• اخر تحديث : 2024-12-20 17:12
news-details
مقالات مترجمة

"أوريان 21": الجيش والمستوطنون والإرهاب اليهودي.. تحالف حديدي ضد الفلسطينيين


تتزايد الاعتداءات على المدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة مع أنها ليست أمرا جديدا ولا حوادث معزولة، بل هي إرث الإرهاب اليهودي الناجم عن الاستيطان الصهيوني، الذي أصبح يقلق منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، خاصة أن الجيش هناك يسمح للمستوطنين الأكثر عنفا بالتصرف مع ضمان الإفلات من العقاب.

وقدم موقع "أوريان 21" الفرنسي في مقال للكاتب لتوماس فاسكوفي، إحصاءات قامت بها منظمة "ييش دين" (هناك قانون) الإسرائيلية غير الحكومية، أفادت بأن ما يقارب من 1300 شكوى بين عامي 2005 و2019، تتعلق بأعمال ارتكبها المستوطنون ضد فلسطينيين في الضفة الغربية، تم رفض 91% منها من قبل شرطة الاحتلال، رغم أنها تشمل العنف المباشر وتخريب ممتلكات الفلسطينيين أو محاولات سرقة الأراضي.

وأضاف الموقع إحصاءات أخرى لمنظمة بتسيلم التي سلطت الضوء على نظام الفصل العنصري المطبق في جميع أنحاء الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، حيث أفاد أحدث تقرير لها بوقوع 451 هجوما قام بها المستوطنون بين بداية عام 2020 وحتى سبتمبر/أيلول 2021، أسفرت عن مقتل 5 فلسطينيين، وكانت قوات الأمن الإسرائيلية حاضرة في 183 حالة منها، وتغاضت عن الهجوم أو شاركت فيه بإطلاق الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع على فلسطينيين، بل إن الجيش في 22 حالة، هاجم الفلسطينيين المعتدى عليهم، وترك المهاجمين أحرارا.

وأشار الموقع إلى أن المنظمات الفلسطينية غير الحكومية ظلت تحذر من هذا الوضع منذ فترة طويلة، ولكن قلق المنظمات الإسرائيلية هو الذي أجبر المجتمع الدولي، والحكومة الإسرائيلية على تناول الأمر، حتى إن خبراء من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أعربوا عن قلقهم إزاء العنف الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون "وهو أعلى مستوى مسجل في السنوات الأخيرة".

أنت حارس المستوطنات

وفي كتيب بعنوان "في الخدمة"، جمعت منظمة "كسر جدار الصمت" 36 شهادة لجنود وضباط كانوا في طليعة العنف المتكرر من قبل المستوطنين الإسرائيليين، وسلطت الضوء على الواقع العملي والإستراتيجي لهذه الهجمات التي يقوم بها المستوطنون الساعون إلى زيادة الاستيطان وضمان "استيلاء فعال" من خلال الترهيب والقوة على أكبر قدر ممكن من الأراضي.

ويرى نير أفيشاي كوهين، المتحدث السابق باسم "كسر جدار الصمت" وهو عضو سابق في وحدة قتالية بالجيش، أن النظام القضائي الإسرائيلي هو العقبة الأولى أمام قمع هؤلاء المستوطنين، بحيث يخضع المواطنون الإسرائيليون للولاية القضائية المدنية، على عكس الفلسطينيين الخاضعين للقضاء العسكري الاستثنائي، وبالتالي يتصرف الجيش أثناء الاشتباكات أو أي أحداث في الضفة الغربية، مع الفلسطينيين الذين يملكون سيطرة ملموسة عليهم، ويترك المستوطنين للشرطة الإسرائيلية التي لا تجازف باعتقالهم.

لكن المنظمات غير الحكومية تستنكر الدور المثير للجدل للضباط المسؤولين عن تنسيق الدفاع عن المستوطنات، حيث تدفع الدولة بضابط لتنظيم الحماية من خلال تجنيد المتطوعين، مسنودا بدعم الجيش اللوجستي مما يعزز التواطؤ بين المستوطنين والجنود، خاصة أن هناك روابط أيديولوجية وطبيعية، كما تدل على ذلك الشهادات التي جمعتها منظمة "كسر جدار الصمت".

اليمين المتطرف

وفي قلب استيطان الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ظهرت عدة مجموعات متطرفة بدافع الرغبة في ترويع السكان الأصليين وتكميم أفواههم عن تلميح للاستقلال أو حتى تقديم المطالب السياسية، وقد كشفت الصورة غير النمطية لمنظمة "يهود تحت الأرض" المحظورة عام 1984، عن تطور حركة كبرى نتيجة لاندماج بين الأرثوذكسية الدينية اليهودية والمسيانية الاستعمارية المقتنعة بأن الانتصارات والفتوحات الإسرائيلية هي دليل كبير على التدخل الإلهي.

ولئن تم تهميش هذا الشكل من الصهيونية الدينية خلال العقود الأولى لإسرائيل -كما يقول فاسكوفي- فإنه وجد فرصته في المستوطنات التي تصوّت بكثافة لليمين المتطرف بأحزابه المختلفة، خاصة أن ظهور معسكر السلام في الثمانينيات مع صعود إسحاق رابين إلى السلطة في عام 1992 جعل المستوطنين أكثر تطرفا.

إستراتيجية التحرش الدائم

وقد غذت الانتفاضة الثانية -حسب المقال- التجاوزات المتطرفة بين الشباب اليهودي الجديد وخاصة شباب المستوطنات، وذلك في مواجهة معسكر سلام منقسم، يبدأ في إجراءات قانونية ضد كل بؤرة استيطانية على أمل منع إنشاء مستوطنات جديدة، ولكن جهده يستنزفه تناسل البؤر الاستيطانية الصغيرة التي تبدأ في مبان جاهزة تنصب على قمة التلال، لتذكير الفلسطينيين بأن المستوطنين هم "السادة".

في هذه الديناميكية، تضاعف منذ عام 2008 ما يسمى بـ"تدفيع الثمن"، وهو طريقة ينتهجها المتطرفون اليهود مستهدفين الفلسطينيين واليسار الإسرائيلي وجميع رموز الدولة المشرعة أو المشاركة فيما يرونه تنازلات عن الأرض في الضفة الغربية، ويقوم ذلك على التخريب في القرى الفلسطينية وحرق أو قطع أشجار الزيتون ورشق الفلاحين بالحجارة.

وقد اكتسبت هذه الحركة زخما باعتبارها ردا على الانتفاضة الثانية وتفكيك المستوطنات في قطاع غزة، ويجوب "ضباب التلال" من المتشددين الضفة الغربية بين البؤر الاستيطانية، وهم يرتدون في أغلب الأحيان المعطف وأحذية المشي لمسافات طويلة، ويتقلب عددهم بين 200 و300 على أساس يومي، ويمكن أن يتجاوز 500 خلال العطل المدرسية ليصل إلى ألف في المواقف المتوترة.

وقد اتهم خبراء الأمم المتحدة "الحكومة الإسرائيلية وجيشها" بعدم بذل جهود كافية لحماية الفلسطينيين والحد من هذا العنف، خاصة أن زيادة إسرائيل عدد "الفرقة اليهودية" في جهاز الأمن الداخلي (الشين بيت) المسؤول عن التحقيق مع المتطرفين اليهود، وإنشاءها "شرطة خاصة" عام 2012 للعمل في الضفة الغربية، لم يضعا حدا لهجمات "تدفيع الثمن" هذه التي تم حظرها عام 2016، وإن كانت لا تزال نشطة.

وبدا -كما يرى الكاتب- أن الوضع قد تغير عام 2015 بعد ما أدى إلقاء زجاجة حارقة على منزل في قرية دوما الفلسطينية إلى مقتل عائلة بأكملها سوى طفل واحد، حيث اعتقل عدد من الشباب من المستوطنات ووضعوا رهن الاعتقال الإداري، وهو طريقة كانت مخصصة للفلسطينيين، وهي تسمح بالاحتجاز دون محاكمة لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد، واتهم اثنان منهم بالقتل ومحاولة القتل والانتماء إلى "منظمة إرهابية".

ويصف أفي أرييلي، الوكيل السابق ومدير الشعبة اليهودية في الشين بيت، الإرهاب اليهودي بأنه "تهديد وجودي"، وهو بذلك يؤكد ما قاله كارمي جيلون، المدير السابق للشين بيت الذي أصبح بالنسبة له "تهديدا أكبر للعالم اليهودي" من عمليات المقاومة الفلسطينية.

دعم ضمني

لكن من الناحية العملية -كما يصف المقال- لا تزال البؤر الاستيطانية تستفيد في أغلب الحالات من دعم الإدارة الاستعمارية الضمني الذي يسهّل ربطها بالمياه والكهرباء، مما يعني أن "شباب التلال" من أبناء المستوطنات يرون أنفسهم طليعة استعمارية، وهم يمثلون الجزء الفاحش والمرئي من الاستيطان الذي لا يحب الإسرائيليون رؤيته، وإن كان نتيجة الأيديولوجية الموجودة في أسس دولتهم.

وعلى هذا الأساس، يستطيع وزير الدفاع بيني غانتس أن يصف عنف المستوطنين بأنه "ظاهرة خطيرة" ويدعي أنه يسعى لإنهائه، ولكنه في الوقت نفسه يضع 6 من المنظمات غير الحكومية الفلسطينية الأكثر نشاطا في الدفاع عن حقوق الإنسان ومناهضة الاستيطان، على قائمة المنظمات الإرهابية، دون أن يحرك المجتمع اليهودي التقدمي ساكنا.

وخلص الموقع إلى أن هذا ليس فقط نتيجة سنوات من الإفلات من العقاب، بل هو جزء من التطور المنطقي للحركة الصهيونية التي تسمح، بسبب عجزها عن إقامة دولة ذات غالبية يهودية في جميع أنحاء فلسطين وفشلها في محو الوجود الفلسطيني من الأراضي، بثورات عنف غير مسبوقة تهدد بشكل تدريجي أسسها، حتى إن البعض ما زال يحلم بإثارة نكبة جديدة.