نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الصهيونية مقالاً للكاتب غيرشون باسكين دعا في إلى التوجّه نحو استراتيجيات إقليمية وسياسية جديدة تجاه إيران، معتبراً أنّه في حال فشلت المفاوضات النووية ولجأت "إسرائيل" إلى الخيار العسكري، فسيكون ذلك خطراً للغاية على الأمن العالمي والشرق الأوسط. وفيما يلي نص المقال منقول إلى العربية:
يجب أن يوصف القرار الإسرائيلي بإخراج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بأنّه أحد أسوأ القرارات الاستراتيجية التي اتخذتها حكومة إسرائيلية على الإطلاق.
إنّ انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة، بدعوة من رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو ودفعه، يجب أن يُدرج في كتب التاريخ باعتباره أحد أعظم الإخفاقات في تاريخ صنع القرار الرئاسي الأميركي.
كانت خطة العمل الشاملة المشتركة بعيدة كل البعد عن الاتفاق الكامل، لكن التمسك بها كان سيمنع إيران من برنامج تخصيب اليورانيوم المتقدم الذي شهدناه في السنوات العديدة الماضية. تتحرك إيران بسرعة لتصبح "دولة اختراق نووي"، والتي قد تستغرق شهوراً من امتلاك سلاح نووي فعلياً. لو كانت خطة العمل الشاملة المشتركة لا تزال سارية المفعول، مع إشرافها الرقابي الصارم، حتى لو غشّت إيران، لما وصلت إلى النقطة التي أصبحت عليها الآن.
هناك نقطتان جديرتان بالملاحظة يجب النظر إليهما: العقوبات الأعمق والأكثر صرامة من قبل الولايات المتحدة وغيرها، والهجمات العسكرية الإسرائيلية السرية، لم تمنعا إيران من المضي قدماً في برنامجها النووي. إيران لديها برنامج نووي منذ عقود، لكن بحسب خبراء - محليين ودوليين - لم تتخذ إيران بعد قرار تطوير قنبلة نووية. بدأ برنامج إيران النووي في الخمسينيات من القرن الماضي في عهد الشاه بمساعدة الولايات المتحدة.
في عام 1970، كانت إيران لا تزال تحت حكم الشاه حين صدّقت على معاهدة منع الانتشار النووي، واقتصار برنامجها النووي على الاستخدام السلمي، وجعله خاضعاً للتفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة النووية. توقّف الغرب عن تعاونه مع إيران بعد الثورة الإيرانية في عام 1979. في تلك المرحلة، بدأت إيران برنامجها النووي السري. في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أثار برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني مخاوف من أنّ البرنامج قد يكون مخصصاً للاستخدامات غير السلمية.
بدأت الوكالة الدولية للطاقة النووية تحقيقاً في عام 2003. وفي عام 2006، وبسبب عدم امتثال إيران لالتزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، طالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إيران بتعليق برامج التخصيب. في تلك المرحلة، تمّ إصدار العديد من قرارات الأمم المتحدة ضد إيران وتمّ وضع نظام العقوبات الدولية موضع التنفيذ.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ الهند وباكستان وكوريا الشمالية قد حققت مكانة أسلحة نووية في إطار زمني أقصر بكثير، وفيما يتعلق على الأقل بباكستان وكوريا الشمالية، يُعتقد أنّ إيران لديها قدرات ومعرفة علمية وتقنيات أعلى بكثير.
إنّ التزاحم مع استراتيجية "إسرائيل" الفاشلة لتشجيع الولايات المتحدة على الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة سيكون قراراً إسرائيلياً بشن هجوم عسكري ضد إيران. استراتيجية الانسحاب من الاتفاق لم تحصد أرواح الإسرائيليين بعد. إنّ شن هجوم عسكري على إيران سيكون له بلا شك ثمن باهظ في الأرواح البشرية والأضرار المادية لا يمكن تخيّلها.
بدلاً من تشجيع الولايات المتحدة على عدم العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، يجب على المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن تطلب من الولايات المتحدة استكمال مفاوضات فيينا بأسرع ما يمكن والعودة إلى الاتفاقية الأصلية.
بعد إعادة الاتفاقية وتنفيذ عمليات التفتيش لإعادة إيران إلى الامتثال الكامل، يجب على القيادة الأميركية، جنباً إلى جنب مع شركاء الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، وضع خطة لإحضار إيران إلى حظيرة المجتمع الدولي التي تشمل اتفاقيات حول قيود الصواريخ الباليستية وتقليل الدعم العسكري لميليشيات النظام في لبنان وسوريا واليمن وأي مكان آخر.
عرف الغرب كيفية محاربة الاتحاد السوفياتي من خلال أدوات متعددة، بما في ذلك بناء وعي عميق بين الشعوب الخاضعة للسيطرة السوفياتية للأثمان الباهظة التي كانت تدفعها نتيجة للنظام الذي سيطر على حياتها.
يدرك الشعب الإيراني تماماً الثمن الذي يدفعه بسبب سياسات آيات الله. ستساعد الفرص الاقتصادية الموضوعة على أعتاب إيران التي تمتثل بالكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة على تشجيع الحركات الديمقراطية داخل إيران للتغلب على المتطرفين، ونأمل أن تساعد في إخراج إيران من العصر المظلم للثورة التي بدأت في سنة 1979.
يعتقد العديد من الخبراء الإيرانيين أنّ غالبية الإيرانيين لا يدعمون النظام. من الأشياء التي أبقت النظام في السلطة طوال هذه السنوات هو المعارضة في الغرب (بشكل رئيسي من قبل الولايات المتحدة و"إسرائيل") للنظام والتكتيكات التي تم استخدامها ضد النظام. هناك نوع من التأثير العكسي للعواقب غير المقصودة، والتي كلما تعرضت إيران لضربة شديدة من قبل الولايات المتحدة و"إسرائيل"، أصبح النظام أقوى.
لقد حان الوقت لتطوير مقاربة إقليمية واضحة ومتماسكة تجاه إيران. تشارك "إسرائيل" المصالح مع السعودية والإمارات والبحرين وعمان وربما تركيا في الحد من نفوذ إيران في المنطقة. في الأيام التي سبقت زيارة رئيس الوزراء نفتالي بينيت إلى أبو ظبي، استضاف ولي العهد محمد بن
زايد زيارات من السعوديين والسوريين والأتراك وحتى الإيرانيين. ربما يكون أفضل أصدقاء "إسرائيل" الجدد في الخليج العنصر الأساسي في تطوير سياسة جديدة تجاه إيران.
هذه السياسة الجديدة لا تقوم على التهديد العسكري المتبادل، ولا على الاستسلام، بل على المشاركة والدبلوماسية. بالطبع، ترتبط هذه السياسة بعودة إيران والولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة المستأنفة. ليس لدى "إسرائيل" الكثير لتكسبه من استمرار تهديداتها الخطيرة بالتصعيد والهجمات العسكرية.
ليست المليارات من الشواكل فقط هي التي سيضيّعها الجيش الإسرائيلي في تطوير خطة ضربة عسكرية لا ينبغي أن تحدث أبداً. إنّ المخاطر على الأمن العالمي جسيمة للغاية، والمخاطر على شعوب الشرق الأوسط بأكملها أكبر من أن تسمح بجنون التفكير حتى بتوجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران.
فبدلاً من إلقاء القادة الإسرائيليين محاضرات على العالم حول مخاطر إيران نووية وهي حقيقة، يجب على قادة الغرب وجيراننا إلقاء محاضرات على الإسرائيليين والإيرانيين للنزول عن سلالم الحرب التي قد تؤدي فعلاً إلى أكثر حروب الشرق الأوسط تكلفة وخطورة.