قبل كل شيء لا بد ان نقر ان الذي دعا الى دمج الحشد الشعبي مع القوات العسكرية الاخرى، خطط لذلك عن وعي تام، لأنه يعلم -تماما- ان عملية (الدمج) ستنهي مشروع الحشد الشعبي بشكل كامل ولم يعد له من وجود وان انتصاراته ستصبح مجرد ذكرى، مهما اجرينا عليها من تصعيد او قلل من شأنها الاعداء.
وللجواب عن اسباب الرفض (المطلق) لدمج الحشد الشعبي نؤكد:
1. ان الحشد الشعبي لم يتأسس عبر (دعوة) من القيادة العسكرية كما يحدث غالبا ان القوات الامنية تتقدم بدعوى للشباب الراغبين الالتحاق بصنف معين وتحدد المواصفات التي يجب ان يمتلكها الشاب من عمر وطول ووزن وصحة ثم تعرض عليه الامتيازات في حال القبول. دعوة الحشد الشعبي (دينية عامة) تشمل الجميع دون تحديد العمر والمواصفات الاخرى انما (كل من قدر على حمل السلاح) او (تقديم جهود اخرى) بل لم يحدد (الذكور) دون الاناث لذا من حق النساء ان تقاتل ايضا لان البلد يمر بخطر وكارثة كبيرة تهدد وجوده.
الاستجابة للدعوة (الدينية) غير الاستجابة للدعوة (الرسمية) لان (الرسمية) يحق لك الرفض او (الامتناع) حتى لو كانت (تعبئة) فقد تكون لديك وجهة نظر مخالفة، اما (الدينية) فهي (واجب شرعي) كما ورد في الآية الكريمة (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) وفي حال الرفض سيأتي عليهم العقاب (يهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).
2. ان الذين تطوعوا واستجابوا لفتوى المرجعية، فكروا فقط برضا الله دون اي امتياز، والدليل ان الكثير منهم هم من الفقراء الذين تركوا اسرهم دون قوت يومهم واوكلوا امرهم الى الله، فهم (ثلة) اختبرها الله سبحانه وتعالى في لحظة الحرج فاستجابوا لأمره وهم غير الذين وصفهم سبحانه وتعالى من المتكاسلين والباحثين عن الاعذار والامتيازات (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ) اذن هم (انصار الله) وجنده ،وهؤلاء لا يعرفون (الهزيمة) ولا يولون عدوهم الادبار ويتركون مرابطهم وسواترهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
3. لما كانت الدعوة عامة فان الذين التحقوا بها من مختلف الاعمار ومن مختلف الطبقات الاجتماعية والحرفية، فتشهد الشاب دون الثامنة عشر وتشهد الشيخ الكهل ابن الثمانين عاما، وتشهد رجل الدين بعمامته مع الفلاح ومع الطبيب والمحامي والعامل والحرفي والعسكري المتقاعد ومنهم موظفون مازالوا بالخدمة، حيث التحقوا ولم يسألك يومها كيف ستتعامل معهم دوائرهم.
4. هذه الجموع تشكلت فيها قيادات وتدربت وتشكلت الالوية والافواج والعناوين بشكل لا يوصف وفيه الكثير من التحديات والتجليات الالهية، حيث ليس هناك من هو ملزم بالقيام بالواجب الا ما يلزمه به دينه.
5. ذهبت ارتال البشر إلى الجبهات دون جامع يجمعهم سوى (رضا الله) الواحد الاحد، فكان عنوانا لتجانسهم وعلاقتهم فترى الغني مع الفقير والطبيب مع الفلاح والقائد مع الصغير وهم يتناول الطعام على بساط واحد ونوع طعام واحد بما قسمه الله لهم ذلك اليوم.
6. المهام التي اوكلت إليهم وتنوع الجبهات وتعددها ومخاطرها، كانت بأيام قليلة فكيف تم ذلك ومن اين توفرت كل هذه الخبرة لدى مقاتل الحشد لولا (ارادة الله)؟
7. اسماء الالوية والافواج والسرايا والوحدات والرايات والعلامات التي ترفع والشارات على العجلات وعلى الاشخاص وارديتهم وحتى على اسلحتهم كانت (دينية) صرف تبدأ من الآيات القرآنية الى اسماء الرسل والانبياء والائمة المعصومين واهل البيت واصحابهم ومن تبعهم عليهم السلام اجمعين.
8. الطقوس التي تقام سواء في وقت الراحة او عند الاستعداد للصولة طقوس دينية صرف من دورات القران الكريم الى قراءة دعاء كميل ودعاء الثلاثاء الى الادعية الاخرى التي تحث المقاتلين على القتال الى الصيام احيانا قبل الصولة والمواجهة، الى المرور من تحت المصحف الشريف، الى تعميدهم من قبل رجال الدين بالقراءة على رؤوسهم من آيات وادعية وغيرها.
9. العلاقة فيما بينهم تخلوا من القيم والاوامر الانضباطية المعهودة بالجيش من تحايا واسماء ورتب انما ذلك تحكمه قيم اخلاقية حيث عندما يتقدم مقاتل للقاء بالحاج الشهيد ابو مهدي المهندس لا يلقي التحية والوقفة العسكرية المعهودة انما يقف بإجلال ثم ينتظر ان يحتضنه الحاج ويمرغ على راسه ويربت على صدره ولا يطلب المقاتل سوى الدعاء من قائده.
10. هذه المنظومة العسكرية التي تشكلت بفتوى دينية تشكلت لديها قيم عمل وتفاهمات وعلاقات خاصة اختلطت فيها الكثير من الجوانب الروحية خاصة بعد ان شهدوا من المعارك والجولات مع العدو الداعشي وهم كالبنيان المرصوص، يقاتلون ويتفانون ويعرفون بعضهم بعضا حيث عاشوا التضحية والتفاني وخبروا بعضهم بعضا، ويحفظون القصص والروايات الغريبة والتحديات التي مرت بهم، فتحولوا الى منظومة اجتماعية دينية وليست عسكرية فقط، فمثلا تراهم يهتمون بكبار السن في مأكلهم وعلاجهم ونومهم واحترامهم ويشعرون بابويتهم وهذه المعاني تجسدت في القتال حيث كآن لكبار السن الدور في تحريض الشباب على القتال .
11. مثلما كانت التعبئة عامة، كان الدعم اللوجستي يعتمد على التعاون المجتمعي حيث اندفع كثيرون من الخيرين الى الدعم اللوجستي ونقل التبرعات لما يحتاجه المقاتل من (مؤنة) ولباس وطعام فيما يصل رغيف الامهات الى الخطوط الامامية للمقاتلين.
12. بين صفوف الحشد وقياداته عدد كبير من رجال الدين المعممين وطلبة العلوم الدينية هؤلاء لهم منزلة دينية وعسكرية واجتماعية بين افراد الحشد، وسقط منهم عدد كبير من الشهداء اثناء المعارك ضد الارهاب.
13. اصبحت لدى الحشد الشعبي منظومة امنية متطورة وكذلك اعلامية وخدمية وباتت للحشد شخصية لدى الاوساط العامة.
14. أصبح الانتصار لصيق الحشد الشعبي، فهو الذي دحر الارهاب واعاد للمنظومة الامنية شخصيتها، كما بات يمثل (صدمة) لدى الارهاب وضد اعداء العراق.
15. ان هذه المنظومة العسكرية التي خرجت لقتال اعداء الله، امتداد طبيعي للجيوش التي خرجت لنصرة الاسلام في بدر وحنين وفي صفين وقاتلت في معسكر الحسين (ع) ومع المختار الثقفي وزيد بن علي ومحمد ذو النفس الزكية وفي ثورة العشرين.
وفقا للنقاط اعلاه؛ كيف لنا ان نفرط بهذا العقد الثمين وان نوزعه شتاتا على هذا الفوج وذلك اللواء او السرية، ليفقد خاصيته ويصبح افراده مجرد اسماء في قوائم القوات الامنية الاخرى.
ان للجيش ضوابط من اعمار الى رتب الى الوضع البدني الى التقاليد العسكرية الاخرى فكيف يمكن خضوع افراد الحشد لها؟ حتما فان الاغلب سيغادر المهمة، فهو لم يتطوع ليكون جزء من منظومة الجيش مثلا انما تطوع لمهمة دينية جهادية بالإضافة الى كونها مهمة وطنية، وقد قبل تقاليد نظام الحشد الذي يتطابق مع مزاجه وفهمه للعقيدة والمهمة الموكلة اليه.
من حق قيادات الجيش ان تطبق قوانينها على الافراد الذين يكونون تحت إمرتها، وتلك قوانين سائدة عالميا، مثلما للحشد الشعبي قيمه العسكرية وتقاليده.
اذن الجهات الخارجية والداخلية الساعية لحل الحشد الشعبي بدءً من الولايات المتحدة ودول الغرب عموما واسرائيل ودول الخليج ودول التطبيع ومن يناصرهم بالداخل والخارج انما هم يفقهون مشروعهم لإطفاء جذوة النصر التي نسعى معا ان شاء الله لجعلها مؤسسة أكبر من بعدها العسكري انما في بعدها الثقافي والفكري والتعليمي والتقني ليكونوا نواة بناء الامة ومصدر قوتها ومنعتها.