كيف سيتذكر الناس أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في ذكراها المئوية؟ وهل سينظرون إليها على أنها مأساة دراماتيكية ولكنها صغيرة في النهاية، أم أنها نقطة تحول غيّرت الولايات المتحدة ومسار السياسة العالمية بصورة جوهرية؟ وهل سترى الأجيال القادمة ذلك اليوم باعتباره انعكاسا واضحا للاتجاهات الأساسية أو المحفز لسلسلة من الأخطاء الفادحة في السياسة الخارجية أو حدثا منفردًا كان تأثيره على المدى الطويل متواضعا نسبيا؟
هكذا استهل خبيران في العلاقات الدولية مقالهما في مجلة "فورين بوليسي" الاميركية، مشيريْن إلى أنه من المستحيل التنبؤ بالضبط كيف ستُفسر أحداث هذا اليوم، ولكن كل ما يمكن قوله بثقة هو إن المعنى المرتبط به سيختلف اعتمادا على من سيفسره.
فالأميركيون مثلا، كما يقول ستيفن والت ورينيه بلفر -الأول كاتب عمود بالمجلة والثاني أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد- سينظرون إلى أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 بشكل مختلف عن الأفغان أو العراقيين أو السعوديين أو الأوروبيين، وبالنسبة لكثير من الناس حول العالم من المرجح أن تكون أكثر بقليل من مجرد حاشية تاريخية.
وأضافا أن ما يلوح في الأفق بشكل كبير في وعي الأميركيين اليوم غالبا ما يكون غير ذي صلة بالآخرين وخاصة بمجرد أن تتلاشى الذكريات وتسترعي الأحداث المستجدة انتباههم.
وأردف الخبيران أنه على الرغم من هذه الشكوك التي لا يمكن تجنبها، فإن التساؤل عن كيفية رؤية 11 سبتمبر/أيلول في عام 2101 لا يزال ممارسة مفيدة لأنها تساعد في وضع الحدث ضمن سياق جيوسياسي أوسع.
القرن الصيني
ويرى الخبيران أن هناك 3 احتمالات عريضة ومختلفة جذريا، ومن المفارقات أن أي احتمال أقرب إلى الحقيقة لا علاقة له بما حدث في صباح يوم 11 سبتمبر/أيلول قبل 20 عاما، وأكثر من ذلك بكثير يتعلق بما حدث ردا على ذلك. علاوة على هذا فإن ما يحدث في العقود القليلة القادمة سيحدد كيف سيُتذكر هذا اليوم بعد قرن من الزمان.
الاحتمال الأول هو أن يحصل الرئيس الصيني شي جين بينغ على مراده، كأن تتحقق أسمى آماله بالكامل، وأن الثمانين عاما القادمة تصبح معروفة باسم "القرن الصيني".
وفي هذا السيناريو، كما يوضح المقال، يستمر صعود الصين الاقتصادي على قدم وساق، ويلقي ذلك في نهاية المطاف بظلال كبيرة كما فعلت الولايات المتحدة خلال جل الحرب الباردة. ولن تصبح الصين قوة مهيمنة عالمية تمارس نفوذا رسميا على كل دولة أو تملي كل الأحداث العالمية، لكنها يمكن أن تتحكم في التكنولوجيا الرئيسية وتمارس هيمنة بحكم الأمر الواقع في جوارها المباشر، ويكون لها تأثير أكبر على ما تفعله الدول الأخرى أكثر من أي دولة أخرى. وسيكون لها أعلى صوت في معظم المؤسسات الدولية وقدرة أكبر على تحديد القواعد التي تشكل معظم التفاعلات الدولية.
تراجع أميركا
وإذا حدث هذا السيناريو، فسيُنظر إلى 11 سبتمبر باعتباره حدثا حاسما أدى إلى تسريع تراجع أميركا. ليس بسبب الأضرار التي لحقت من خلال الهجمات بمركز التجارة العالمي والبنتاغون أو حتى العواقب الاقتصادية قصيرة المدى (التي تعافت منها الولايات المتحدة بسرعة) ولكن بسبب الطرق المأساوية التي اختارها قادة الولايات المتحدة للرد عليها.
الاحتمال الثاني، سيبدأ هذا السيناريو بالاعتراف بنقاط القوة الدائمة لأميركا وسيستمر عدد سكان أميركا في النمو لما تبقى من هذا القرن وسيظل اقتصادها محركًا للابتكار في العديد من القطاعات الرئيسية. وفي هذا السيناريو سوف يُنظر إلى أحداث 11 سبتمبر باعتبارها مأساة صغيرة يعتقد العديد من الأميركيين أن من الأفضل نسيانها.
الاحتمال الثالث، أو الورقة الرابحة، فهو احتمال آخر واضح على الأقل. فإذا تبين أن أسوأ التوقعات بشأن تغير المناخ صحيحة ويصبح من الصعب استبعادها هذه الأيام، فإن الثمانين عاما القادمة ستشهد سلسلة من التحولات في حياة الإنسان التي ستجعل كلا من أحداث 11 سبتمبر والحرب العالمية على الإرهاب التي أطلقتها تبدو وكأنها إلهاء بسيط. ولن يكون لدى الأحفاد الوقت ولا الميل للتفكير في هجوم إرهابي حدث في الحقبة البائسة السابقة.
وباختصار، كما اختتم المقال، فإن ما يعنيه 11 سبتمبر للأجيال القادمة يعتمد بدرجة أقل على ما حدث بالفعل في ذلك اليوم أو على كيفية استجابة الولايات المتحدة والآخرين وأكثر على ما تفعله أميركا وغيرها من هذا اليوم فصاعدا. وأعرب الخبيران عن أنهما يتمنيان لو كانا أكثر ثقة في أن الولايات المتحدة ستتخذ الخيارات الصحيحة.