عنوان مقال كتبه المحلل العسكري الصهيوني رون بن يشاي لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية، ونشرته مؤسسة الدراسات الفلسطينية في نشرة مختارات من الصحف العبرية اليومية على مرحلتين، إذ نشرت القسم الأول من المقال في نشرة (24/8/2020)، والقسم الثاني في نشرة (25/8/2020).
في القسم الأول
الشرق الأوسط الجديد أصبح هنا من الحوض الشرقي للبحر المتوسط حتى أفغانستان، لم تعد الدول العظمى هي التي تفرض على الأطراف الإقليمية إرادتها، وحتى لم تعد تؤثر فيها بصورة حاسمة. مكان الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا كمراكز قوة وكلاعبين أساسيين ــ كما كانوا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وبعد الثانية ــ تأخذه اليوم القوى العظمى الإقليمية والتحالفات التي أقاموها.
هناك سمة إضافية تُميز الشرق الأوسط في أيامنا هذه، هي سياسة الهويات الدينية، الطائفية، والعشائرية التي حلت محل الهويات القومية والوطنية كقوة محركة سياسية أساسية لسكان المنطقة. يضاف إلى ذلك حقيقة أن أطراف القوة الأساسيين يحتفظون في مناطق القتال بقوات يستخدمونها وكلاء محليين يقاتلون بواسطتها قوات محلية أو وكلاء الطرف الآخر لتقوم بالمهمة الصعبة بدلا منهم.
بواسطة المرتزقة، الطموح هو تقليل عدد نعوش القتلى التي تعود إلى طهران، وموسكو، وأنقرة، وأبو ظبى، خوفا من ردة فعل الرأي العام في هذه الدول.
لكن حتى قبل ذلك، من المهم الإشارة إلى أن إسرائيل هي لاعب مستقل بمكانة قوة إقليمية عظمى صغيرة في منظومة القوات الشرق الأوسطية الجديدة.
ونتيجة قوة الجيش الإسرائيلي والاختراعات والمشاريع الاقتصادية، أتيحت لنا فرص لم تكن متاحة في الماضي لترسيخ المشروع الصهيوني، لكن في الوقت عينه يجب أن نعترف بحقيقة أن التهديدات ضدنا، وليس الأمنية فقط، ازدادت وأصبحت متنوعة أكثر. الفلسطينيون أيضا مثلنا تماما، هم إلى حد بعيد لاعب مستقل. لكنهم يستمدون قوتهم في الأساس من ضعفهم. لحسن حظهم، سياسة الهويات والمواجهة مع إسرائيل تمنع من وقت إلى آخر التهميش الكلى للقضية الفلسطينية في السياسة الإقليمية.
صراع بين ثلاثة ائتلافات إقليمية
تدور الصراعات الإقليمية في أيامنا هذه بين 3 ائتلافات إقليمية. الأول، المحور الشيعي الراديكالي الذي تقوده إيران، والثاني المعسكر السنى المعتدل بزعامة السعودية واتحاد الإمارات، والثالث، الكتلة السنية المؤلفة من تركيا وقطر والحكومة في غرب ليبيا.
في المحور الشيعي ــ الراديكالي الذى تقوده إيران تُعتبر سوريا شريكة كاملة. لبنان والعراق يُعتبران كأطراف مساعدة ــ لكنهما ليسا عضوين كاملين في الائتلاف. يمكن أن نعدد ضمنه أيضا حزب الله والميليشيات الشيعية في سوريا والعراق، والحوثيين في اليمن، والمجموعات الشيعية المسلحة في أفغانستان وباكستان.
ويمكن أن نُدخل ضمن هذا المحور حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية وحماس اللتين تنتميان إلى التيار السنى الإسلامي، وعمليا يعتبران ملحقين، أو يمكن الاعتماد عليهما، لكنهما ليستا ملزمتين بصورة كاملة بالمحور الذى تقوده طهران.
الأهداف الاستراتيجية للمحور الشيعي الراديكالي تتطابق مع المصالح الأساسية لإيران: تحويل القيم الشيعية إلى تيار مسيطر ومقرر في الإسلام في الشرق الأوسط، وتحقيق هيمنة إيران الإقليمية بصورة تمنع منعا باتا المس بأمنها القومي، وتسمح لها بأن تكون طرفا إقليميا مهيمنا اقتصاديا، وتتيح لها قوة وطنية، وطرد الأجانب الكفار (الغربيين – النصارى وإسرائيل) من المنطقة.
القوة الأساسية لهذه الكتلة هي الحافز الدجنى ــ الطائفي القوى والناجم عن الإحساس بالتضحية، بالإضافة إلى موارد النفط الضخمة لديها. لكن هذه الكتلة ضعفت أخيرا بسبب العقوبات الأمريكية التي أدت إلى ضائقة اقتصادية، وبسبب الكورونا وعدم الاستقرار الاجتماعي الذي تسبب به فساد السلطة وبطالة الشباب.
***
المعسكر السني المعتدل المؤيد للغرب بقيادة السعودية واتحاد الإمارات الذي ينتمي إليه أيضا البحرين، والكويت، وعمان، ومصر، والأردن، والسودان، وأغلبية دول شمال أفريقيا، باستثناء جزء من ليبيا. ما يوحد هذا المعسكر في الأساس التخوف من إيران، ومن الإسلام السني الراديكالي بفرعيه: الإخوان المسلمون وداعش.
تُعتبر إيران الفارسية الشيعية عدوا مرا لهذا الائتلاف، لأنها تهدد بتحويل هذه الدول إلى تابعة لها والمس بكرامتها. الإسلام الراديكالي السني بفرعيه يهدد استقرار هذه الأنظمة التي يحكم أغلبيتها حكام مستبدون.
***
ائتلاف تركيا، قطر والحكومة في غرب ليبيا، يتوحد في الأساس حول الدين. حكام تركيا وقطر ورئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، هم من مؤيدي ما يُعرف بـالإسلام السياسي ــ التيار الفكري الديني الذي نمت فيه حركة الإخوان المسلمين. هذا التيار الذي تأسس في مصر يتطلع إلى إقامة الخلافة الإسلامية في العالم، تماما مثل داعش، لكنه يريد أن يحقق ذلك على مراحل.
في البداية يريد التيار أن يقود تصحيحا للمجتمع وصفات الحكام ففي الدول الإسلامية، وتحقيق أهداف وطنية تسمح بقيام دولة الشريعة، بحسب تعاليم القرآن، وفى نهاية المرحلة تقام الخلافة العالمية.
مقابل ذلك، التنظيمات المتطرفة العالمية (داعش والقاعدة) تريد التوصل إلى الخلافة العالمية بواسطة الدم والنار واحتلالات عسكرية. حكومة الوفاق الوطني في ليبيا تدعم، مثل تركيا وقطر، أطرافا إسلامية راديكالية.
تتطلع تركيا وقطر إلى أن يتحولا إلى طرف إقليمي مؤثر، لكن بوسائل مختلفة. تحاول تركيا أن تتحول إلى قوة إقليمية عظمى في الحوض الشرقي للبحر المتوسط من خلال رافعة في الأساس اقتصادية. يريد أردوغان السيطرة على مخزون النفط والغاز الذي تحتاج إليه الصناعة التركية ــ وهو مستعد للمخاطرة بخوض مواجهة عسكرية مع اليونان. بموازاة ذلك، أرسل جيشه كرى يقاتل إلى جانب الحكومة في غرب ليبيا.
أهداف نيو ــ عثمانية إضافية تدفع بها تركيا قدما، هي قمع الحركة الوطنية الكردية داخل وخارج حدودها ومساعدة المتمردين السوريين في المناطق الواقعة فى غرب سورية التي تدعى تركيا حاليا أنها اقتُطعت منها. فى موازاة ذلك، وعلى الرغم من أن إيران دولة شيعية ومنافسة لها اقتصاديا، فإنها تحافظ على علاقات جيدة معها، وتساعد طهران على الالتفاف على العقوبات الأمريكية.
حاكم قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني (والدته الشيخة موزة تسيطر عليه وعلى الإمارة) ليس لديه مشكلات طاقة أو اقتصاد. هو ووالدته يريدان أن يتحولا إلى طرف إقليمي دولي يجب أخذه في الاعتبار من خلال استخدام قوة لينة. من بين الوسائل قناة الجزيرة التي تُعتبر رافعة شديدة الأهمية تهدد قطر بواسطتها، دعائيا، أنظمة عربية معادية، وتكافئ أنظمة صديقة. وللسبب عينه تدعم قطر، اقتصاديا أيضا، تنظيمات تتماهى مع الإخوان المسلمين، مثل «حماس» فى غزة.
هناك مكون لا يقل أهمية فى سلوك قطر، هو ضمان بقاء النظام بواسطة علاقات طبيعية مع إيران فوق الطاولة وتحتها من جهة، وبواسطة حلف عسكري مع تركيا والولايات المتحدة من جهة ثانية. يوجد فى قطر أكبر قاعدة أميركية فى الشرق الأوسط، وأخيرا أقيمت هناك قاعدة تركية أيضا. التحالف القطري ـ ـ التركي تحول إلى عدو للمعسكر العربي ـ السني المعتدل.
وفي القسم الثاني
الصين تقترب والولايات المتحدة تبتعد
إسرائيل في الطريق إلى كتلة الإمارات – السعودية