• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
مقالات مترجمة

النهج الأمني للولایات المتحدة في منطقة الخلیج الفارسي؛ الاستمرارية أم التمزق؟


قدم فرهاد وفایي‌ فر الخبير في شؤون المنطقة، في مقال نشر له علی موقع مرکز "تبیین للدراسات الاستراتیجیة"، شرحًا مفصلاً عن النهج الأمني للولایات المتحدة في منطقه الخلیج الفارسي، موضحاً أنه يبدو أن الولايات المتحدة على الرغم من استمرار دعمها الأمني لحلفائها في منطقة الخليج الفارسي، تسعی إلى تفویض بعض مهامها إلی مصادر خارجیة، ودعم تحالفات جديدة داخل المنطقة. في حین تتحرك الولايات المتحدة الآن وبشكل تدريجي، وبعد مضي فترة من سياسة التدخل المباشر في التطورات في منطقة غرب آسيا، نحو تطبیق سياسة التوازن عن بعد أو القيادة غير المباشرة. وفي ما يلي الترجمة الكاملة للمقال:

هذا النهج الذي يقع بين السياستين الانعزالية والتدخل المباشر، یسمح للولايات المتحدة مع ترشيد الإنفاق الدفاعي، ومكافحة الإرهاب، والتواجد العسكري الأجنبي؛ مثل الحرب في أفغانستان، بإنفاق المزيد من الأموال على القضايا الداخلية، والتركيز على أولويات السياسة الخارجية العاجلة. مع أن أمیرکا باستخدامها هذا النهج، تسعى إلى منع ظهور الهيمنة الإقليمية، لكنها تعترف بدوافع وقدرات الجهات الفاعلة الإقليمية وحلفائها لتحقيق التوازن.

الولايات المتحدة واستمرار الأمن في منطقة الخليج الفارسي؛ الاستمرارية أو التمزق:

هذه الدول بعد سنوات من تشكیلها، قامت بشراء الأمن من خارج المنطقة، وخاصة الولايات المتحدة. ويوجد حالياً نحو 38 ألف جندي أمريكي، في قواعد السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين. ووفقًا للإحصاءات، بين عامي 2016 و2020، كانت المملكة العربية السعودية أكبر مشتر للأسلحة الأمريكية، حيث استحوذت على 24٪ من إجمالي مبيعات الأسلحة الأمريكية. بشكل عام، زودت الولايات المتحدة 79 في المائة من أسلحة المملكة العربية السعودية خلال هذه الفترة.

وجدیر بالذکر، أن المملكة العربية السعودية في عام 2020، مع إنفاقها 57.5 مليار دولار أصحبت سادس أكبر دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري.  کما كانت واردات الأسلحة من دول الشرق الأوسط في الأعوام 2016 إلى 2020 أعلى بنحو 25 في المائة مما كانت عليه في الأعوام 2011-2016، وكانت ثلاث دول وهي: المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، موجودة في منطقة الخليج الفارسي من بين أكبر 10 مستوردين للأسلحة في العالم، في السنوات الأربع التي سبقت عام 2020.

في حين زادت واردات قطر من الأسلحة بنسبة 361٪ في الأعوام 2016-2020، مقارنة بالسنوات الخمس التي سبقتها. وفي المحصلة، يمثل الإنفاق العسكري في الخليج الفارسي جزءًا كبيرًا من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، حیث یشمل معظمها عمان والمملكة العربية السعودية والكويت بنسبة 11 و8.4 و6.5 في المائة على التوالي.

لذلك، فإن الاعتماد التسليحي والأمني لدول الخليج الفارسي على الولايات المتحدة ليست مسألة سرية، ولهذا السبب فإن أي ظهور أو سلوك متناقض أو مختلف من جانب واشنطن، قد يثير قلق الدول العربية في منطقة الخليج الفارسي. يرجع ظهور هذا السلوك، بالطبع، أحيانًا إلى السياسات الغامضة للولايات المتحدة، وأحيانًا أخری في تصور وتفسيرات والدول العربية. لأن تصور الفاعلين الإقليميين لسياسة الولايات المتحدة بوصفها قوة عالمية وأهم لاعب عبر الإقليمي، یحظی بأهمیة کبیرة. على الرغم من أن تصورات دول منطقة الخليج الفارسي للسياسات الإقليمية للولايات المتحدة آخذة بالظهور، إلا أن هناك مؤشرات تدل علی الشكوك بشأن الالتزامات الأمنية للولايات المتحدة تجاه حلفائها العرب.

بعبارة أخرى، بعد عدم رغبة الولايات المتحدة للدخول بشكل أکثر جدیة في الحرب اليمنية، وكذلك وجود بعض التعدیلات علی تموضع ونشر القوات والمعدات الأمريكية في دول منطقة الخلیج الفارسي، مثل العراق والأردن وسوريا، فأعضاء مجلس التعاون یعتقدون أنه مع تزاید ترکیز السیاسة الخارجیة الأمریكیة علی تحولات منطقة غرب آسیا، ورغبة هذه الدول بتخفیض التدخلات في تحولات منطقة غرب آسیا، قد یخلق فراغاً کبیراً في المنطقة، مما یؤدي -کحد أقصی- إلی عدم ضمان واشنطن لأمن منطقة دول الخليج الفارسي.

في مثل هذا الوضع، ترى الدول العربية أن إقامة أو تعزيز العلاقات مع الجهات الفاعلة عبر الدول الإقليمية، تعد أداة حل لاستبدال الضغط الناشیء عن تقليص الالتزامات الأمنية الأمريكية. لهذا السبب، فإن لدی أعضاء مجلس التعاون رؤية أكثر استراتيجية بالنسبة إلى العلاقات مع الصين وروسيا وإسرائيل وحتى تركيا، وهو اتجاه يمكن رؤيته في السنوات الأخيرة.

وتجدر الإشارة إلى أن تحول النظام العالمي، يسير في اتجاه أصبحت فیه مواقف العديد من دول ومناطق العالم، تجاه الولايات المتحدة مختلفة مقارنة بالماضي، ويرجع هذا الأمر -إلى حد كبير- إلى نهوض الصيني والنشاط الأمريكي. في حین منطقة غرب آسيا لم تكن مستثناة عن ذلك، وربما بسبب مكانة أميرکا الفریدة، أصبح لديها غموض استراتيجي حول مستقبل لعب الدور الأمريكي أكثر من أي منطقة أخرى. ومن بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، تواجه السعودية مثل هذه الصعوبات أكثر من أي دولة أخرى.

على الرغم من أن تصريحات وزير الخارجية الأمريكية؛ بأن على الولايات المتحدة أن تعمل مع "محمد بن سلمان" لعقود من الزمن، قد تزیل بعض مخاوف ولي العهد السعودي الشاب بشأن دعم بايدن "لمحمد بن نايف "بوصفه الملك الجدید للمملكة السعودیة، إلا أن نشر التقرير الخاص باغتيال الصحفي السعودي الخاشقجي، وإصرار واشنطن على ضرورة إنهاء الحرب اليمنية زاد من حالة عدم اليقين لدی المملكة العربية السعودية.

كما أن إعلان الولايات المتحدة انسحاب قواتها من العراق بحلول نهاية عام 2021، زاد من الشكوك السعودية مما سیؤدي إلى تنويعها لمشتريات الأسلحة. وقد اشتدت حدة هذا الموضوع خاصة بعد أنباء عن خروج أنظمة "باتريوت "و"تود" من السعودية. وبحسب بعض التقارير، اتخذت الرياض، بالتعاون مع بكين، خطوات لبناء منشأة لإنتاج الكعك الأصفر في منطقة "العلاء" شمال غرب المملكة العربية السعودية. بالنظر إلى أن قضية عدم انتشار السلاح النووي، تعد من أولويات سياسة الصين في منطقة غرب آسيا، فمن المرجح أن تنتهج الصين من خلال التعاون مع دول مثل قطر والإمارات، سیاسة عدم انتشار السلاح النووي في استغلال الطاقة النووية.

ومع ذلك، ستبقی الولايات المتحدة، على الأقل أو علی المدی المتوسط، المزود الرئيسي لأمن دول جنوبي ضفاف الخليج الفارسي. لكن عملية تنويع العلاقات الأمنية لأعضاء مجلس التعاون سیكون لها منحی تصاعديًا.

بالطبع، بعض التحليلات لا تبدو دقیقة حیث ترى أن سياسة الولايات المتحدة، هي الخروج من منطقة غرب آسيا لأن أميركا تسعى في بعض البلدان، مثل العراق، إلى إعادة تعريف مهامها. وفي منطقة الدول الجنوبية من الخليج الفارسي، يبدو أنه لن يكون هناك على المدى المتوسط ​​قطيعة جذرية بشأن تواجد وتأثير الولایات المتحدة الأمریكیة.

ومع ذلك، فإن تعزیز التعاون مع دول مثل الصين والهند وروسيا سیأخذ منحیً تصاعدیًا. وبالتالي، ستبقی الولايات المتحدة لاعباً رئيسياً في النظام المستقبلي للخليج الفارسي، لكن مكانة ودور القوى الآسيوية الناشئة سیزداد.

في الواقع، إن الوضع الجديد لإيران یتضمن فرصًا وتحديات. وإن تقلیص تدخل الولايات المتحدة ومشارکتها في مسارات الخليج، يمكنه أن يوفر فرصًا جديدة لطهران للتعاون مع العواصم العربية، وبشكل عام سیقلل من میزان القوی الذي کان یضر إیران لسنوات، وأن سياسة الإدارة الأمريكية للحد من التدخل في البنية الأمنية لبعض المناطق، بإمكانها أن تخلق فرصة لطهران، التي تطالب بالتعاون الإقليمي دون تدخل الجهات الفاعلة عبر الإقليمية، منذ فترة طولیة.

من جانب آخر، تختلف نظرة اللاعبین المؤثرین حدیثي الظهور في منطقة الخليج الفارسي، مثل الصين والهند وروسيا، عن نظرة الولایات المتحدة لإیران والتي لا تكن لها العداوة، وتعبترها جزءًا من المشكلة، ولكنها كجزء من الحل.

الاستنتاج:

يبدو أنه مع تقلیص التدخل الأمريكي، وتزاید نفوذ اللاعبین مثل الصين وروسيا، فإن حل المعضلة الأمنية في المناطق المحیطة لإيران، بما ذلك الخليج الفارسي، بالضرورة لن تحل بسهولة. كما لا ينبغي تجاهل احتمال تحقیق سيناريو تتوصل فيه القوى الكبرى، إلى اتفاقيات لتحديد نقاط النفوذ في بعض المناطق، بما في ذلك غرب آسيا والخليج الفارسي.

إن التجربة التاريخية في القرون القليلة الماضية، أثبتت أن إيران بشكل عام، لم تحصل فقط علی فرصة للعب دور فعال في مجال صراع القوى العظمى، بل تكاد أن لا تنجح أيضًا في تبني سياسة خارجية متوازنة.