بعدما نالت الحكومة الميقاتية الثالثة ثقة المجلس النيابي، يبدو أن الجهود الحكومية ستتركز من أجل إتمام ثلاث مهمات أساسية من برنامج عمل الحكومة، وهي المهمات المتصلة بحياة المواطنين ومصيرهم، بالتالي فإن نجاحها، يؤدي الى إنتشال البلد من الإنهيار، ويشكل الإنطلاقة الأساسية في المسار الإنفراجي الإلزامي لإخراج لبنان من أزمته الراهنة على الصعد كافة، خصوصاً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. ويقتضي ذلك تحقيق المهمات الثلاث الآتية بنجاحٍ: أولا: إنقاذ الوضع المالي، بدايةً من خلال التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية، كصندوق النقد الدولي،وسواه. ثانياً: تأمين الطاقة الكهربائية للمواطنين. وثالثاً: إعادة تفعيل العلاقات اللبنانية- السورية، وتحسين علاقات لبنان مع مختلف الدول العربية، وإعادة إنفتاحه عليها، خصوصاً أن مصير نجاح المهمة الثانية مرتبط بإنجاز الأخيرة، وبدا ذلك جلياً بعد المفاوضات التي بدأتها الحكومة السابقة مع كل من سورية والأردن ومصر، من أجل إستجرار الغاز المصري عبر الاراضي الأردنية والسورية وصولاً الى لبنان، لتغذية المعامل الحرارية الكهربائية فيه.
وبناء على ذلك عقد اللقاء الرباعي اللبناني- السوري- الاردني- المصري في العاصمة الأردنية عمان، للبحث في كيفية تفعيل خط الغاز المصري، بين هذه الدول الأربع المعنية. ومن دون ادنى شك، فإن هذا اللقاء سيفتح الباب امام الدول العربية لتصحيح علاقتها مع دمشق، بعد إحد عشر عاماً من الحرب الكونية على الجارة الأقرب، وإن إتخذ اللقاء المذكور آنفاً طابعاً إقتصادياً. فما كان لهذا اللقاء أن ينعقد، من دون موافقة أميركية مسبقة على ذلك، فمعلوم دور الاردن ومصر في المنطقة، وإرتباطهما بالولايات المتحدة.
إذا إن هذا التطور في العلاقات العربية يؤشر الى بداية تغيير السلوك الأميركي تجاه سورية، بعد تولي إدارة الرئيس جو بايدن الحكم في واشنطن، الذي أعلن أن الأولوية لديه هي مواجهة الصين، لذا يتجه الى التخفيف من تسعير الحرب على جبهات المنطقة، تحديداً في سورية، بالتنسيق مع روسيا، للتفرغ في حربه مع الصين، برأي مرجع في العلاقات الدولية.
وفي ضوء هذه المستجدات، لم يبادر لبنان الرسمي حتى الساعة الى إلتقاط الفرصة، وإعادة تفعيل العلاقات الثنائية مع دمشق، وإكتفى بإيفاد وفد وزاري في الأسابيع القليلة الفائتة، إنحصر دوره في إجراء محادثات مع الجانب السوري في شأن إعادة تفعيل خط الغاز المصري. علماً أن المصلحة اللبنانية العليا، تقتضي الأسراع بتفعيل العلاقات الثنائية، من أجل تأمين عودة النازحين الى بلادهم، والحد من تهريب المحروقات من لبنان، وإعادة تنشيط حركة الإستيراد والتصدير، والترانزيت عبر الحدود اللبنانية- السورية، لإعادة تنشيط الحركة الإقتصادية في البلد، وتخفيف الأعباء المالية عنه.
وفي هذا الصدد، يكشف مرجع في فريق الثامن من آذار عن مساعي يقوم بها معنيون لعقد قمة رئاسية لبنانية- سورية، رافضاً الغوص في التفاصيل. وعن التوقيت المتوقع لهذه القمة، في حال تكللت المساعي المذكورة بالنجاح، يلفت المرجع الى ان نيل الحكومة الجديدة الثقة، ثم زيارة رئيسها نجيب ميقاتي لفرنسا، يمهدان الطريق لعقد هذه القمة المرتجاة، يختم المرجع.
وفي هذا السياق، يؤكد مرجع دبلوماسي كبير ومعني بالعلاقات الثنائية بين بيروت ودمشق، بعد لقائه مسؤولين لبنانيين، وفي مقدمهم وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، أنه لمس حسن نية لدى هؤلاء المسؤولين وحرص على تحسين العلاقات المذكورة، ليس إلا. ويتوقع أن تصدر الحكومة مرسوماً جديداً يجيز لبعض الوزراء المختصين زيارة دمشق، للبحث في التعاون مع الجانب السوري في عدد المصالح المشتركة. ويكشف أن هذه الزيارة كانت مقررة سابقاً، اي خلال وجود حكومة الرئيس حسان دياب، وقبل ولادة حكومة ميقاتي الثالثة بفترةٍ قصيرةٍ، وقتها قام خمسة وزراء بالتحضير لزيارة دمشق، للبحث في تفعيل بعض المصالح المشتركة بين البلدين الجاريّن، إلا أن ولادة الحكومة الراهنة، حالت دون ذلك، على أمل أن تتابع ما بدأته الحكومة السابقة في شأن العلاقات الثنائية، يختم المرجع.
وفي ضوء ورود معلومات عن إمكان زيارة ميقاتي دمشق في وقت قريب، تؤكد مصادر قريبة من رئيس الحكومة أن لديه حرص على الحفاظ على أفضل العلاقات مع الدول الصديقة. ولكن في الوقت عينه، لم تلمس المصادر ان لدى ميقاتي توجه لزيارة سورية في المدى المنظور. ولا تتوقع إنفراجاً كبيراً في العلاقات اللبنانية- الخليجية راهناً، في ضوء التشدد في الموقف السعودي الرافض لمشاركة حزب الله في أي حكومة لبنانية. وترجح بقاء الوضع هذا على حاله، حتى جلاء مصير الحرب السعودية- اليمنية. بعدها تضع الرياض سياستها الجديدة في المنطقة ككل ومنها لبنان، تختم المصادر.
وفي سياق العلاقات اللبنانية- السورية أيضاً، تعتبر مصادر سياسية سورية إن إرتهان بعض أركان الطبقة السياسية اللبنانية لواشنطن وخوفهم على مصالحهم الآنية وأموالهم المكدسة في المصارف الخارجية، سيحول دون تفعيل هذه العلاقات في شكلٍ جديٍ، خصوصاً مع إقتراب موعد الإنتخابات النيابية في لبنان، كون مسألة تفعيل العلاقات المذكورة، لاتزال تشكل موضوع خلافٍ بين اللبنانيين، وقد تستغل في الحملات الإنتخابية ضد بعض المرشحين لدخول البرلمان الجديد، من الفريق الرافض لإعادة تفعيل "العلاقات". بالتالي ليس لدى رئيس الحكومة الحالي المرشح للإنتخابات المرتقبة، وصاحب المصالح في آن معاً، الجرأة لزيارة دمشق قبل الإنتخابات على الأقل، ودائماً برأي المصادر. وتؤكد أن رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، هو رجل قرار، وهو في طليعة من حافظوا على العلاقة مع سورية ورئيسها، ولكن قرار الدولة اللبنانية منوط بمجلس الوزراء مجتمعاً، وليس برئاسة الجمهورية. لذا تتوقع المصادر أن ينحصر التنسيق اللبناني- السوري في المجال التقني في المدى المنظور، كتنشيط الحركة على الحدود، بالإضافة الى تفعيل خط الغاز المصري، في إنتظار جلاء الموقف الأميركي حيال سورية. وتختم بالقول: "لا تتوقعوا إتخاذ قرارات مصيرية وجريئة قريبا".