"إنها بداية حقبة جديدة ليس لليهود في الإمارات العربية المتحدة فحسب، بل ليهود العالم بأسره".
نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الصهيونية تقريرًا للصحافية البريطانية ميلاني سوان التي تقيم في الإمارات، تسلط فيه الضوء على الأوضاع الجديدة التي تنعم بها الجالية اليهودية في الإمارات بعد إبرام صفقة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعدما ظلت هذه الجالية تعمل في الخفاء لسنوات طويلة، أو على الأقل لم يكن بإمكانها الكشف عن هويتها ومعتقداتها.
تستهل الكاتبة مقالها بالقول إنه عندما كان عمره 27 عامًا فقط كانت هناك مهمة صعبة في انتظار الحاخام ليفي دوشمان عليه أن ينجزها. وكان هذا الحاخام، المنتمي إلى حركة تشاباد (حركة حسيدية في الديانة اليهودية الأرثوذكسية) والمولود في منطقة بروكلين بمدينة نيويورك الأمريكية، ويقيم في الإمارات العربية المتحدة، يُسْهم بهدوء في بناء جالية يهودية، والتي أصبح بمقدورها هذا الشهر أن تخرج من الظل المتواضع الذي كانت تعيش فيه.
وفي إحدى ضواحي دبي الهادئة، كان اليهود المحليون يتجمَّعون في فيلا صغيرة استُخدمت ككنيس لهم في أيام السبت والأعياد اليهودية. وظل ذلك سرًا دفينًا حتى أُبرِمت صفقة تطبيع العلاقات التاريخية بين إسرائيل، والإمارات هذا الشهر.
دستور للجالية اليهودية في الإمارات
وأوضحت الكاتبة أن الجالية اليهودية كانت قد بدأت في شكل تجمُّع غير رسمي يلتقي على حسب الاقتضاء. وفي عام 2013، تطورت الجالية إلى صلاة جماعية منتظمة رسمية، تُقدِّم خدمات دينية في أيام السبت، وفي كل الأعياد اليهودية تقريبًا. وقد استفاد المئات من السكان وآلاف الزوار على مر السنين من هذه الخدمات.
كما اجتمعت الجالية اليهودية، المعروفة رسميًّا باسم الجالية اليهودية في الإمارات، في فبراير (شباط) الماضي، وصاغت دستورًا لها وعيَّنت كلًا من روس كريل بصفته أول رئيس للجالية والحاخام يهودا سارنا بصفته أول حاخام أكبر لها.
يوم فاصل في التاريخ اليهودي
وخلال المكالمة الهاتفية الأخيرة التي أُجريت عبر برنامج «زووم» مع وزيرة الإعلام والشتات الإسرائيلية، قال كريل: «إن الجالية اليهودية تحظى بدعم ثابت من السلطات الإماراتية المحلية. ومن الرائع أن نشارك هذه الحقيقة مع حكومة دولة إسرائيل والشعب الإسرائيلي. ونتطلع إلى استقبال وزيرة الإعلام والشتات أومير يانكيليڤيتش في الإمارات، كما نأمل أن يتمكن الضيوف الإسرائيليون من زيارة هذا البلد الرائع قريبًا».
وأعلن الحاخام سارنا قائلًا: «إن اليوم الذي أجرينا فيه مكالمة عبر برنامج زووم مع الوزيرة الإسرائيلية كان يومًا لن ننساه أبدًا. إنها المرة الأولى التي يتحدث فيها عضو من الكنيست الإسرائيلي إلى الجالية اليهودية في الإمارات، سنُسطِّر هذا اليوم في كتب التاريخ».
حقبة جديدة
ونقل التقرير عن الحاخام دوشمان قوله إنه يعتقد أن التطبيع مع إسرائيل بداية لحقبة جديدة ليس لليهود في الإمارات فحسب، بل ليهود العالم بأسره. وأضاف قائلًا: «في الوقت الذي ينظر فيه عديد من الدول الإسلامية إلى الإمارات على أنها تحتضن إسرائيل، ستغيِّر اتفاقية التطبيع العلاقة بين اليهود والمسلمين في جميع أنحاء العالم، من منطقة جولديرز جرين في لندن إلى منطقة بروكلين في أمريكا».
كما أوضح دوشمان أن اتفاق التطبيع هذا سيغيِّر المفاهيم المترسخة لدى الجانبين منذ عقود عن بعضهما البعض، قائلًا: «إن هذا الأمر يخالف التصورات التي نشأ عليها المجتمع اليهودي عن معاداة السامية، وإغلاق المعابد اليهودية، والتي ساهمت كثيرًا في تزايد الفجوة بين شعوب الدياناتين على مدار السبعين عامًا الماضية. لذا فإن هذه الصفقة العظيمة ستُعيد بناء هذه الجسور بين المجتمع الإبراهيمي كله».
حلم الحاخام بات حقيقة
وأبرزت الكاتبة أن الحاخام دوشمان كان يحلم، منذ زمن بعيد، أن يلعب دورًا محوريًّا في العلاقات اليهودية الإسلامية. وبالفعل قام بالكثير، بالرغم من حداثة سنه، حيث عاش في المملكة المتحدة وإسرائيل والمغرب قبل وصوله إلى الإمارات.
يقول دوشمان: «لقد عشنا مع المسلمين عبر تاريخنا – في إيران وسوريا والجزائر ومكة وعديد من البلدان – وكان لدينا تاريخ عظيم في الماضي. لذلك شعرت أن من واجبي القدوم إلى الإمارت لبناء تلك الجسور».
أن تكون عضوًا منتميًا إلى الجاليات اليهودية في العالم العربي هو من صميم تقاليد حركة تشاباد اليهودية- حسب كاتبة التقرير. إذ أرسلت حركة تشاباد حاخاماتها لدعم هؤلاء الذين اختاروا البقاء في العالم العربي، الذي رحل عنه أغلب اليهود إلى إسرائيل مع تأسيس الدولة العبرية، وهذا الدعم لا يقتصر على ضمان بقاء هذه الجاليات اليهودية في المنطقة العربية فحسب، بل مساعدتها على الازدهار.
وبالفعل حصد دوشمان ثمار هذا الجهد خلال سنوات إقامته الثلاثة في المغرب، إذ كان جزءًا من برامج الشباب والتوعية اليهودية الإسلامية. كما أن دور دوشمان لم يكن محوريًّا في الإمارات فقط، بل ترأس أيضًا جمعية «شيفرا قاديشا» اليهودية المحلية للدفن في البحرين، والتي لم يتبقَ فيها سوى أقل من 100 يهودي. ويقول دوشمان: «إنه قبل خمس سنوات أجرى أول عملية دفن بمفرده، وهي مهمة صعبة ليضطلع بها حاخام شاب».
الجالية اليهودية في الإمارات تخرج من الظل
ولفتت الكاتبة إلى أن دوشمان، الذي يعرف دوليًّا بين أقرانه من حركة تشاباد بأنه زعيم يتمتع بشخصية كاريزمية، تمكن مع الحاخام سارنا من إخراج الجالية اليهودية من الظل الذي كانت تعيش فيه. وفي الأسبوع الماضي أجرى كلا الحاخامين وغيرهما من ممثلي الجالية اليهودية في الإمارات مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتهنئته على نجاح صفقة التطبيع.
وفي هذا الصدد، قال الحاخام دوفيد كوهين، مدير منظمة تشاباد في جنوب لندن للطلاب والفنيين الشباب، «إن حركة تشاباد الحسيدية فخورة بالحاخام دوشمان نظرًا للدور الذي قام به في الإمارات، ذلك الدور الذي يشبه كثيرًا النجاحات التي شهدتها دول مثل المغرب والاتحاد السوفيتي السابق، حيث يوجد فيها حاليًا أكثر من 500 مركز يهودي. وهي الآن مجتمعات يهودية مزدهرة».
وألمحت الكاتبة إلى أن الجالية اليهودية في دبي تُعد واحدة من أكثر الجاليات اليهودية تنوعًا في العالم؛ إذ تمثل قرابة 200 جنسية تستوطن المدينة. وينحدر أعضاء هذه الجالية من أوروبا، والشرق الأوسط، وجنوب أفريقيا، ودول أخرى. كما تتوفر الكتب الخاصة بصلاتهم بعدة لغات منها الفرنسية، والإسبانية، والألمانية، والروسية.
الحاخامات اليهود يتدربون في الإمارات
إن رسالة الشمولية والتسامح هي ما يدفع دوشمان ليقوم بدوره – حسب كاتبة التقرير، مستشهدة بما قاله: «إن هؤلاء الناس بحاجة إلى وطن وحب وأداء صلاة كاديش (واحدة من أهم الصلوات في اليهودية)… لذلك ينبغي عليّ أن أكون هنا».
ومن المقرر أن يستقبل دوشمان، في سبتمبر (أيلول) القادم، أول حاخامات متدربين وهم أربعة شباب من الولايات المتحدة، وهم قادمون ليطلعوا على أسلوب الحياة في المجتمع الإماراتي. ويأمل دوشمان أن يكون هذا الأمر هو الأول من نوعه.
وأكد دوشمان على أهمية وجود الحاخامات في هذه المنطقة، ليروا الإمارات ويشعروا فيها بالتسامح، قائلًا: «بعد قضاء شهر واحد في الإمارات، يمكنهم العودة إلى مجتمعاتهم بتجاربهم الخاصة. ورويدًا رويدًا، سيكون بمقدورنا تغيير العالم».
الحاخام دوشمان.. «ليث» سابقًا
وتروي الكاتبة أن دوشمان عندما أخبر عائلته المقيمة في بروكلين عن نيته للذهاب إلى الإمارات بصفته مبعوثًا لحركة تشاباد، انتابهم التردد قليلًا خشية إرسال ابنهم إلى المجهول. إذ إن الخليج المعاصر، بخلاف البحرين، يُعد منطقة نائية إلى حد ما بالنسبة لليهود. ومنذ ذلك الحين، اصطحب دوشمان أعضاءً بارزين من المجتمع الإماراتي المحلي للقاء عائلته في بروكلين، وبدورها زارت عائلته الإمارات.
ويخلص التقرير إلى أنه من خلال هذه الروابط الإنسانية القوية، والتي تُعد نوعًا من العلاقات اليهودية الإسلامية التي كان دوشمان يحلم أن يحققها وتؤتي ثمارها على يديه، لكي تساعد في تحطيم الآراء المتحاملة والصور النمطية السلبية، ولكي تكرس لحوار وتواصل هادف.
إن الحياة تغيرت كثيرًا، فقد كان دوشمان في أعوامه الأولى يرتدي الكيبا (غطاء الرأس اليهودي) بحذر عندما يذهب إلى الأماكن العامة، وهذا ما أتاح له، إلى جانب لحيته الحسيدية التقليدية، أن يُعرف في الإمارات باسم ليث (اسم عربي) أكثر من ليفي.
طعام كوشير اليهودي على قائمة المطاعم الإماراتية
والآن، يمكن لأصحاب سلسلة مطابخ «The K Kitchen»، وهي شركة لتقديم وجبات كوشير (طعام اليهود الحلال) في دبي، تغير اسمه إلى «مطبخ إيلي للكوشير» والذي يقع في فندق أرماني في برج خليفة أطول برج في العالم، وهناك حساب على «إنستجرام» باسم «@kosherdubai»؛ كما حصل نبيذ كوشير على ضوء أخضر لتوريده إلى الإمارات. إلى جانب ذلك يُقدم طيران الإمارات طعام كوشير الذي توفره حركة تشاباد التايلاندية.
وأكدت الكاتبة أن هذه ليست سوى البداية. إذ إن مشروع بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي، والمقرر الانتهاء منه في عام 2022، سيضم مسجدًا، وكنيسة، وكنيسًا يهوديًّا، ويُقال إنه أغلى كنيس شيد على الإطلاق. إن الحرية الجديدة للمجتمع كانت متوقعة إلى حد ما، فقد أُعلن في العام الماضي أن إسرائيل سيكون لها جناح في معرض إكسبو 2020 – والمؤجل حاليًا حتى عام 2021. كما أُتيح لبعض الرياضيين الإسرائيليين المنافسة في بعض الألعاب الرياضية في العاصمة الإماراتية.
صفقة فريدة من نوعها
وفي ذات السياق يقول سولي وولف، أحد قادة الجالية اليهودية المحلية، والمقيم في الإمارات منذ 20 عامًا بعد قدومه لأول مرة من خلال علاقاته بحكام البلاد، والذين باع لهم المنسوجات: «إن اتفاق السلام فريد من نوعه؛ لأنه على عكس دول عربية أخرى، لا توجد ذكريات حرب بين إسرائيل والإمارات».
وأضاف وولف قائلًا: «لم يكن في الإمارات سوى حرب إعلامية وسياسية. لذلك يوجد أمام المجتمع مساحة واسعة لكي ينمو الآن، ولا يقتصر هذا على اجتذاب الأعمال التجارية، والسياحة، والتعاون العلمي، والتقني، فحسب، بل إنه شعور قوي بأن الإمارات أصبحت وجهة آمنة لليهود».
واختتمت الكاتبة تقريرها بما خلص إليه وولف قائلًا: «صحيح أنها لم تكن عملية سهلة، لكنني الآن يمكنني أن أتخيل أنه خلال السنوات القليلة المقبلة ستتضاعف أعداد الجالية اليهودية في الإمارات بالآلاف».