• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
مقالات مترجمة

"ريسبونسبل ستيت كرافت": إصرار واشنطن على توسع "الناتو" كارثة كبرى


تناول الكاتب أناتول ليفن في مجلة "responsible statecraft" الأميركية، دور دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" في أوكرانيا، واستماتته في الدفاع عنها، معتبراً أنه "سيسجل تاريخ 12 كانون الثاني/يناير، يوماً تاريخياً لنفاق الدول الأعضاء في الحلف الذي أعلن عن "عزمه البطولي القتال حتى آخر مواطن أوكراني". وفيما يلي النص المقال المنقول إلى العربية:

يكمن النفاق الأحمق في أنه سيُحير المؤرخون في المستقبل في تفسيره. فحلف "الناتو" ليس لديه نيّة جدية لقبول أوكرانيا أو لمحاربة روسيا في أوكرانيا. وقد استبعدتا كل من واشنطن وبروكسل هذا الأمر علانية. وفي الحقيقة، أنّ "الناتو" لن يستطيع القيام بحرب مع سوريا لو أراد ذلك. فالقوات الأميركية في أوروبا غير كافية على الإطلاق لهذه المهمة، كما هو حال مع ما تبقى من الجيوش البريطانية والفرنسية.

على الرغم من الخطاب الهستيري لسياسيين وصحافيين أوروبيين حول التهديد الروسي، لم تُبذل أي محاولة جادة لبناء قوات مسلحة أوروبية. الشاهد على ذلك، الرفض المستمر لمعظم دول الناتو - حتى بعض تلك الدول الأكثر عداءً لروسيا - لزيادة إنفاقها العسكري إلى 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

مع ذلك، فهم يكرسون نفاقهم برفضهم لمطالب روسيا، التي تركزت على مطالبة "الناتو" بأن يستبعد من خططه المزيد من التوسع نحو أوكرانيا وجورجيا والجمهوريات السوفيتية السابقة الأخرى.

الرادع الحقيقي الذي يلوّح به حلف "الناتو" بوجه روسيا يتركز على فرض عقوبات اقتصادية مكثفة وقوية، إضافة إلى أنّ مجلس الشيوخ الأميركي يهدد بفرض هذه العقوبات مقدماً ضد روسيا، وحتى قبل أن تتخذ روسيا أي إجراء عسكري ضد أوكرانيا.

مجالات التسوية

مثلما قضى "الناتو" السنوات العشرين الماضية في وضع نفسه في الزاوية بتبجحاته الفارغة بإبقاء إمكانية عضوية أوكرانيا في حلف "الناتو" مفتوحة، تضع موسكو نفسها بوضع مشابه بمطالبة غير قابلة للتفاوض بشكل قطعي بالنسبة لواشنطن وحلفائها.

هناك فرصة متبقية، في أن تؤدي المرونة الأميركية في مجالين آخرين إلى تجنب العمل العسكري الروسي، وذلك من خلال، أولاً: التزام "الناتو" بعدم نشر قوات جديدة بالقرب من حدود روسيا، مقابل التزام موسكو بقيود على عمليات الانتشار العسكري على حدود أوكرانيا.

ثانياً: الدعم الأميركي والغربي الحقيقي لـ "اتفاقية مينسك" الثانية بشأن الحكم الذاتي لمنطقة دونباس المنزوعة السلاح داخل أوكرانيا، والقيام بضغط حقيقي على الحكومة الأوكرانية للتنازل في هذا الأمر.

تحتاج الولايات المتحدة إلى التحرك بسرعة كبيرة لتقديم هذه التنازلات. إذا لم يحدث ذلك، فإنّ الحرب الجديدة تبدو ممكنة. ستكون هذه الحرب كارثة لجميع الأطراف المعنية، لحلف "الناتو"، الذي سيتأكد عجزه العسكري بقسوة؛ وبالنسبة لروسيا، فإنها ستعاني من أضرار اقتصادية شديدة، وستضطر إلى الاعتماد على الصين مع تداعيات خطيرة على مستقبلها.

الدولة الوحيدة التي ستستفيد بشكل قاطع من مثل هذه الحرب هي الصين. لكن لم يكن يعلم بأنّ سياسات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مصممة لتعزيز الأهداف الجيوسياسية لبكين.

جدال حول وظيفة "الناتو" الحقيقية

نتيجة لسلسلة طويلة من الخطوات، أصبح حلف "الناتو" اليوم منظمة ضارة بالمصالح الحقيقية للولايات المتحدة وأوروبا. ومن الضروري إجراء مراجعة واضحة وشجاعة حول الأسباب التي تجعل الدول الأعضاء المختلفة بقوة في ما بينها، وأن تبقى مرتبطة بتحالف اختفى هدفه الأصلي مع نهاية الحرب الباردة. إلا أنه إذا تمكنت هذه المنظمة من العودة إلى وظيفتها الأساسية كدعامة رئيسية لأمن أوروبا الغربية والوسطى، فبإمكانها لعب دور مفيد متواضع لا شك.

من جهة ثانية، تدعم بريطانيا "الناتو" بشكل أساسي كجزء من استراتيجيتها، ويمكنها إظهار حضورها كقوة عظمى على المسرح العالمي، من خلال الركوب على أكتاف أميركا. وتفعل فرنسا ذلك أيضاً للأسباب عينها تقريباً، مع اختلاف أنه في حين أنّ مصالح بريطانيا في هذا تتعلق بالكامل تقريباً بالصورة الذاتية الوطنية، فإنّ فرنسا بحاجة إلى تحالف الولايات المتحدة لسبب ملموس للغاية، وهو الضرورة المتزايدة للدعم العسكري الأميركي للحفاظ على فرنسا، إذ أنّ مجال النفوذ في أفريقيا الفرنكوفونية ومحاربة "الارهاب" هناك.

وفيما يتعلق بالأعضاء الآخرين في أوروبا الغربية في الناتو، فإنّ السبب الأساسي لانضمامهم إلى الحلف هو الخوف - الخوف من روسيا، ولكن قبل كل شيء الخوف من بعضهم البعض ومن أنفسهم. ويرجع الكثير من هذا إلى الحرب العالمية الثانية، والسهولة التي استسلم بها سلسلة من الدول لألمانيا.

ظهر تحول جديد وكارثي للمخاوف الأوروبية بفعل الفشل الأوروبي المخزي في حرب البوسنة في أوائل التسعينيات. ترك هذا لدى الأوروبيين إحساساً عميقاً (اعترف به المسؤولون الألمان علناً على انفراد) بأنهم لا يستطيعون حل المشكلات الصغيرة، إن كانت عسكرية في قارتهم، دون مشاركة كاملة للولايات المتحدة، والتي يضمنها "الناتو". وأخيراً بالطبع، فإن الوجود العسكري الأميركي كجزء من "الناتو "يجنب الأوروبيين الإنفاق العسكري المؤلم، والإصلاحات العسكرية التي سيحتاجون إلى القيام بها إذا ما تحملوا المسؤولية عن أمنهم.

لقد تحطم مشروع الولايات المتحدة للهيمنة العالمية في العراق وأفغانستان وليبيا، إضافة إلى الصعود الاقتصادي للصين. كذلك فشل تصدير الديمقراطية الليبرالية الى شرق ودول البلقان، مما يعيق عملياً تخطيط الاتحاد الأوروبي بشكل جدي للتوسع نحو أوكرانيا في المستقبل المنظور.

إنّ إدراك هذا الفشل توجب العودة إلى نظرة أكثر تواضعاً للذات وللدور في العالم. ويمكننا أيضاً التخلي عن الوعد الكاذب والفارغ والمنافق لتوسع "الناتو"، والسعي إلى علاقة تعاونية معقولة مع روسيا. أو يمكننا الاستمرار في العيش في عالمنا الخيالي، على الرغم من أن العوالم الخيالية لديها طريقة لتحطيمها الحقائق القاسية.