ليست هنالك دولة في العالم تستطيع ان تكون في منأى عن (المعادلات الدولية) ولكن حجم التأثير على هذه الدولة او تلك يتوقف على مكانة الدولة ومصادر قوتها ومنعتها وقراءتها للمشهد العالمي من جميع جوانبه .
العراق اسوة بأيٍ من بلدان العالم، محكوم ايضا بـ (المعادلات الدولية) وما يمر به (الان) ليس فيه من غرابة وفقا للصراع الدولي الذي يحتدم على ارضه، فاميركا التي قطعت (12) الف كم وجاءت بجيوشها واسلحتها الفتاكة لاحتلاله حتما هناك استراتيجية وراء هذا "الاحتلال" وهذه (الاستراتيجية) تحكمها شروط ومشاريع وخطط وخلف كل ذلك دراسات واحتمالات وفقا لكل ظرف، سواء على مستوى التعامل الخارجي او مستوى الداخل العراقي وما فيه من تداعيات .
ايران ايضا معنية بهذا التواجد الاميركي على ارض جاراتها التي لها حدود معها على مسافة (1450) كم ولها روابط تاريخية ودينية وجغرافية واجتماعية وسياسية حيث انها رعت المعارضة العراقية لعقود واوتهم .
استطاعت الجمهورية الاسلامية ان تدفع بكل امكانياتها لمنع اميركا ان تطيل من امد تواجدها العسكري بالعراق واقامة اية قاعدة عسكرية وان لاتكون السفارة الاميركية (غرفة عمليات) لمنطقة الشرق الاوسط بعد ان شيدت على اكبر المساحة وزودت باعلى التقنيات ورصانة البناء .
الولايات المتحدة من جهتها خسرت اكثر من عشرة الاف عسكري وسبعين الف معوق وجريح وانفقت المليارات خلال ذلك، فيما استغلت انشغال ايران بالجانب العسكري لتتسلل الى (الساحة المدنية) للشعب العراقي، وتصنع جيلا يؤمن بتوجهاتها الليبرالية والعلمانية لتعيد العراق الى (مشروع المنطقة ).
والقاضي بان تنسحب اميركا من منطقة الشرق الاوسط (عسكريا) والتوجه نحو المحيط الهادي حيث الصين على ان تصنع محيطا اقليميا بالشرق الاوسط يحمي مصالحها السياسية والعسكرية والاقتصادية .
هذا (المشروع) الذي نتداوله (الشرق الاوسط الجديد) يلزم ان تحشد فيه اصدقاءها من دول الخليج ومصر والمغرب والاردن وذلك لاجراء تغييرات في دول المتطقة، بدأ بـ (الربيع العربي) في الدول التي خارج هيمنتها لصناعة الفوضى فيها وتغيير البنى الدينية والاجتماعية والطائفية وجعلها وسيلة لاثارة الازمات ثم لصناعة دول (ميتة) تملك قيادات وحكومات وجيوش ومؤسسات ودساتير ولكنها غير فاعلة ومجرد (هياكل )!
بعد التحولات السياسية بالمنطقة وتغيير بنى الدول المناهضة لها خططت لـ (تكامل عمل الدول المناصرة لها) على مستوى الاقتصاد وعلى مستوى الامن والسياسة الخارجية فذهبت دول لـ (التطبيع) وجرت المنافع الاقتصادية وبدأ الحديث عن (تعاون امني مع اسرائيل) وهذه (الكتلة الاميركية) بدأت تستخدم ادواتها بالضغط على خصوم اميركا بالمنطقة سواء كانوا دولا او احزابا سياسية او فصائل مقاومة .
العراق جزء (مهم) من هذا المخطط ولكنه توع اما (صعب) بسبب التداخل مع الجمهورية الاسلامية وطول الحدود معها بالاضافة الى ان مزاج الشعب العراقي يميل الى روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي والصين اي انه (يساري الهوى) بصبغة دينية مؤثرة ،ترى العداء لاميركا واجب وطني وديني .
الولايات المتحدة بدأت مشروعها السياسي (المباشر) بالعراق منذ تظاهرات تشرين واقالة حكومة عبد المهدي ومجيء حكومة الكاظمي وتغيير قانون الانتخابات واعضاء المفوضية والمحكمة الاتحادية وفرض موعد (الانتخابات المبكرة) وتزوير الانتخابات وصناعة نتائجها بابعاد المقاومة والحشد وانصارهم عن مواقع السلطة وكما عبر السفير السابق للولايات المتحدة ببغداد (سيليميان) عن نتائج الانتخابات الاخيرة (جاءت بالضد من الحشد والميليشيات وانصارهم) ومثل ذلك عبر رئيس وزراء الصهاينة .
الطبقة السياسية بالعراق (الان) انقسموا الى معسكرين الاول ويضم التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكوردستاني وجماعة (عزم وتقدم) بالمقابل الاطار التنسيقي بكل تشكيلاته ومعهم الاتحاد الوطني الكوردستاني وبعض المستقلين .
هذا الانقسام احدهم مدعوم من الولايات المتحدة واصدقائها بالمنطقة وخارجها واخر مدعوم من الجمهورية الاسلامية والصين وروسيا وجميع الدول ذات (التوجه اليساري) بالعالم .
هذا (الفص) بين المعسكرين السياسيين انعكس على الشعب ايضا وتمترس كل في موضعه. كما فكك المعسكر السياسي الكوردي والشيعي واصبح لكل توجهه .
لا شك ان معسكر (الاطار التنسيقي) ادرك تماما اين اصبح موقعه، وما له وماعليه ومن هم اعداؤه واصدقاؤه واي مستقبل ينتظره مثلما ادركت الحمهورية الاسلامية ان البعد العسكري غير كافٍ لمواجهة الوجود العسكري بالعراق ولابد من الاشتغال على الجوانب الاخرى، التي فعلت فيها امريكا وجودها وانتهت بالحصول على هتاف (ايران بره بره).
لم تكن السيادة مطلقة لاميركا في صناعة الواقع في منطقة الشرق الاوسط وفق اهوائها ومخططاتها والاّ لما انسحبت جيوشها من العراق مرغمة عام 2011 ومثل ذلك في افغانستان واعادت حساباتها العسكرية في قواعد عديدة ،كما انها لم تستطع ان تهزم ايران عسكريا ولو من باب قصف مواقع مهمة ،في ذات الوقت فان عمق المقاومة الاستراتيجي يزداد تمددا وقوة وتطورا والدليل ان (صديقتها) اسرائيل محاطة بصواريخ المقاومة من اغلب جهاتها وان اصدقاءها الاخرين السعودية والامارات تتوالى عليهم الصواريخ .
لا ننسى ان الولايات المتحدة تعاني من ازمة سياسية بين الشمال والجنوب وكذلك اقتصادية وترى الخطر القادم من الصين ليس من السهل مواجهته فقد بدأت الصين تشكل عمقا اقتصاديا وعسكريا عالميا وان صعود (اليسار) في اميركا الحنوبية يشكل خطرا كبيرا لها. ان مانراه من تكتل خليجي وانزياح نحو اسرائيل لايقابله حماس سعبي بل العكس ان ذلك حرك الشارع الخليجي ضد حكوماته التي كان يصدق جزء من اكاذيبها بشأن (نصرة فلسطين)! وهذا الامر بتمدد على دول التطبيع في مصر والمغرب والبحرين وغيرها .
الولايات المتحدة نصبت المرحلة وفق مخططها بان تستولي على السلطة بالعراق قوى التيار الصدري ممثلا للشيعة وقوى تقدم والحزم ممثلا للسنة وقوى الديمقراطي الكوردستاني ممثلا للاكراد فيما تبقى الاحزاب والكتل الاخرى اما خارج العملية السياسية او (معارضة) والمهم ان القرار سيكون بيد تيار اميركا وسوف يباشر مجلس النواب اصدار قوانينه وفقا للمشروع الاميركي الذي مهدت له حكومة الكاظمي من الان، وكذلك الحكومة الجديدة واول مهامها الحاق الحشد الشعبي بالجيش ومواجهة المقاومة بكل تفاصيلها والبقاء على قوات (جيش المهدي)القوى الشعبية (العسكرية) الراعية للمشروع الاميركي !
الاطار التنسيقي خلال مرحلة تظاهرات تشرين وما تبعها حصل على المزيد من الانصار للفوضى التي رافقت تشرين ونتائجها وقناعة الشعب ان جميع الاحزاب المنخرطة بالمشروع الاميركي غير صالحة لادارة الدولة ولاسباب معلومة .
اذا كانت ايران قد اهملت التفاعل مع الاحزاب الشيعية متمثلة بالاطار فكمن ارادت ان توقعه بـ (الصدمة) اولا وثانيا ترغب ان تتفاعل مع جهات وشخصيات (شيعية) اخرى تملك روحا وطنية ودينية لصناعة بلد، كي يمكن ان يقال ان (الشيعة) قادرون على (الحكم) وليسوا فئة فاشلة كما حدث! لذا فان ميدان الساحة العراقية سيكون الاكثر شدة من جميع الميادين الاخرى بين معسكر ايران واميركا، وليس فيه منطقة وسطى على ما يبدو، كما ان الوقت لايسمح بالنسبة لاميركا الى المزيد من الانتظار فقد صنعت برلمانا وحكومة اميركية وعلى (الخصم) ان بتلقى الصفعات وينتظر .
مشروع (صفقة القرن) بات جاهزا واول تجلياته يجب ان تكون من العراق حيث الهيمنة على (الصحراء الغربية) لاسكان مليوني فلسطيني تبدأ من الحدود الاردنية فالانبار التي تم تأمينها من قبل الحلبوسي فالحدود السعودية التي تم تأمينها بشراء مليوني دونم من قبل المملكة والجزء الفراغ من الحدود العراقية تم شراؤه من قبل شركات الامارات بدعوى انشاء منظومات كهرباء بالطاقة الشمسية اما نهايتها فعند محافظة ذي قار التي تمت الهيمنة عليها من قبل التشرينيين والتيار الصدري وسوف يقام عليها (بين ابراهيم) بدلا من (بين الله الحرام).
مستقبلا سوف تتم زحزحة المحافظات باقليم (الانبار) دون بقية المناطق الغربية لتحكمه اسرة (الحلبوسي والخنجر) واقليم البصرة الذي ستحكمه اسرة ال الصدر مدعومة من الكويت وبقية مجلس التعاون الخليجي، فيما يتحول الشمال الى اقليمين في اربيل والسليمانية حتى لايتحول الى مشروع دولة !
بالمقابل فان ايران ومعها عمقها المقاوم والصين وروسيا ستواجه هذا المشروع، دون ان نعرف نهاية لهذا الصراع الذي يبدو فيه ان اميركا ستخرج خاسرة كما الحال في افغانستان وفيتنام خاصة وان ترامب قال (لم يعد الشرق الاوسط من اولوياتنا)!