• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
مقالات مترجمة

فتح سماء السعودية سلفة في صفقة سياسية بين بن سلمان وترامب


غداة انتهاء الزيارة الرسمية للبعثة الإسرائيلية لأبو ظبي، أعلنت السعودية بأنها ستفتح سماءها أمام الطائرات التي ستطير إلى الإمارات، ومنها إلى دول العالم. لم يتم ذكر سماء إسرائيل في الواقع بصورة صريحة، لكن ليس هناك حاجة إلى ذلك. لاتزال السعودية حذرة، وسيكون ثمن التطبيع الرسمي مع إسرائيل مرتبطاً بالثمن السياسي الذي ستحصل عليه السعودية من الولايات المتحدة، وتجري نقاشات حول ذلك بصورة حثيثة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وصديقه جاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس الأمريكي الخاص الذي يسعى إلى استكمال “الصفقة” قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني.

 

يمر الوقت وترامب يتطلع إلى عرض إنجاز سياسي آخر مثير للانطباع يعينه على التلويح به في حملته الانتخابية، بعد انهيار معظم مبادراته السياسية، بما في ذلك صفقة القرن التي تحولت في أفضل الحالات إلى نكتة، وأدت في معظم الحالات إلى خوف عميق في أوساط جميع الأطراف. السلام بين إسرائيل والإمارات هو في الحقيقة خطوة اختراقية قد تغير الموقف في الشرق الأوسط من إسرائيل، لكنه لا يكفي أن يثبت بأن صفقة القرن لاتزال سارية المفعول.

ولإثبات الرؤية الاستراتيجية التي تقول بأن السلام بين إسرائيل والعرب لا يقتضي حل المشكلة الفلسطينية، وأن السلام مع الدول العربية يمكن استخدامه كمحفز للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، نحن بحاجة إلى حزام عربي أوسع تشارك فيه دول أخرى، أو على الأقل السعودية، لكن هذا الأمر يتطلب شروطاً

وبالنسبة للدولة التي صنعت في العام 2002 النموذج الذي تستطيع إسرائيل وفقًا له أن تحظى بتطبيع وسور دفاع عربي مقابل انسحابها من كل الأراضي – معادلة تحولت إلى جزء لا ينفصل عن أي مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، بما في ذلك خطة ترامب، وإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.. ستظهر وبحق مثل تراجع لا يمكن الرجوع عنه في هذا المبدأ الأساسي. لكن المس بهذا المبدأ حدث بعد أن قررت الإمارات إقامة علاقات سلام كاملة مع إسرائيل.

وبقي التحدث عن الثمن السعودي. تحول بن سلمان منذ قتل الصحافي جمال الخاشقجي قبل سنتين تقريبًا إلى شخصية غير مرغوب فيها في أوساط الجمهور الأميركي والكونغرس، ومذاك لم يزر واشنطن، ويمثل مصالحه هناك شقيقه الأمير خالد الذي كان سفير السعودية في واشنطن حتى العام 2019، وبعد ذلك عُين في منصب نائب وزير الدفاع ورئيس سلطة الصناعات العسكرية. لم تنته التحقيقات ضد بن سلمان في قضية قتل الخاشقجي، بالإضافة إلى ذلك فرض الكونغرس الحظر على بيع السلاح للسعودية، وهو القرار الذي التف عليه الرئيس ترامب.

يحتاج بن سلمان إلى تغيير يعيد له مكانته بعد أن بدأ صديقه ولي العهد في الإمارات محمد بن زايد بالتعتيم عليه كزعيم نجح في تشكيل سياسة شرق أوسطية جديدة، وكشخصية عربية الأكثر قربًا من ترامب. في الحقيقة يمكن أن يستخدم السلام مع إسرائيل كخطوة اختراقية أمام واشنطن، لكن الوضع مع السعودية معقد أكثر مقارنة مع الإمارات.

من جهة، تعهدت الرياض بشراء سلاح أميركي بمبلغ 110 مليارات دولار، وهذا إغراء كبير استخدمه ترامب في محاولة لإقناع الكونغرس بالسماح لعقد الصفقة. كجزء من النضال المشترك لصد نفوذ إيران في الشرق الأوسط، وبضغط من الولايات المتحدة توطد السعودية علاقتها مع العراق، وتعرض عليه بدائل للغاز والكهرباء التي يشتريها من إيران، 

ومن جهة أخرى، وقعت السعودية على مذكرات تفاهم مع روسيا، وهي تفحص إنشاء مفاعل نووي من إنتاجها لغرض إنتاج الكهرباء. ويبدو أيضًا أنها تفحص إمكانية تطوير برنامج نووي يشك في نواياه كنوايا عسكرية. وإذا كان هناك طلب رئيسيواحد للإمارات – من أجل بيعها طائرات إف35 – فإن رزمة الطلبات السعودية العسكرية والسياسية ستكون أطول بكثير. لكن أدوات المساومة لبن سلمان محدودة بالزمن؛ فلا يمكنه الوثوق بأن يظل ترامب رئيسًا للولايات المتحدة. وعليه أن يأخذ في الحسبان بأن جو بايدن سيجلس في البيت الأبيض، والإدارة الديمقراطية ليست هي حلم ولي العهد.

هنا يكمن العامل الذي يمكنه أن يخدم التبكير في التطبيع مع إسرائيل، فسواء كان ترامب أم خصمه بايدن، فستشق إسرائيل لبن سلمان مسار العودة إلى واشنطن. وما فتح سماء السعودية أمام الطائرات الإسرائيلية وغيرها إلا بناءً على ذلك، بل وأكثر من حقنة في العظم، وإظهار الدعم لاتفاق بين إسرائيل والإمارات فهو سلفة أولية على حساب صفقة يأمل بن سلمان الحصول عليها من ترامب.

يبدو أن إسرائيل ستكون راضية من التطورات الأخيرة التي حولتها إلى بؤرة وساطة نشطة بين الدول العربية وواشنطن من دون أن يحتاج الأمر إلى دفع ثمن بعملة فلسطينية، باستثناء تجميد الضم الذي يعاني أصلاً من الاحتضار في مرحلة متقدمة.

الرزمة الدبلوماسية التي وُضعت على بابها مؤخراً تشمل الاتفاق مع الإمارات، وفتح سماء السعودية، والمحادثة الهاتفية الودية والعلنية بين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التي هنأه فيها السيسي، ولكن حذره أيضًا من خطوات أحادية الجانب في الضفة، وحتى الحوار الذي تجريه إسرائيل وقطر حول التهدئة في غزة الذي أثمر تفاهمات حول وقف إطلاق النار، كل هذه الأمور تتسرب إلى وسائل الإعلام وتصريحات المحللين العرب. أما الانتقاد والتنديدات تجاه الإمارات فلا تختفي في الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام الرسمية. لكن يمكن إلى جانبها تشخيص التغيير في الوعي الذي تضع بحسبه هذا الاتفاق والاتفاقات التي ستأتي بعده معارضي التطبيع أمام واقع جديد وتحديات من نوع جديد.

ومهما تغير هذا التطور لن يعفي إسرائيل من ضرورة حل النزاع مع الفلسطينيين. قالت إسرائيل بصورة تقليدية إن حل النزاع يجب أن يؤدي إلى إنهاء حالة الحرب مع العالم العربي، وإلا فلن تكون هناك أي فائدة من الحل. بهذا، اعتقدت إسرائيل بأنها تضع عقبة كأداء لا يمكن تجاوزها أمام أي مفاوضات مع الفلسطينيين. ولكن كلما زاد عدد الدول المطبعة سيصبح هذا الادعاء فارغًا من المضمون، وستضطر إسرائيل إلى تعريف النزاع بصورة رسمية كمشكلة إسرائيلية، وليس فلسطينية.