قال موقع "ميديابارت" الفرنسي إن الحكومة الإسرائيلية بعد حظرها 6 منظمات فلسطينية غير حكومية، أرسلت إلى العواصم الأوروبية تقريرا من أجهزة أمنها الداخلي لإثبات علاقة تلك المنظمات بالإرهاب، غير أن تلك الوثيقة كانت ضعيفة المصداقية إلى درجة أن تأثيرها كان عكسيا، وجعل الأوروبيين يؤكدون دعمهم للمدافعين الفلسطينيين عن حقوق الإنسان.
وفي مقاله للموقع، قال رينيه باكمان إن المفاجأة والاستياء من قبل الدبلوماسيين، والإدانة بين المدافعين عن حقوق الإنسان، كانت كبيرة وشديدة على إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن 6 من منظمات المجتمع المدني الفلسطينية تعتبرها إسرائيل "مجموعات إرهابية".
وعلى أساس هذا الإعلان، وقّع اللواء يهودا فوكس -رئيس القيادة المركزية الإسرائيلية التي تسيطر على الضفة الغربية- أمرا في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري يمنع هذه المنظمات "غير القانونية" من العمل في "يهودا والسامرة" (الاسم التوراتي للضفة الغربية الذي يستخدمه النظام الإسرائيلي)، ويسمح للجيش بفعل ما يشاء بهذه المنظمات، أي إلقاء القبض على أعضائها أو المتعاونين معها، وتفتيش أماكن عملها والاستيلاء على أرشيفها وملفاتها وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بها.
تغريد خارج السرب
وحتى الآن، داهمت الشرطة أو الجيش الإسرائيلي مباني 3 من المنظمات غير الحكومية الست، وهي -حسب الكاتب- منظمات غير حكومية معروفة ومحترمة في الشرق الأوسط وخارجه، تعمل في مجال المعلومات والتوثيق حول الاحتلال والاستيطان وانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الذي تقوم به إسرائيل، وهي تتلقى منذ سنوات مساعدات مالية من الاتحاد الأوروبي، وأغلبها تناضل من أجل مثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.
وتتهم إسرائيل جميع هذه المنظمات غير الحكومية بالانتماء إلى شبكة تسيطر عليها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تلك الحركة الماركسية والقومية العربية التي أسسها الراحل جورج حبش عام 1967، والتي صنفها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منذ ما يقرب من 20 عاما جماعة إرهابية، وتتهمها تل أبيب بتمويل أنشطة جناحها العسكري "الإرهابية" (وفق وصف الكاتب) بأموال الأوروبيين، وهو اتهام محرج للغاية بالنسبة لهؤلاء، كما يرى الكاتب.
وحتى قبل تأكيد الجنرال فوكس القرار الوزاري، أعربت منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" (Human Rights Watch) -المعروفتان بصرامتهما- عن تضامنهما على الفور مع "شركائهما الفلسطينيين"، كما غردت رئيسة حزب العمل الإسرائيلي ميراف ميخائيلي -وهي وزيرة- خارج سرب الحكومة الإسرائيلية، قائلة إن "الضرر الذي يمكن أن يسببه هذا القرار بين أصدقائنا الكبار سيكون على حساب المصالح الإسرائيلية".
ويبدو أن ميراف ميخائيلي لم تكن مخطئة، وفق الكاتب؛ إذ لم يقتصر الأمر على رفض شركاء إسرائيل الأوروبيين لمبادرة بيني غانتس التي تهدف بصورة مكشوفة إلى حرمان منظمات غير حكومية مهمة وتحترم القانون من مصادر تمويلها، بل إن العديد منهم تحدوا وانتقدوا حملة التسميم والتضليل التي سبقت ورافقت إعلان وزير الدفاع من حيث الجوهر والشكل، وطالبوا بمزيد من المعلومات.
تجنب هزيمة أخلاقية
ويبدو أن هذه الحملة ضد المنظمات غير الحكومية -كما يرى الكاتب- جزء من إستراتيجية دبلوماسية وسياسية أصبحت الآن واضحة، تهدف من خلالها إسرائيل التي تمتلك الوسائل العسكرية لضمان أمنها وبقائها، إلى تجنب أو تأخير هزيمة أخلاقية وسياسية بمثول بعض مسؤوليها أمام محكمة العدل الدولية، ويدخل قطع التمويل عن أولئك الذين يجمعون أدلة انتهاك القانون الدولي من قبل دولة إسرائيل وقادتها وشرطتها وجنودها في تلك الإستراتيجية ذات أولوية.
وقد شنت وزارة الخارجية الإسرائيلية في وقت مبكر من الربيع الماضي -حسب وسائل إعلام إسرائيلية إلكترونية مدعومة بموقع التحقيق "ذا إنترسبت" هجوما لزعزعة استقرار المنظمات غير الحكومية الفلسطينية الست، وذلك بتوزيع "ملف سري" على الدبلوماسيين الأوروبيين المتمركزين في إسرائيل، أعدته وكالة الأمن الإسرائيلية المعروفة سابقا باسم "شين بيت" والتي تنشط داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكان من المفترض أن يقنع ذلك الملف السري -المكون من 74 صفحة- الدول الأوروبية بأن هذه المنظمات غير الحكومية التي تتلقى مساهماتها كانت في الواقع مجرد وسطاء متواطئين مكلفين بجمع الأموال لتمويل عمليات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "الإرهابية"، وفق وصف الكاتب الذي يرى أن موزعي ذلك الملف السري يعتقدون أنه سيشجع الحكومات الأوروبية على قطع جميع المساعدات المالية عن هذه المنظمات.
ويقول موقع ميديابارت -الذي حصل على نسخة من هذا المستند مختومة بشعار وكالة الأمن الإسرائيلية وتحمل علامة "سري"- إن قراءة هذه الوثيقة المخيفة التي تبدو مزيجا من الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة، والاستنتاجات المضللة والتقديرات التقريبية، تفسر سبب انتهاء العملية الإسرائيلية بالإخفاق، كما توضح معنى قول 5 دول أوروبية للحكومة الإسرائيلية إن الملف لا يحتوي على "أي دليل ملموس"، وإنها لذلك قررت الاستمرار في تمويل ودعم المنظمات المذكورة.
ولا تقدم الوثيقة -حسب الموقع- أي معلومات جديدة أو غير معروفة عن المنظمات غير الحكومية الست، وحتى الشهادات التي جاءت في التحقيق مع المحاسبَين الفلسطينيين السابقين في لجان العمل الصحية (منظمة غير حكومية متخصصة في المساعدة الطبية تم حظرها عام 2000) -وهما سعيد عبدات وعمرو حمودة اللذان طردا عام 2019 بسبب الاختلاس- فقد كانت أكثر من متواضعة، لأن الإيصالات التي أدينا بسببها استُخدمت "لتسوية ديون متعلقة بالمقامرة وليس لتمويل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، كما يقول الموقع الفرنسي.
وكانت نتيجة هذه المناورة الفاشلة كارثية على الحكومة الإسرائيلية، حتى إن واشنطن الحامية التاريخية لإسرائيل لم تظهر لها الدعم العفوي، بل طلبت "معلومات إضافية" قبل تحديد موقفها، أما في أوروبا، فإن معظم شركاء إسرائيل لم يتقبلوا أطروحتها، وقال دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي إن "الوثيقة الإسرائيلية لم تكن مقنعة على الإطلاق. لذلك طلبنا معلومات إضافية لا نزال ننتظرها".