معهد السياسة والاستراتيجية، برئاسة اللواء (احتياط) عاموس غلعاد، يصدر تقريره السنوي لعام 2022، يفنّد فيه التحديات الأمنية التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي، بدءاً من الاتفاق النووي، وصولاً إلى تعاظم قدرات حركة حماس. في ما يلي نص التقرير منقولاً إلى العربية:
في مطلع العام 2022، تواجه "إسرائيل" تحديات استراتيجية متعاظمة على أمنها القومي، وفي مقدمتها التهديد الإيراني في النووي وفي المنطقة، وقابلية انفجار القضية الفلسطينية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة.
الاستراتيجية الإيرانية مترابطة وتعمل بهدف تأسيس تأثير إقليمي، زعزعة الاستقرار الأميركي في الشرق الأوسط وإيجاد تصدعات في الحلف السني – الإسرائيلي، الى جانب تحولها إلى دولة على عتبة النووي بحكم الأمر الواقع.
في هذا الإطار، المحادثات النووية في فيينا، التي استؤنف بعد نهاية عطلة عيد الميلاد، وصلت إلى مرحلة متقدمة، حيث سيُطلب فيها من الأطراف اتخاذ قرارات صعبة بشأن إمكانية استئناف الاتفاق النووي.
ممثلو الوفود من إيران وروسيا والصين وأوروبا يظهرون تفاؤلاً حذراً، بالرغم من الفجوات العميقة التي لا زالت موجودة بين الأطراف في المسائل الجوهرية. وفي هذا الصدد، فإن إمكانية حدوث أزمة في العلاقات بين القدس وواشنطن تزداد في حال وُقّع اتفاق يعرض مصالح الأمن القومي لـ "إسرائيل" للخطر.
في موازاة ذلك، فإن الاستراتيجية الإسرائيلية عالقة إزاء خيارين سيئين: اتفاق نووي قديم - جديد يمنح إيران شرعية دولية، ويعزز اقتصادها بنحو يسمح للنظام بزيادة أنشطته في الشرق الأوسط، وتضييق الخناق على "إسرائيل" عبر اقامة قواعد نيران إقليمية، وتعزيز القوات الإيرانية في سوريا ولبنان وغزة.
في المقابل، تفجر المحادثات النووية قد يدفع إيران إلى اتخاذ قرار بتسريع البرنامج النووي، وتخصيب اليورانيوم بمستوى عسكري من أجل قنبلة في غضون ثلاثة أسابيع في ظل قرار سياسي. في هذا السيناريو، الأدوات الموجودة بحوزة "إسرائيل" لكبح هذه الهرولة محدودة.
علاوة على ذلك، وفي أي سيناريو، فإن الارتقاء التدريجي في الخبرة والبحث والتطوير، وفي بناء أجهزة الطرد المركزي وفي القدرات التكنولوجية المتطورة التي راكمتها إيران، أسست بنية تحتية نووية متطورة ستستخدمها على المدى القصير أو الطويل.
الولايات المتحدة من جانبها، تسعى إلى إعادة التوقيع على الاتفاق النووي لكي تستطيع التركيز على المواجهة الاستراتيجية مع الصين وروسيا، والامتناع عن الانجرار إلى أزمة إقليمية أخرى في الشرق الأوسط. المنافسة بين الدول الكبرى تزداد، وفي مركزها، الأزمة في أوكرانيا التي لها تداعيات على النظام العالمي، وعلى انعكاس قوة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
إضافة الى ذلك، فإن السياسة الأميركية لتقليص تدخلها في الشرق الأوسط، والامتناع عن استخدم الأدوات العسكرية والتركيز على تعزيز الاستقرار الإقليمي بواسطة الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية، تضعف الردع والتأثير الأميركيين في المنطقة. هذا الوضع يسمح لإيران بزيادة الضغط على القوات الأميركية في المنطقة، وعلى حلفائها الإقليميين عبر تفعيل قوات مبعوثيها، وعبر هجمات طائرات من دون طيار وإطلاق بالستي، من دون الخشية من تبعات أو أثمان في إيران بحد ذاتها.
في هذا الواقع، المعسكر السني الموالي لأميركا والمرتدع من إيران يسعى إلى اتفاقيات وحوار مباشر مع طهران. المصلحة الخليجية بهذا الخصوص واضحة: خشية من التصعيد مع إيران من دون مساعدة أميركية، المعركة المستمرة في اليمن التي تجبي أثماناً باهظة، الرغبة بالحفاظ على استقرار أمني وعدم الانجرار إلى مغامرات خطيرة في فترة أزمة اقتصادية وصحية عالمية. إيران في المقابل تريد ترسيخ استقرار النظام، تعزيز تأثيرها الإقليمي، والتحرر من العزلة الموجودة فيها، وإحداث صدع في "تحالف أبراهام"، وتنمية الاقتصاد المحلي قدر الإمكان.
في المجال الفلسطيني، فإن تحديات العام 2022 تتعاظم إزاء الضعف المتزايد للسلطة الفلسطينية، والخشية من "اليوم التالي" لأبو مازن، زيادة إرهاب المنفردين، وابتعاد جيل الشباب عن مؤسسة السلطة الفلسطينية، وقابلية الانفجار المتزايد إزاء تعزز حركة حماس وغياب استراتيجية إسرائيلية شاملة.
زيارة رئيس السلطة الفلسطينية إلى منزل وزير الأمن الإسرائيلي كانت الزيارة الأولى منذ عقد في لقاء سياسي رسمي في "إسرائيل". للقاء نفسه أهمية في الحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة، وترسيخ مكانة رئيس السلطة الفلسطينية في الساحة الفلسطينية، وتعزيز الاستقرار الأمني. مع ذلك، وبالرغم من الأهمية الملموسة للقاء، فإن خطوات "إسرائيل" لم تبتعد عن السياسة الظاهرة في العقد الماضي، التي في أساسها تعزيز السلطة الفلسطينية وإدارة الصراع.
دعائم المفهوم الإسرائيلي: الحفاظ على هدوء أمني عبر تنسيق وثيق مع الأجهزة الأمنية، إضعاف حماس وتأسيس النظام العام بواسطة أجهزة الأمن الفلسطينية، وتعزيز نوعية الحياة المدنية والاقتصادية لسكان الضفة الغربية من خلال الحفاظ على التمايز عن قطاع غزة وتجميد العملية السياسية. هذه السياسة مكنّت "إسرائيل" من التركيز في السنوات الأخيرة على التهديد الإيراني والمعركة بين الحروب، وإبعاد القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال، وتأجيل الحاجة إلى دفع استراتيجية سياسية شاملة قدماً لها تبعات سياسية معقدة.
في المقابل، تحاول حماس الاستفادة من ضعف السلطة الفلسطينية وتعزيز مكانتها في الساحة الفلسطينية، عبر تحريض منظم، "شراء القلوب" في الضفة الغربية والقدس، وفي محاولة تطوير بنية تحتية إرهابية في الضفة. استراتيجية حماس بعيدة المدى، وتسعى لسيطرة كاملة على الساحة الفلسطينية ومواصلة النضال ضد "إسرائيل". ومع ذلك، فإن المصلحة المشتركة والمؤقتة للأطراف في هذه المرحلة بعدم الانجرار إلى التصعيد تتم المحافظة عليها، وتبرز بنحو أساسي عدم استعداد "إسرائيل" لوضع معادلة جديدة إزاء الحركة، في ظل الأثمان المحتملة، وضرورة التركيز على القضية الإيرانية.
إلى جانب ذلك، فإن قابلية الانفجار لا زالت موجودة، كما أن الاستعدادات للتصعيد في أعقاب حسابات خاطئة أو استغلال فرصة من جانب حماس لقيادة قضية وطنية فلسطينية (قضية الأسرى على سبيل المثال) لا تزال قائمة.
هناك أيضاً "نصف كوب مليء" بالفرص والمقدرة والمرتبطة بقوة "إسرائيل" الاقتصادية والأمنية، بالرأس المال البشري، بالتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، بالتعاون الوثيق مع المعسكر السني المعتدل ودول شرق البحر المتوسط، الذي تم التعبير عنه بالحد الأدنى بهدوء نسبي، وبرفع نوعية الحياة التي تمتع بها المواطنون الإسرائيليون في السنوات الماضية.
مع ذلك، مطلوب من "إسرائيل" بلورة استراتيجية أمنية قومية شاملة لتقديم رد على التحديات المعقدة على حدودها وفي الدائرة الثالثة، والاستفادة حتى النهاية من الفرص في الساحتين الإقليمية والدولية.
توصيات
1. على "إسرائيل" الاستعداد لسيناريو توقيع اتفاق نووي لا يتماشى مع مصالحها الأمنية والاستراتيجية. في هذا الإطار، على تل أبيب الاستفادة من الاتفاق من أجل زيادة المساعدة الأمنية من واشنطن، والتزود ببرامج تثبت التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي.
2. إلى جانب ذلك، على "إسرائيل" التأثير على بلورة اتفاق نووي فعال يقدم ضمانات كافية لوقف التقدم النووي، تمديد فترة الهرولة، وإلغاء بند الـ "Sunset". على "إسرائيل" أن توضح للولايات المتحدة وأوروبا أن الاتفاق الذي لا يقدم استجابة لهذه الجوانب، سيكون بمثابة إشارة لبداية سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، ولذلك تأثير على استقرار المنطقة والساحة الدولية.
3. بموازاة ذلك، على "إسرائيل" تسريع عملية بناء القوة ورفع الأهلية العملانية لسيناريو مهاجمة مواقع النووي. عملية كهذه ستعزز الردع الإسرائيلي، وستمنح مرونة في عملية اتخاذ القرارات عند الحاجة.
4. التعاون الاستراتيجي لـ "إسرائيل" مع الولايات المتحدة ضروري لتحقيق خطة التعاظم وبناء القوة ولتعزيز الردع في المنطقة، والامتناع عن الاحتكاك غير الضروري، والتركيز على التنسيق الاستراتيجي مع واشنطن في المسألة الإيرانية.
5. الأزمة المتفاقمة في السلطة الفلسطينية تلزم "إسرائيل" بتعزيز التنسيق الأمني والمساعدة المدنية -الاقتصادية، من خلال تعزيز حكم السلطة الفلسطينية، وكبح تمركز حماس على الأرض، ومواصلة عملية التسوية، لكن الاستعداد لمعركة عسكرية ضد الحركة. وفي نظرة بعيدة المدى، على "إسرائيل" بلورة استراتيجية شاملة تدل على أفق سياسي لتحقيق مفهوم الفصل، من أجل كبح العملية الزاحفة لتحقق "الدولة الواحدة" تحت غطاء "إدارة الصراع"، " والسلام الاقتصادي".
6. يجب على "إسرائيل" تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الأردن، مصر، ودول الخليج، في ضوء تعاظم التهديد الإيراني في المنطقة (طائرات من دون طيار، قدرات نيران باليستية متطورة، دقة، سايبر وغيرها).
العلاقات الاستراتيجية حيوية لقدرة "إسرائيل" على إظهار قوة إقليمية، وتطوير عمق استراتيجي، وبلورة ائتلاف إقليمي لكبح إيران وعزلها. التعاون الإقليمي لـ "إسرائيل" مع العالم السني يجب أن يرتكز على مصالح أمنية – عسكرية، ولكن يجب أن يتوسع إلى مجالات اقتصادية وثقافية أوسع من أجل دفع تطبيع العلاقات الثنائية قدماً. مع ذلك، تقرب دول الخليج من إيران يثبت "السقف الزجاجي" في العلاقات الاستراتيجية بين الأطراف، ومحدودية التعاون الإقليمي.
7. المعركة بين الحروب تمثل أداة ضرورية في كبح التمركز الإيراني في المنطقة وفي تعزيز الردع الإسرائيلي، وهي تتطلب ترسيخاً بل وحتى تطويراً. في هذا المجال، على "إسرائيل" الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع روسيا والاستفادة من المصلحة المشتركة لإضعاف إيران في سوريا من أجل الاستمرار في تعميق ضربها للمحور الراديكالي.
إضافة الى ذلك، على "إسرائيل" الامتناع قدر الإمكان من التدخل في الازمة المتفاقمة بين الولايات المتحدة وروسيا في أوكرانيا، كي لا يمتد تنافس القوى العظمى إلى فناء الشرق الأوسط ويؤثر على حرية العمل العملانية.