نشرت صحيفة "هآرتس" الصهيونية مقالاً للكاتب أمير تيفون، تحت عنوان "الاحتفالات في إسرائيل بالانسحاب من الاتفاق النووي كانت كذبة كبيرة"، وتتحدث فيه عن آراء بعض القادة الإسرائيليين حول السياسات "الفاشلة" التي اتبعها كل من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ورئيس حكومة الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو في الملف الإيراني. وفيما يلي نصّ المقال منقول إلى العربية:
عندما قرر دونالد ترامب، في أيار 2018، الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، سارع بنيامين نتنياهو للإعلان عن انتصار. وتلقى محلّلو قنوات التلفزة تقارير مفصّلة عن عملية جريئة للموساد لسرقة "الأرشيف النووي" الإيراني. وبعدها، فإن عرض نتنياهو للمسروقات كان من ناحية ترامب، القشة التي قصمت ظهر الاتفاق.
هذا التفاخر برز الأسبوع الفائت بشكل معيب، عندما ظهر رئيس الموساد السابق ومن تولّى هذه العملية، يوسي كوهين، في مؤتمر الأمن القومي لـ"هآرتس" وجامعة "UCLA". من المعروف أنّ إيران فاقمت وتيرة تخصيبها لليورانيوم منذ انسحاب ترامب من الاتفاق، وقد سئل كوهين عن ذلك.. فأجاب: "هذا صحيح"، وهو الحليف الأساسي لنتنياهو في الملف الإيراني خلال العقد الأخير.
وزير الأمن السابق موشيه يعالون كان المتحدث الآخر في المؤتمر، وقد عارض بشدّة الاتفاق مع إيران الموقع في عام 2015. وأوضح يعالون في المؤتمر بأنّ الاتفاق كان سيئاً، لكنّ قرار ترامب بالانسحاب كان أسوأ منه. وحسب كلامه، خطوة ترامب ونتنياهو كانت "غلطة العقد" في الملف الإيراني.
بعد يومين ظهر رئيس الأركان سابقاً، غدي أيزنكوت، في مؤتمر جامعة رايخمان وقال كلاماً مشابهاً. أوضح أيزنكوت أنّ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق حرّر إيران من القيود التي فُرضت عليها ومكّن النظام في طهران من دفع برنامجه النووي إلى مراحل أكثر تقدماً.
قد يكون كلام رئيس الموساد ووزير الأمن ورئيس الأركان السابق مفاجئاً بنظر العديد من الإسرائيليين. فهو يناقض حملة إعلامية مستمرة منذ سنوات لصياغة رواية مختلفة تماماً أدارها نتنياهو من مكتب رئاسة الحكومة.
كذلك، قدّم نتنياهو انسحاب ترامب من الاتفاق النووي على أنّه انجاز سياسي، وسارع كثيرون في وسائل الإعلام الإسرائيلية، في عرض سطحي ومنقاد، إلى تبنّي هذه الراوية دون أيّ علامات استفهام.
بالطبع كان هناك أصوات أخرى، لصحفيين ومحلّلين وخبراء وشخصيات رفيعة في مؤسسات الحكم - أعربت في الوقت الحقيقي عن قلقها العميق من قرار ترامب.
ومن المهم التذكير أنه من العام 2015 لوحظ في المؤسسة الأمنية توجهاً متزناً نسبياً فيما يخص الاتفاق النووي، على خلاف تحذيرات نتنياهو الكارثية الخيالية. اعتقدت معظم الشخصيات الرفيعة في المؤسسة بأنّ الاتّفاق إشكالي ومليء بالثقوب، ورغم ذلك فضّلوه على تدهور الوضع إلى فوضى في الملف الإيراني - وهذا ما حصل فعلياً في أعقاب انسحاب ترامب.
في العام 2019 كتب عموس هرئيل، المحلّل الأمني لـ "هآرتس"، بأنّ سياسة ترامب بالضغط على إيران لن تفضي إلى انهيار النظام هناك ولا إلى تخلّي إيران عن النووي، رغم ادعاءات واشنطن والقدس.
في تلك الفترة الزمنية قال مسؤولون إسرائيليون في المحادثات الجانبية إنّ احتفالات نتنياهو بالنصر بعد إعلان ترامب كانت سابقة لأوانها - وهي النسخة الإسرائيلية لخطاب الانتصار الذي ألقاه جورج بوش الإبن في مراحل مبكرة من الحرب العراقية. والكلّ يعرف كيف انتهت حرب العراق.
رغم ذلك، تطلب الأمر سنتين إضافية حتى امتثل العناصر الذين خدموا في المناصب الرفيعة جداً حول نتنياهو ووصفوا الواقع كما هو: احتفالات نتنياهو عام 2018 كانت كذبة كبيرة. سجّلت سياسة ترامب حيال إيران بعض النجاحات التكتيكية، لكنها أخفقت على المستوى الإستراتيجي.
اليوم باتت إيران أقرب للسلاح النووي مما كانت عليه مع دخول الرئيس الـ45 البيت الأبيض. والأمر سيّان بالنسبة لصديقه من قيسارياً أيضاً.
من السهل أن تأتي بادّعاءات لبعض المسؤولين السابقين بأنّهم لم يرفعوا صوتهم في الزمن الحقيقي ولم يحذّروا بأيّ وسيلة ممكنة من الضرر المحتمل وقوعه. أعرب بعضهم عن هذه المخاوف في المنتديات المختصة أو في المحادثات الجانبية مع المحلّلين، لكن أصواتهم تبدّدت في الضوضاء العالية لنتنياهو وقنوات التلفزة. الآن، في حين تبصر الحقيقة النور، سيصبح الإعلام الإسرائيلي مجبراً على إعلانها، بعد سنوات من التعاون مع نتنياهو ونشر روايته الكاذبة.