نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الصهيونية مقالا بعنوان: اتفاق السلام مع الإمارات هو حصيلة 100 عام، وهذا ما جاء فيه:
"اعلم أن العرب يحتقرون اليهود ويدينونهم ويكرهونهم"، كتب العقيد والدبلوماسي البريطاني مارك سايكس إلى فيصل، ملك سوريا، قبل أن يناشده: "صدقني.. هذا العرق، المحتقر والضعيف، عالمي.. كله قوي، ولا يمكن كبحه. تذكر، هؤلاء الناس لا يسعون لغزوك... انظر إلى الحركة اليهودية باعتبارها المفتاح العظيم للنجاح العربي... اعترف بهم كحليف قوي".
هذا النداء وُجّه في آذار/مارس 1918، مع استمرار الحرب العالمية الأولى، وكان جزءاً من جهود بريطانيا لتشكيل الشرق الأوسط ما بعد العثمانيين.
لقي هذا النداء آذاناً صاغية، فأنتج أولاً لقاءً بين فيصل وحايم فايتسمان، ثم وافق فيصل بموجبه على هجرة يهودية غير محدودة إلى فلسطين، واستبعاد فلسطين من مملكته.
تراجع فيصل لاحقاً عن تأييده للصهيونية، لكن المؤرخون يقولون إن تعاطفه الأولي كان حقيقياً، وفقاً لروح رسالته إلى الزعيم الصهيوني فيليكس فرانكفورتر: "إننا نعمل معاً من أجل شرق أدنى مُصلَح ومنبعث من جديد، وحركتانا تكملان بعضهما البعض". (والتر لاكوير، تاريخ الصهيونية، نيويورك 2003، ص 237).
يجب تذكر هذا التاريخ حيث يقوم الإسرائيليون بتقييم معنى رحلات شركة "العال" التاريخية هذا الأسبوع، من تل أبيب إلى أبو ظبي.
الخبر السار هو أن اتفاقية "إبراهام" التي تحمل إسماً مناسباً، تنطلق من حيث توقفت اتفاقية فايتسمان-فيصل. لا يتطلب الأمر دبلوماسياً لفهم أن الخطوة الإماراتية، هي فعلاً خطوة سعودية، تعادل إطلاق نوح للحمامة من سفينته. على هذا النحو، إنها تثبت وجهة نظر فيصل الأصلية، بأن اليهود ليسوا أعداء للقضية العربية، كما فهمها آنذاك، وكما ينظر إليها السعوديون الآن.
النبأ المحزن هو أن الاتفاق بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومحمد بن زايد، وصل إلينا ملفوفاً بـ3 أكاذيب كبيرة.
الكذبة الأولى هي أن الاتفاق هو "سلام مقابل سلام". هذه المعادلة ليست "سلام مقابل سلام"، على طرفي هذه المعادلة: من جانب لأنه لم تكن هناك حالة حرب بين الإمارات و"إسرائيل"، ومن الجانب الآخر لأن نتنياهو تخلى عن مخططاته للضم.
تكمن وراء تبجح نتنياهو مغالطة أعمق، تجسيد لاستنتاج فايتسمان من الاجتماع مع فيصل بأنه "لم يكن مضطراً للتفاوض مع العرب الفلسطينيين" (راينهارز، ص 256). لا يزال نتنياهو هناك، في عام 1919، يتجاهل فعلياً حجم وموقع وعداء السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، وعدم قدرة "إسرائيل" على هضمها.
الكذبة الثانية هي أن الاتفاق مع الإمارات هو طفل نتنياهو بالكامل. إنه ليس كذلك.
الاختراق مع الإمارات هو نضوج ما بدأ بزيارة إسحاق رابين إلى عُمان في سنة 1994، بزيارة شمعون بيريس لقطر في سنة 1996، وبإيفاد أرييل شارون لوفد اقتصادي إلى دبي في سنة 2003. العلاقات مع الخليج مر عليها الآن أكثر من ربع قرن.
هذا هو السبب الحقيقي وراء قابلية التجارة مع الإمارات للتوسع بسرعة. إنها لا تبدأ من الصفر، وهناك بالفعل الكثير الذي يمكن للبلدين تقديمه لبعضهما البعض في مجالات السياحة، والتكنولوجيا، والطب الحيوي، والدفاع، والمال.
لقد كان سراً مكشوفاً أن التجارة بين "إسرائيل" والخليج بشكل عام، ومع الإمارات على وجه الخصوص، كانت قائمة منذ مطلع القرن. من الواضح أن شبه الجزيرة العربية موسومة الآن بقادة يدركون، بروحية موقف فيصل الأصلي، قدرة "إسرائيل" وسعادتها في مساعدة النجاح العربي.
سيناقش المؤرخون ما إذا كان اتفاق "إبراهام" طفلاً لاتفاقيات أوسلو، التي شرّعت التجارة مع "إسرائيل" لمعظم العالم العربي. لن يكون هناك نقاش حول أن العلاقات مع الإمارات لم تبدأ مع نتنياهو، وفي جميع الاحتمالات كانت ستنضج معه أو بدونه.
إذاً، أول كذبتان لاتفاق "إبراهام" تتعلقان بمعناه الدبلوماسي والأبوة الإسرائيلية. الكذبة الثالثة تخص جانبها العربي، وتتعلق بأحد شعارات العصر الفارغة: التضامن العربي.
منذ قرن من الزمان، منذ أن ضغطوا على الملك فيصل للتخلي عن تعاطفه مع المشروع الصهيوني، دأب القوميون الفلسطينيون على إدانة القادة العرب ومضايقتهم لانسجامهم مع الصهيونية.
استخدم القادة الفلسطينيون زر التضامن العربي لدفع الحكومات العربية للانضمام إلى حروب دامية مع "إسرائيل"، ومقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي، والإساءة إلى اللاجئين الفلسطينيين بحرمانهم من الجنسية والوظائف، وتخريب المحاولات العربية للتكيف مع الدولة اليهودية.
لا يزال رد الفعل الفلسطيني هذا قائماً، مثلما يتضح من إدانة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لاتفاق "إبراهام" باعتباره "خيانة" إماراتية. ما مضى هو حقيقة التضامن العربي. مع قيام العرب بقتل وطرد وتشريد الآلاف من إخوانهم العرب في حروب أهلية متعددة، فإن أي حديث عن التضامن العربي هو كلام فارغ.
نعم، طالبت الإمارات بلفتة إسرائيلية على الجبهة الفلسطينية، لكن ذلك كان مجرد كلام. الفلسطينيون محقون في انطباعهم بأن محمد بن زايد يرى قضيتهم شأناً لهم وليس له. وكذلك فعل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي اتصل بمحمد بن زايد للإشادة به على الاتفاق.
والواقع أن الانقسام العربي ليس سوى أثر جانبي لاختطاف المستقبل العربي من قبل المتعصبين، الذين أغرقوه بالكراهية. الكراهية التي جعلت العرب ينقلبون أولاً على اليهودي، ثم ينقلب العرب على العرب.
لقد كان طريقاً طويلاً ما بعد الاستعمار إلى الجحيم، وقد رسم الملك فيصل بديلاً عنه عندما سعى إلى بناء المستقبل العربي مع اليهود، أمة لديها "قوتها وإصرارها وتفوقها الأخلاقي"، كما كتب بعد لقاء فايتسمان (راينهارز، ص 256).
هذا هو الطريق البديل الذي سلكه للتو زعيم عربي واحد، وفي الوقت المناسب سوف يسلكه الآخرون.