كشف الصحافي البريطاني المعروف ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي" في مقالة حصرية نشرت في الموقع، إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد انسحب من زيارة مقررة إلى واشنطن الأسبوع المقبل للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد أن كان يخشى تسريب الأنباء وأن يصبح وجوده في العاصمة الأميركية "كابوساً".
وأوضح هيرست أنه لم يتم الاتفاق حينها على ما إذا كان سيتم تسجيل اللقاء بين ولي العهد ونتنياهو ثم الإعلان عنه أو إجراؤه على الهواء مباشرة أمام الكاميرات. لكن أولئك الذين يضغطون من أجل حدوث ذلك، ومن بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره ومستشاره جاريد كوشنر، يرون احتمال حدوث مصافحة بين الرجلين كوسيلة لإعادة إطلاق صورة محمد بن سلمان كصانع سلام عربي شاب، يحشد الدعم الإقليمي للاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين الإمارات العربية المتحدة و"إسرائيل".
ففي البيان الذي أعقب الاتفاق، كان ولي العهد قد امتنع عن إعلان الاعتراف بـ"إسرائيل"، لكن الاجتماع نفسه مع نتنياهو كان سيكون أقوى تلميح إلى أن المملكة كانت بدورها على طريق تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
وقال الكاتب إنه تم الاتفاق على موعد الزيارة وتم بالفعل إرسال فريق بروتوكول. وكان محمد بن سلمان سيصل في 31 آب / أغسطس الجاري بعد انتهاء مؤتمر الحزب الجمهوري. وكانت ستكون زيارته الأولى للولايات المتحدة منذ آذار / مارس 2018 عندما مكث لمدة ثلاثة أسابيع تقريباً في تمرين كبير للعلاقات العامة.
وقال موقع "ميدل إيست آي" إنه علم أن إبن سلمان كان لا يريد البقاء في السفارة السعودية ولا في مقر إقامة السفير، وهي مواقع معروفة كانت ستجتذب التظاهرات، فقد تم شراء أربعة منازل في مكان سري من أجل إقامته فقط.
لكن الخطة انهارت يوم السبت الماضي عندما تلقى ولي العهد تقارير عن تسريب الزيارة. كان شرطه الأساسي مع البيت الأبيض أن تستمر الزيارة في سرية تامة وأن وجوده في العاصمة لن يُعرف إلا بمجرد وقوع الحدث نفسه. وبهذه الطريقة، كما أبلغه مستشاروه، لن يكون لدى خصوم ولي العهد العديدين في الكونغرس وقت لإعداد تصريحات، وللناشطين المطالبين بالعدالة للصحافي السعودي المقتول جمال خاشقجي وللمحامين الذين ينوبون عن وزير الداخلية السابق سعد الجابري، المختبئ في كندا، لن يكون لديهم جميعاً الوقت لإعداد الإجراءات القانونية.
كان ترامب وكوشنر يرغبان بشدة في أن تتم هذه الزيارة. في غضون ساعات من إلغائها، أرسل ترامب كلاً من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وكوشنر إلى الشرق الأوسط لحشد الدعم الإقليمي لاتفاق الإمارات مع "إسرائيل".
وقبل يوم من إلغاء دولة الإمارات اجتماعاً كان مقرراً للسفيرة الأميركية كيلي كرافت ونظيرها الإسرائيلي يوم الجمعة بسبب الفيتو الذي وضعه نتنياهو على البيع المزمع لمقاتلات F-35 إلى أبو ظبي.
ولم يحظَ إعلان الإمارات بالاعتراف بـ"إسرائيل" بالدعم من الدول العربية الأخرى الذي توقعه كوشنر ونتنياهو. وبدلاً من ذلك، كان هناك رد فعل عنيف متنامٍ بشكل مطرد في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك في البحرين والسودان اللتين رحبتا في البداية بالاتفاق.
ومع ذلك، قال كوشنر لشبكة CNBC: "أعتقد أن لدينا دولاً أخرى مهتمة جداً بالمضي قدماً في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وبعد ذلك، مع تقدم هذا المسار، أعتقد أنه من المحتم أن يكون للسعودية وإسرائيل علاقات طبيعية تماماً وأنهما ستكونان قادرتين على القيام بالكثير من الأشياء العظيمة معاً".
واعتبر مؤيدو الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي أن تأييد السعودية للصفقة سيعد نقطة تحول.
وقال مصدر سعودي رفيع اطلع على الخطط لموقع "ميدل إيست آي": "كان محمد بن سلمان متوجهاً إلى واشنطن في 31 آب / أغسطس. لقد تم تحديد الموعد وكان من المفترض أن يفعل شيئاً كبيراً يتعلق بإسرائيل، وهو ما كان لا يزال قيد المناقشة". وقال المصدر بشرط الحفاظ على السرية: "اللقاء مع نتنياهو إما أن يكون خاصاً أو أمام الكاميرات. وفي كلتا الحالتين كان من المفترض أن يكون شيئاً كبيراً. ولم يكن من المتوقع أن يكون الإعلان الكامل عن تطبيع العلاقات، لكنه سيعطي تلميحاً أنه يسير في هذا الاتجاه".
وكان يُتوقع أن يتم توقيت إعلانات أخرى لتتزامن مع وجود ولي العهد السعودي في العاصمة واشنطن، ربما من البحرين، من أجل إعطاء انطباع عن زعيم شاب مؤثر على وشك التغيير.
ولطالما اعتبر محمد بن سلمان فكرة مصافحة السلام مع زعيم إسرائيلي على غرار لقاء الرئيس المصري أنور السادات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في مقر الرئاسة الأميركية في كامب ديفيد عام 1978، وسيلة لصقل أوراق اعتماده في واشنطن. ففي أعقاب مقتل خاشقجي في تشرين الأول / أكتوبر 2018، طلب ولي العهد من فريق عمل تم تشكيله للتعامل مع تداعيات مقتل خاشقجي، النظر فيما إذا كان يمكن استخدام المصافحة لمواجهة التغطية السلبية لحكمه في واشنطن.
لكن مبادرة المصافحة بهذه المناسبة جاءت من الجانب الأميركي، بحسب المصدر السعودي. وقد وافق محمد بن سلمان على ذلك لأن ترامب وكوشنر كانا يدفعان من أجلها. يحتاج إبن سلمان إلى فوز ترامب بالرئاسة. سمح له ترامب بأن يصبح ولياً للعهد من خلال الموافقة على خلع ابن عمه الأكبر [محمد بن نايف]. لقد منحه ترامب الشرعية، ومن ثم الغطاء السياسي الذي تشتد الحاجة إليه لجميع الأشياء الأخرى التي حدثت: مقتل خاشقجي، وسجن أبناء عمومته في فندق ريتز كارلتون، وحصار قطر، والإشارات الصادرة عن الديمقراطيين لمحمد بن سلمان ليست مشجعة.
ومع ذلك، كان لولي العهد شرط واحد: أن تبقى الزيارة سرية حتى وصوله إلى واشنطن. أخبره مستشاروه أنه إذا تم تسريب الزيارة، فسيكون لدى وكالة الاستخبارات المركزية والكونغرس والصحافيين والناشطين من أجل خاشقجي ومحامي الجبري جميعاً الوقت لشن حملة سلبية ضخمة ضده وسيصبح وجوده في واشنطن كابوساً.
وقد رفض البيت الأبيض الحديث في هذه المسألة، بينما أحالت وزارة الخارجية الأميركية موقع "ميدل إيست آي" إلى البيت الأبيض. كما اتصل "ميدل إيست آي" بالسفارة السعودية في واشنطن لكنها لم ترد على طلب للتعليق في وقت النشر.
لم يكن ثمة إجماع لدى المؤسسة الملكية السعودية حول حكمة هذه الخطة بأي حال من الأحوال. كان هناك معسكر كبير نصح الأمير بالتأجيل. وأشاروا إلى ولي العهد أن أداء ترامب سيء في استطلاعات الرأي وأن زيارة رفيعة المستوى لواشنطن في هذه المرحلة قد تأتي بنتائج عكسية إذا فشل ترامب في تأمين فترة ولاية ثانية. وجادلوا أنه إذا فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن، فيمكن استخدام الزيارة كجزرة للرئيس الجديد، وهو من أشد المؤيدين لـ"إسرائيل"، للتخفيف من انتقاده للأمير إبن سلمان. كما ذكّروا الأمير بمثال جيمي كارتر، الذي توسط في اتفاقات كامب ديفيد للسلام بين مصر و"إسرائيل" عام 1978، لكنه خسر انتخابات 1980.
وأشار الموقع إلى تنامي الرفض العربي للتطبيع مع "إسرائيل" منذ الإعلان عن الصفقة المفاجئة مع الإمارات قبل 10 أيام.
وظهرت المشكلة الأولى عندما ظهر أن محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، لم يُلغ الضم من طاولة "إسرائيل" كما كان يتوقع. وتعهد نتنياهو بالمضي قدماً في الضم ووصف أنه تم الاتفاق على تجميده فقط. وقد أدى هذا الآن إلى مطالب أكبر من السعودية إذا أرادت المملكة أن تفكر في السير في نفس المسار.
ونأى أمراء سعوديون كبار بأنفسهم بالفعل علانية عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.
ودافع تركي الفيصل، في مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" الجمعة، عن قرار الإمارات إبرام اتفاق دبلوماسي مع "إسرائيل"، لكنه ألمح إلى عدم إخطار الرياض بالاتفاق قبل إعلانه الأسبوع الماضي. وكتب الأمير تركي: "فاجأتنا الإمارات العربية المتحدة بالموافقة على اتفاق مع الولايات المتحدة وإسرائيل". لكنه أضاف أن أبو ظبي لها الحق في اتخاذ قرارات سيادية تراها مفيدة لشعبها.
لكنه استمر في استبعاد تطبيع العلاقات السعودية مع "إسرائيل" قبل إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس.
وقال صوت سعودي آخر مهم إن نتنياهو حصل حتى الآن من الصفقة أكثر مما حصل عليه العرب. وغرد خالد الدخيل، عالم الاجتماع السياسي السعودي البارز والكاتب والمعلق: "يبدو أن الإمارات العربية المتحدة أرادت إعطاء ترامب بطاقة انتخابية. علق نتنياهو الضم لكنه لم ينهه. سبق له أن فعل ذلك تحت ضغوط أوروبية وأميركية ورفض عربي. وبالتالي، فقد حصل على تطبيع عربي جديد مقابل لا شيء. وستصبح مكاسب الإمارات أكثر وضوحاً بعد 3 تشرين الثاني / نوفمبر. وكذلك ستكون مكاسب ترامب. الفائز حتى الآن هو نتنياهو. بصرف النظر عن ذلك، سيخبرنا الوقت".
وقال هيرست في مقالته إن العداء للاتفاق في الخليج كان واضحاً على وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من الجهود الإماراتية والسعودية النشطة للسيطرة على الانتقادات عبر الإنترنت ومواجهتها، حيث تصدر هاشتاغ "التطبيع خيانة" و"شعوب الخليج ضد التطبيع" على هذه المواقع.
وقبل ساعات من وصول بومبيو إلى السودان يوم الثلاثاء، قال "تحالف قوى الحرية والتغيير" إن قضية التطبيع مع "إسرائيل" ليست من القضايا التي ستبت فيها الحكومة الانتقالية.
وقال حيدر الصافي، العضو البارز في تحالف قوى الحرية والتغيير الذي يدعم الحكومة الانتقالية في السودان، لموقع "ميدل إيست آي" في وقتٍ سابق إن التطبيع قضية وطنية تجب معالجتها بعناية وبعد مشاورات واسعة مع الحركات الشعبية. وأضاف: "أعتقد أنه يتعين علينا أن نعيش بسلام مع جميع جيراننا، بما في ذلك إسرائيل، ولكن يجب طرح هذه القضية على طاولة المؤتمر الدستوري الذي سيحضره غالبية السودانيين لاتخاذ القرار".