بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 والاحتلال الأمريكي للبلاد، اتخذ الأكراد، في محاولة لأخذ دور رئيسي في الحكومة العراقية الجديدة، عدة خطوات لتحقيق هدفهم المتمثل في الحكم الذاتي، مما أدى إلى لخلق انطباع لدى بعض القادة الأكراد بأنهم ليسوا بعيدين عن الاستقلال الكامل عن الحكومة المركزية العراقية. لكن بعد عقدين من الزمان، لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام التحقيق الكامل لهذا الهدف الكردي في العراق وفي الخارج.
المحاولة الفاشلة لإقليم كوردستان من أجل الحكم الذاتي الكامل
وتشمل العقبات الداخلية أمام تطلعات الأكراد، الخلافات بين المنطقة والحكومة المركزية العراقية حول القضايا الاقتصادية والسياسية، والمعضلات الجيوسياسية، والتبعية الاقتصادية، والخلافات بين القادة والأحزاب الكرديين. كما أن معارضة الجهات الإقليمية والدولية للحكم الذاتي لأكراد العراق هي أيضاً العقبة الخارجية الأكثر أهمية في عملية تحقيق هذا الهدف.
إقليم كردستان العراق، بعد تشكيل الحكومة الفيدرالية دعم السياسات والإجراءات الأمريكية في العراق (بما في ذلك دعم في الحرب الأمريكي مع العراق عام 2003) وكذلك إقامة علاقات مع النظام الصهيوني، في محاولة لكسب المزيد النفوذ في المنطقة، وخاصة في البلدان التي لديها أقلية كردية. أعطى تشكيل ونمو الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق، الذي بدأ في عام 1991 واعترف به لاحقًا الدستور العراقي في عام 2005، الأمل لأكراد العراق. ومع ذلك، فشلت الهياكل الحاكمة في الإقليم، التي تعتمد على قوتين عشائريتين عسكريتين وسياسيتين (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني)، في أن تصبح نموذجًا لتطور الديمقراطية في الشرق الأوسط. لكن على الساحة الاقتصادية، فإن قوة أربيل، مثلها مثل سلطة الحكومة المركزية في العراق، تعتمد بشكل كبير على النفط وتغرق في نفس الدوامة التي اجتاحت جميع الأنظمة السياسية القائمة على "الذهب الأسود".
أزمة اقتصادية عميقة في كردستان
وتعادل احتياطيات النفط في الإقليم ثلث إجمالي احتياطي النفط العراقي، وأهم مشكلة تواجه حكومة إقليم كردستان في الوقت الحالي هي الأزمة الاقتصادية في المنطقة. يعزو معظم الاقتصاديين الأزمة الحالية في كردستان العراق إلى سوء الإدارة والريعية والاعتماد على اقتصاد النفط. أدى انخفاض أسعار النفط منذ عام 2014 إلى إغراق اقتصاد كردستان العراق في أزمة عميقة. في ظل هذه الظروف أدى عجز الموازنة إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادي للإقليم وزيادة معدل الفقر في إقليم كردستان. في هذه الحالة تتأخر رواتب الموظفين وخزائن الحكومة فارغة. من ناحية أخرى، تستمر الديون الخارجية لإقليم كوردستان في الازدياد، ونتيجة لذلك يتعرض الإقليم لموجة تسونامي اقتصادية. أدت الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ عام 2014 إلى قيام حكومة إقليم كردستان العراق بتعليق المشاريع الخدمية وعدم القدرة حتى على دفع رواتب موظفيها بشكل منتظم. وقد تسبب هذا الموضوع في قلق الناس واستيائهم، وخلال هذه السنوات كان إقليم كردستان على الدوام يشهد مظاهرات واحتجاجات شعبية في مختلف المناطق.
سلسلة متكررة من الاحتجاجات ضد الفساد والأزمة الاقتصادية في المناطق الكردية بالعراق
إلا أن هذه الاحتجاجات أدت إلى ضغوط على الحكومة في السنوات الأخيرة، وانعكس ذلك في مظاهرات وإضرابات المعلمين والموظفين والطلاب في مختلف أنحاء البلاد. يعتقد الأكاديميون في إقليم كوردستان أن الحكومة ليس لديها خطط لحل الأزمة الاقتصادية، وأن الضغط عليها سيزداد في المرحلة المقبلة. كل هذا يحدث فيما كان إقليم كوردستان قد وعد الأكراد بالكثير من الازدهار الاقتصادي من خلال اقتراح فكرة "الاستقلال المالي" عن الحكومة المركزية في بغداد. لكن الفساد المالي والاقتصادي في إقليم كردستان عامل مهم آخر في استمرار الأزمة الاقتصادية وظهور الاحتجاجات. من أبرز قضايا الفساد في إقليم كردستان العراق عدم وجود معلومات دقيقة عن حجم الإيرادات من الإقليم، والتي يتم الحصول عليها من خلال المعابر الحدودية ومبيعات وصادرات النفط والغاز والمساعدات الدولية وعائدات المطارات والضرائب العامة. وتشير بعض التقارير الواردة من أحزاب المعارضة الكردية العراقية إلى أنه إذا توقف الحزبان الحاكمان عن سرقة الأصول الإقليمية، فستكفي عائدات المعابر والمطارات ومبيعات النفط والغاز والمساعدات الدولية لدفع رواتب موظفي الحكومة في كردستان العراق.
موجة جديدة من الاحتجاجات الطلابية في إقليم كردستان
تتم متابعة الاحتجاجات بأبعاد جديدة هذا الأسبوع، وهذه المرة شن طلاب جامعة السليمانية احتجاجًا واسع النطاق ينتقدون قطع الحكومة للدعم المالي. منذ اشتداد الأزمة الاقتصادية في إقليم كردستان عام 2014، انقطع دعم مالي ضئيل عن الطلاب، يتراوح بين 40 ألف و100 ألف دينار. وتستمر المظاهرات والمسيرات التي ينظمها طلاب الجامعات في إقليم كوردستان منذ يوم الاثنين، واشتدت حدة العنف. وخرجت التظاهرات، الثلاثاء، في مدن السليمانية وحلبجة وكرميان وربرين، وامتدت الآن إلى أربيل وكويه وسوران. وقام الطلاب المحتجون بقطع طرق المواصلات الرئيسية في بعض المدن، وقطعوا حركة المرور، بما في ذلك طريق تاسلوجه في السليمانية، وطريق السليمانية إلى كركوك، والطريق الرئيسي من أربيل وطريق بنجوين إلى كلار. وأفادت شبكة NRT أن قوات الأمن في السليمانية أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب المتظاهرين. ونشر علي محمد صالح ممثل حركة التغيير في برلمان كوردستان، صفحته على فيسبوك، أن طالبا تم ركله على رأسه وأصيب بجروح. وفي أربيل انضم عدد من نواب المعارضة في برلمان كوردستان إلى الطلاب المحتجين، معلنين أن قوات الأمن في أربيل هددتهم والطلاب بالعنف والاعتقال.
إقليم كوردستان يتظاهر وسط مقاطعة لوسائل الإعلام الغربية
في ظل هذه الظروف تشهد شوارع مختلف أنحاء إقليم كردستان العراق أياماً وساعات ملتهبة. لكن النقطة الجديرة بالملاحظة هي عدم وجود تغطية إخبارية لهذه الاحتجاجات في وسائل الإعلام التابعة للغرب. في غضون ذلك، غطت نفس وسائل الإعلام احتجاجات الأحزاب وفئات من الشعب العراقي على نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية، وحاولت تصنيف المتظاهرين على أنهم جماعات متمردة. وعلى هذا الأساس يرى عدد من المتظاهرين أن الولايات المتحدة ما زالت تسعى لاستغلال نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية وما بعدها، وتحاول تشويه وقلب الأحداث المتعلقة بالاحتجاجات الشعبية في هذا المجال، وتقديم الجماعات التابعة للمقاومة كسبب للاضطراب في العراق، وأخيراً جلب الحكومة المطلوبة إلى السلطة. لذلك، في الوضع الحالي، فإن معالجة قضية الاحتجاجات في إقليم كردستان ستلفت انتباه الجمهور إلى الأحداث في العراق. من ناحية أخرى، في ضوء التوجه الأمريكي الصهيوني لحكومة إقليم كردستان، يتضح أن تغطية الاضطرابات في هذه المنطقة ليس في مصلحة الغرب والولايات المتحدة، وتحاول وسائل إعلامها عدم تغطية أخبار الاحتجاجات على حكومة إقليم كردستان. يعتقد العديد من الخبراء أنه بسبب الفساد المستمر لمسؤولي حكومة إقليم كردستان، ستستمر الاحتجاجات وربما تنتشر على نطاق أوسع، مع انضمام مجموعات أخرى مثل المعلمين والموظفين كما في السنوات السابقة.
أدى اتهام الطبقة السياسية الحاكمة في إقليم كردستان العراق بعلاقات مشبوهة مع النظام الصهيوني وبعض دول المنطقة، بما في ذلك تركيا وبعض المشيخات العربية في الخليج الفارسي، إلى أن ينظر إلى الفساد في إقليم كردستان العراق ليس فقط كحالة محلية ولكنها أيضا ذات أبعاد إقليمية ودولية.