بدعوةٍ من الأمين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي هلال الهلال، زار نائب رئيس التيار الوطني الحر للعمل الوطني الوزير السابق طارق الخطيب على رأس وفدٍ من "التيار"، العاصمة السورية دمشق في الأيام القليلة الفائتة. فالتقى وفد التيار، الهلال في مقر القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي. ثم عقد لقاء مع وزير الخارجية والمغتربين السوري فيصل المقداد في وزارة الخارجية. وأخذت الزيارة حيزًا هاماً في الإعلام اللبناني، الذي أضاء بعضه على إيجابيتها في موضوعيةٍ، لما في ذلك من مصلحةٍ مشتركةٍ للبنان وسورية معًا. وبعضه الآخر تناولها في سياق استكمال الحملات الإعلامية المغرضة التي تستهدف "التيار" ومؤسسه العماد ميشال عون ورئيسه جبران باسيل، لانفتاحهم على محيطهم العربي، وتمسكهم بدعم المقاومة، كخيارٍ إستراتيجيٍ لحماية سيادة لبنان وثروته، ومحاولة تنشيط حركته الاقتصادية، في ضوء الظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد، غير آبهين بكل الضغوط والتهديدات وأعمال التحريض الداخلية والخارجية التي مورست وتمارس في حقهم.
إذًا، جاءت الزيارة في سياق العلاقة القائمة ما بين "التيار" والقيادة السورية التي تهدف الى لتعزيز العلاقات اللبنانية السورية في سبيل صون المصالح المشتركة بين الشعبين اللبناني والسوري، بالتزامن مع وجود وزير الطاقة السورية في بيروت من أجل توقيع عقود إستجرار الغاز والكهرباء الى لبنان، ما يدحض كل الدعوات غير المسؤولة التي تطالب بعزل لبنان عن جارته.
ولا تشكل الزيارة أي خروجٍ عن سياسية "التيار" وخطاب مؤسسه منذ العام 1988، يوم طالب بإقامة أفضل العلاقات مع الجارة الأقرب، مرتكزةً على احترام سيادة الدولتين ومصالح الشعبين، في وقتٍ كان يزحف بعض مدّعي السيادة الجدد إلى المراكز الأمنية السورية في البلدين، مسترئسين أو مستوزرين أو مستنوبين، أو طالبي سلطة ومال. أما التيار الوطني الحر، فلم يقصد سورية، إلا بعد انسحاب جيشها من لبنان، وذلك عندما زارها "الجنرال" في العام 2008، في سبيل تعزيز العلاقات الثنائية، لما في ذلك من خيرٍ للبلدين، ولشكر قيادتها على دعم لبنان وصمود شعبه ومقاومته خلال عدوان تموز 2006، ليس إلا.
ولو كانت الزيارة المذكورة تهدف الى تعزيز وضع "التيار" في الانتخابات النيابية المقبلة، أو للإسهام في تعبيد طريق قصر بعبدا أمام باسيل، لكان قصّر المسافة، وحذا حذو غالبية القوى اللبنانية، وأقام بالتالي التحالفات الانتخابية الظرفية والمنفعية الآنية، وأثار الخطب التعبوية التي تطرب آذان بعض الجمهور، وتدغدغ غرائزه المذهبية، بدلًا من أن ترتقي الى مستوى محاكاة العقول، ورسم البيان الاستراتيجي المتماهي مع الواقع الجغرافي والحقائق التاريخية، بما يحفظ بدوره مصالح الشعب اللبناني أولًا. ويبقى "التيار" على نهجه وخطى المؤسس العماد عون، الذي زار إيران وسورية في العام 2008، عشية الاستحقاق النيابي للعام 2009، على الرغم من تلقيه نصائح بتأجيل الزيارتين المذكورتين إلى ما بعد إجراء هذا الاستحقاق، إلا أنه أبى ذلك، وقرر القيام بالزيارتين، ثم دعا الشعب اللبناني إلى التصويت على خيارات "الجنرال" الاستراتيجية، وحقق وتياره فوزًا كبيرًا في الاستحقاق المذكور، بالرغم من ضخامة الحملة التي شنت عليهما، والتي وصلت الى حد تدخل أكبر مرجعيةٍ روحيةٍ في محاولةٍ لتأليب المسيحيين على عون ونهجه، ناهيك عن إغراق البلد بأموال "البترودولار" سعيًا لإسقاط "الجنرال"، ولم تفلح في ذلك كل هذه المحاولات. وبفضل الخيارات المذكورة آنفًا وثبات عون على مواقفه، وصل إلى الرئاسة، ولا يزال "التيار" يتمسك بالخيارات الاستراتيجية والوطنية لمؤسسه، ويتوجه الى جمهوره بالخطاب العقلاني الانفتاحي على الآخر وعلى الجوار.
أما بالنسبة إلى العلاقة بين زيارتي الخطيب الفائتة وباسيل المرتقبة لدمشق، فلا ريب أن الأولى قد تسهم في تهيئة الأجواء الملائمة لإتمام الثانية، غير أن رئيس "التيار" أعلنها مرارًا وتكرارًا أنه سيزور دمشق في الوقت المناسب، وهو من يحدد ذلك.
وعن المواضيع التي بحث فيها وفد "التيار" مع المعنيين في دمشق، فقد تناولت تفعيل العلاقات الثنائية، في سبيل حل مختلف القضايا العالقة، كعودة النازحين إلى ديارهم، وتنشيط الحركة التجارية والترانزيت عبر الحدود المشتركة وسواها، ولكن هذا الأمر يتطلب تنسيقًا بين الحكومتين اللبنانية والسورية. كذلك أبدت القيادة السورية حرصها على استقرار لبنان، لما في ذلك من تأثيرٍ إيجابيٍ على الاستقرار السوري، واحترامها لرئيسي الجمهورية اللبنانية و"التيار الحر"، صاحب القرار الوطني السيادي الذاتي، على حد تعبير القيادة. وأملت القيادة في أن تتجاوز القوى التي تؤمن بالخيارات الاستراتيجية الكبرى الواحدة، خلافاتها التكتيكية، فتتضافر جهودها لمواجهة الهجمة الخارجية الشرسة التي يتعرضون لها جميعًا. وأكدت احترام سيادة لبنان، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.