهات الأجنبية الفاعلة تقريبا حقيقة طالبان. لا سيما بعد الاتفاق بينها وبين الولايات المتحدة، حيث أصبحت هذه القضية أكثر علنية ورسمية، وقد نظمت المحادثات الثنائية أو متعددة الأطراف مع هذه المجموعة. لا یبدو حتى في حالة سقوط الحكومة واندلاع الحرب الأهلية، أن یکون هناك رد فعل عسكري جاد إلا في نطاق حفظ أمن الحدود، من جانب الجهات الإقليمية.
المستقبل الغامض
في الحقیقة لا يمكن حکم أفغانستان من دون طالبان، ولا يمكن للأخيرة السيطرة على البلد وإدارته بسلام واستقرار وحدها. بالنظر إلى المكانة الاجتماعية لطالبان في أفغانستان وافتقار المجموعة إلى الحافز العالمي الوطني لتوسيع أنشطتها، هناك إمکانیة بأن طالبان قد تقيد عمل المجموعات المسلحة الأخرى وذلك لاكتساب نوع من الشرعية من جانب الجيران ولا سیما أن جزءًا من قيادة المجموعة، باتت قلقة من التدخل الأجنبي بذريعة مكافحة الإرهاب، وتجري الحین محادثات مع الحكومات الأخرى للحصول على ضمانات على أساس حفظ أمن الحدود في البلاد.
إحدى الفرضيات تقول إنه يجب التمييز بين طالبان کحركة وطالبان في إطار الحكومة. لأنه يتعين على حركة طالبان في مقام الحكم ممارسة بعض الكفاءة للبقاء في السلطة لا سیما في ضوء الفساد والبطالة والافتقار إلى المنافع التجارية المتنوعة، ينبغي النظر في ملاحظات الحكومات الأجنبية والمؤسسات الدولية التي تؤثر على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتجنب العقوبات المتعددة الأطراف والحصول علی المساعدة المالية.
لكن فرضية أخرى، ليست بعيدة عن الحقيقة، هي أن قدرة طالبان على تشكيل حكومة مستقرة ومتماسكة مشكوك فيها بسبب الاختلافات الأيديولوجية والتنظيمية الداخلیة؛ حیث لا يزال هناك جزء من هذه الشبكة القریبة من شبکة حقاني تصر على وجهات النظر الأكثر أصولية مقارنة بالحداثة لا سیما بموضوع النساء، في حين ان المشرفيين علی القسم السياسي والتي تشارك في حوار مع وسائل الإعلام والحكومات الأجنبية ترغب أن تكون أكثر توازناً. إن تحويل طالبان من " إطار حرکة إلى إطار حكومة" في الوقت الذي امضت أكثر من 20 عامًا في ساحة المعركة وبعيدًا عن الخبرة في الحكم، سيكون لها تكاليف سياسية واقتصادية باهظة على أفغانستان. كما لا ينبغي صرف النظر أن معارك دامية وقعت بين طالبان والحكومة المركزية على مدى السنوات العشرين الماضية، وهذه المرة ربما تتهم طالبان، بعد استيلائها على السلطة، العديد من الشخصيات والجماعات السياسية من قبائل مختلفة بالتعاون مع قوات الاحتلال الأمريكية وذلك بهدف الانتقام.
في حين أنه من غير المرجح أن تقوم طالبان بالاستجابة لطلب نزع سلاحها وتعليق هدفها" الإمارة الإسلامية"، ولكن ربما إذا لم يكن هناك إجماع على ايجاد حل سياسي، فسيكون هناك حكم ذاتي بحكم الواقع بين المناطق التي تسيطر عليها طالبان، لا سیما مناطق البشتون، والمناطق العرقية الأخرى على المدى المتوسط والحكومة المركزية التي تستمر في الحكم في بعض المناطق المحدودة.