ذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الصهيونية أن "إسرائيل" ليس لديها إمكانية عسكرية موثوقة وناجعة، وأنها ما زالت بحاجة للولايات المتحدة وحليفاتها. فيما يلي نص المقال المنقول للعربية:
الفصل الإيراني في كلمة رئيس الحكومة نفتالي بينيت في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدل أكثر من أي شيء على الأزمة الاستراتيجية الواقعة فيها "إسرائيل" في الفترة الحالية، في أعقاب التقدّم السريع للبرنامج النووي الإيراني، وعلى ضوء تغيير السلطة في طهران. بينيت استغل منبر الأمم المتحدة كي يطلق دعوة شبه يائسة للولايات المتحدة وحليفاتها في أوروبا، في محاولة للتشدد في تعاملهن مع إيران بصورة ملحوظة، أي أن تفعّلن في الأسابيع القريبة إجراءاتٍ إضافية غير دبلوماسية توقف الهرولة نحو سلاحٍ نووي.
في "إسرائيل" قلقون بشكلٍ أساسي من ان الكوابح التي مارسها الرئيس [الإيراني] السابق حسن روحاني على طموحات النظام لحيازة سلاحٍ نووي لم تعد قائمة، منذ أن استلم رئيسي وجماعته مؤسسات السلطة. نشأ وضع لا توجد فيه جهة في قيادة النظام تعدّل الخط الحربجي الذي يقوده المرشد الأعلى خامنئي مع حرس الثورة والبرلمان. في "إسرائيل" يخشون من أنه إلى أن يستيقظ الأميركيون وحلفاؤهم ويفهموا إلى ماذا يسعى النظام الجديد، إيران ستكون قد أصبحت دولة عتبة نووية أو حتى عشية تجربة جهاز تفجير نووي أول.
أزمة حكومة بينيت، التي تجلّت في خطابه في الأمم المتحدة، تنبع من حقيقة انه ليس لـ "سرائيل" – حاليًا – إمكانية عسكرية تقليدية ناجعة وموثوقة تُحبط بقواتها الذاتية وبسرعة معقولة النوايا النووية لإيران هنيهة قبل تحققها. "إسرائيل" بحاجة مُلحّة ليس فقط لإحباط قدرة إيران على حيازة قدرة نووية عسكرية، بل وأيضًا منع إيران من ترميم هذه القدرة لسنوات عندما نفعل هذا. لشديد الأسف، واستنادًا إلى ما نُشر (من بين جملة أمور مقالتي رئيسي الحكومة الأسبقين إيهود باراك وإيهود أولمرت)، يمكن التقدير أنه إذا فُعّلت القدرات الهجومية المستقلة القائمة حاليًا في الترسانة الإسرائيلية فإن فعاليتها يمكن ان تكون أقل من كاملة، وسندفع ثمنًا مرتفعًا في الخسائر والأضرار التي ستلحق بالجيش الإسرائيلي وبالجبهة الداخلية الإسرائيلية. هذه هي الأخبار السيئة.
أخبار أفضل هي أن الأمر يتعلق فقط بالوضع الحالي. كل من يعرف "إسرائيل" والقدرات التي تطوّرت وطُوّرت فيها، يمكنه التقدير أنه في المستقبل غير البعيد كثيرًا ستكون لنا إمكانيات عسكرية تقليدية، موثوقة وناجعة، للمهاجمة في "الدائرة الثالثة" (ما يزيد عن مسافة 1000 كلم عن الأراضي الإسرائيلية) لا تكون مرتبطة بنزيف دماء غير معقول. وحتى يمكن الافتراض ان هذا قيد العمل. المشكلة هي ماذا سيحصل إذا سبقنا خامنئي ورئيسي ويكون بحوزتهما سلاحٌ نووي أو قريبًا منه قبل ان نكون نحن أو حلفاءنا قادرون أو نتمكن من إحباطه.
في حالة كهذه، المواجهة ستنتقل من المستوى التقليدي إلى الملعب النووي. "إسرائيل"، وحتى الولايات المتحدة والأوروبيين، لن يكون بإمكانهم منع إيران من سلاحٍ نووي بل فقط ردع آيات الله عن استخدامه. وضعٌ مشابه للردع النووي كان بين الكتلة الشرقية بقيادة السوفييت والكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة في أيام الحرب الباردة. في أيامنا هذه، القدرة النووية والتشكيل الصاروخي لكوريا الشمالية الصغيرة هما لتهديد دول عظمى، مثل الولايات المتحدة واليابان، وابتزازها. من الواضح جدًا ان هذا هو أيضًا ما يريد الإيرانيون تحقيقه عندما يكونون دولة عتبة نووية أو حتى نووية بالكامل. كوريا الشمالية هي النموذج الذي يحاول الإيرانيون محاكاته، و"إسرائيل" لا يمكنها ان تسمح لنفسها بالتعايش معها، مع الأخذ بعين الاعتبار الطابع المتطرف للنظام في إيران. "إسرائيل" مصممة، وبحق، على عدم الوصول إلى وضعٍ كهذا، الذي فيه فقط ردع عُرضة دائمًا للتآكل يمنع إيران من استخدام سلاحٍ نووي ضدنا.
لذلك، في هذه الساعة، من أجل عرقلة السباق الإيراني إلى النووي إلى ان تكون لنا قدرة لفعل هذا بأنفسنا من دون دفع ثمنٍ باهظ، تضطر |"إسرائيل" للتوسل أمام الولايات المتحدة والأوروبيين كي يعملوا هم بتصميم على وقف إيران ليس فقط في القناة الدبلوماسية البطيئة والمضللة الجارية ببطء في محادثات غير مباشرة في فيينا، بل بواسطة إجراءات حقيقية تُتخذ فورًا (ومن المحبّذ أن تكون بالتعاون والتشاور مع إسرائيل) في ثلاث مجالات: عقوبات (بما فيها التي تمنع مركّبات تكنولوجية حاسمة عن البرنامج النووي)؛ ضربة مادية موضعية للمنشآت؛ استخبارات وسايبر وتأثير (إنتاج أجواء تهدد بقاء النظام في طهران من خلال الشبكات الاجتماعية). هذا ما ألمح إليه بينيت بالضبط عندما وجّه إلى بايدن جملتي: "الكلمات لن توقف أجهزة الطرد المركزي" و"إيران أضعف وأكثر قابلية للضرر مما يبدو".
الرفض الأميركي وتلميح بينيت لبايدن
لكن نداء الضائقة من بينيت لبايدن لا ينحصر فقط بطلب تغيير التعامل مع نظام خامنئي ورئيسي. بينيت قلق من أن الإدارة في واشنطن ليست مستعدة لتزويد |إسرائيل" بتسيلحات وتكنولوجيات مطلوبة من أجل تطوير قدرات هجومية مستقلة، دقيقة ومدمّرة (فوق وتحت الأرض)، بمدايات بعيدة. الأميركيون لديهم من الآن تكنولوجيات كهذه، أو أنها في مراحل متقدمة من التطوير، لكن البنتاغون غير مستعدٍ لبيعها أو نقلها لـ "إسرائيل"، وحتى ليس في إطار تطويرٍ مشترك.
ما هو مقلق هو أن هذا الرفض الأميركي ينبع ليس فقط بسبب خشية الرئيس بايدن من الجناح التقدّمي في حزبه، بل في الأساس بسبب أن الإدارة الحالية في واشنطن غير معنية بأن يكون لـ "إسرائيل" قدرة هجومية مستقلة وناجعة في الدائرة الثالثة، والتي من شبه الأكيد ستورّطهم إذا وعندما تُفعّل. بايدن وفريقه يحاولان التركيز الآن على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل الولايات المتحدة وعلى المواجهة مع الصين، ولا يريدان إزعاجًا من الجناح الشرق-أوسطي.
في واشنطن يعلمون أن هجومًا إسرائيليًا في إيران من شبه الأكيد سيؤدي إلى ردّ انتقامي إيراني ليس فقط ضد "إسرائيل"، بل وأيضًا ضد جنود وقواعد وسفن أميركيين موجودين في منطقة الخليج الفارسي، وضد الحليفات العربيات للولايات المتحدة. المصيبة هي أن الرفض الأميركي لإعطاء المؤسسة الأمنية والعسكرية والصناعات الأمنية الإسرائيلية مطلوبها يبطّئ كثيرًا الإمكانيات العسكرية المستقلة لـ "إسرائيل"، ويسمح بصورة غير مباشرة لإيران في الوصول إلى الوضع الاستراتيجي المعنية بالوصول إليه قبل ان تستطيع "إسرائيل" فعل هذا بصورة مستقلة.
رغم أن بينيت مدركٌ لكل هذا، فقد امتنع عن مواجهة علنية مع الأميركيين والأوروبيين في كلمته في الأمم المتحدة. بينيت رأى ما الذي جرى في أعقاب غطرسة سلفه الذي تواجه مع إدارة أوباما وحرّض ترامب على الانسحاب من الاتفاق [النووي] مع إيران – وتعلّم الدرس. مع هذا، لم يتمالك نفسه وأضاف في كلمته تهديدًا مرمّزًا عندما قال إن "البرنامج النووي لإيران بلغ مرحلة حاسمة – ومثله صبرنا". يريد القول: إذا لم تعملوا، نحن سنفعل هذا مع ما لدينا. سندفع ثمنًا لكن أنتم أيضًا ستتورطون. فكّروا بهذا.