• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
إصدارات الأعضاء

كيف استطاعت الولايات المتحدة الاستفادة من (النفايات البشرية)؟


قد يكون استخدام (النفايات البشرية) مصطلحا قاسيا ان تعنى به فئة بشرية وجدت نفسها (ضحية) ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسات دولية انتهت بها ان تلقى في براميل (السجون).

هؤلاء (الضحايا) ينظر لهم قديما وحديثا على انهم ثلة من القتلة والسراق، وان مكانهم الحقيقي هو (السجن) كي لا يكونوا سببا بأذى الاخرين.

كثيرون من هؤلاء اخطؤوا وحكم عليهم بمدد مختلفة وحين انتهت مددهم خرجوا وعادوا اسوياء، واستطاعوا ان ينسجموا مع المجتمع وربما استفادوا من (زمن السجن) ليزدادوا خبرة وثقافة احيانا.

مقالنا يتركز على تلك المجاميع التي احترفت الحياة بالسجن والمعتقلات وباتت ترى ان الحرية في محيط السجن وليس العيش مع (الاسوياء)، بعد ان تكونت لهم "الفة" مع المكان ومع مجتمع السجون وادارات السجون، وكلما انتهت مدة محكوميتهم سرعان ما اقترفوا جريمة صغيرة او كبيرة وعادوا الى محيط السجن.

يقول أحد أقدم السجانة في سجن ابي غريب (كلما يأتي عفو عام ويطلق سراح المسجونين تبدأ مجاميع منهم تدور حول السجن ويسألون عن السجانة والموظفين وعن المكان الفلاني ومن شغله ويستحلفوننا بالحفاظ على اماكنهم لو عادوا).

لا شك ان هؤلاء باتت تخنقهم الحريات العامة ويرون بـ (الاسوياء) اعداء و(خصوما) ويتمنون الثأر منهم باي شكل من الاشكال.

ليس غريبا ان (هؤلاء) اصبحت لديهم خبرة في القضاء والمحاكم ومواد القضاء واسماء القضاة وبيئة السجن وذاكرته بشكل يساعدهم باختيار (الجريمة) التي يرونها (مناسبة)!

داخل السجن تجري علاقات وتفاهمات وهناك قيادات اجتماعية بينهم يؤمن بها هؤلاء تحمل مواصفات (خاصة) في فهم واقع السجن والسجناء ومزاجهم وتطلعاتهم واخبارهم وحل مشاكلهم، وغالبا ما يكون لهؤلاء القادة المكان المميز في أحد زوايا القاعات والى جواره مجموعة ممن يأتمرون بأمره في معاقبة اي شخصية تخرج عن اوامره او سلوك السجناء العام.

هذا (الجمع) من البشر ترشح من الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي وتجد بينهم من هذه الفئات الكثير وتجمعهم مشتركات واهداف متقاربة (الالفة) مع المكان اولا والايمان بصعوبة العيش مع المجتمع خارج السجن، وبينهم نوع من التعاون والنقمة على الاخرين ممن هم معهم داخل السجن ولكن غير منسجمين معهم.

تقدمت دراسات من جامعات وشخصيات مختلفة عن هذا الواقع وسموها هم (التنمية البشرية) التي في ظاهرها الاهتمام بالإنسان وفي باطنها (كيف يمكن الاستفادة من النفايات البشرية في خدمة المشروع الاميركي)!

قد يبدو الامر صعبا حيث كيف يمكن الاستفادة من هؤلاء وهم ليسوا بأكثر من قتلة ولصوص ومن المدمنين على المخدرات واصحاب العقد النفسية وشبه المجانين احيانا.

ما لفت نظر المفكرين ان (هؤلاء) يملكون صفاه لا يمكن للإنسان السوي ان يقوم بها مثل الجرأة على القتل والحرق والتدمير والتجاوز على الاملاك الخاصة والعامة، وانهم يشعرون بمتعة هذه الاعمال بل ويحسنون اداءها.

الدراسات التي اجريت على أحد أكبر السجون في اميركا اللاتينية وتم تصوير مئات الفيديوهات والصور لهؤلاء وهم يبضعون وجوههم وايديهم ويهشمون كل ما حولهم وأحيانا يحرقون المكان الدي ينامون فيه ثم يشعرون بسعادة عالية خاصة بعد العقوبات القاسية التي يتلقونها من السجانة.

اغلب هؤلاء لم تعد لهم ارتباطات اسرية الا في محدودية عالية وخاصة من قبل الامهات او الاباء.

الدراسات ايضا شملت القيادات في داخل السجون ومواصفاتهم وماهي الميزة التي تجعل منهم رموزا بين اقرانهم.

قبل اربعين عاما، كانت النتائج ايجابية ان مثل هذه (النفايات) يمكن اعادة تدويرها والاستفادة منها وفق المخطط الذي يقول (بدلا من ان نأتي بالجيوش الغازية والاسلحة الفتاكة ونتحمل وزر العمل المباشر والخسائر البشرية والمادية يمكن لهؤلاء ان يدمروا بلدانهم من الداخل بعد تنظيمهم ورعايتهم وتمويلهم والدفاع عنهم وتوفير غطاء اعلامي لهم يجعل منهم رموزا وايقونات في مجتمعاتهم).

ربما لم تتفاعل اجهزة المخابرات الاميركية مع الموضوع بجدية في البداية، لكن الخسائر العسكرية في الحروب وخسارة سمعة الولايات المتحدة وقلة الكلفة سهلت قبول الفكرة.

كانت التجربة الاولى في أحد بلدان اميركا الوسطى وبمحدودية ثم الى دول في اميركا اللاتينية اخرى فوجدوا بإمكانية تطبيقها في اي بلد اخر.

كان عام 2011 هو العام الذي تم فيه تطبيق (التنمية البشرية) كما يحلو للكتاب الغرب تسميته، حيث كانت الاستعدادات متكاملة عبر منظمات المجتمع المدني التي وفرت في تونس مساحة جماهيرية كافية لإشعال الاحتجاجات بعد ان خنقت الولايات المتحدة ومن معها الحياة الاقتصادية لتونس ناهيك من خنق الحريات على يد عميلهم (زين العابدين بن علي) ولما كانت البيئة الفقيرة من مدن الصفيح والعشوائيات والاحياء القديمة والبسطاء من الناس والاميين هي المساحة الجغرافية المثالية لخططهم فقد حركوا مواطن السخط وعبئوا الشارع بأعلام منظم يميت من عصب (الدولة) ومؤسساتها ثم اخيرا الايماء لعملائهم بالهروب او الخضوع للمحاكم كما في مصر والسودان وغيرها .

ربما لا تتشابه البدايات بين من يحرق نفسه في تونس او يرفع لافتة (كفاية) في مصر او (نريد وطن بالعراق) او غيرها لكن الهدف واضح انتاج جيل من (الناقمين) والمحترفين للقتل والحرق والتدمير لإدارة مقدرات البلد، كي تضطر النخب ان تخفي رأسها او ان تفر الى الخارج ولو بزورق مطاط!

هذه (التجمعات البشرية) اصبحت الوسيلة التي تستخدمها الولايات المتحدة حتى بالبلدان المتقدمة التي تخالف وجهة نظرها او مشروعها فمثلا عندما حاولت ان تنتزع بريطانيا من الاتحاد الاوربي ورفضت رئيسة وزراء بريطانيا ذلك من شهر تشرين عام 2011 هيجت اميركا (جماعاتها) فتقدموا يحرقون المصارف والبنوك والعجلات والمحلات وشارع البورصة ونصبوا الخيم واعلنوا الاعتصام والصدام مع الاجهزة الامنية ورفعوا شعار (احتلال لندن) واخيرا رفعوا شعار (اسقاط النظام) فادركت الحكومة البريطانية مخاطر ذلك واستسلمت، فيما لم تكتفي اميركا بذلك بل حولت هذه (الكتل البشرية) الى اصوات انتخابية تدعم اليمين فجاؤوا بـ (جونسون) شبيه (ترامب) شكلا وتوجها. 

وحدث في فرنسا مثل ذلك في شهر ايار من عام 2018 حين حاول الرئيس الفرنسي ان يشد من ازر ووحدة الاتحاد الاوربي وان يعلن نفسه زعيما عليها فخرج اصحاب البدلات الصفراء من تحت الانقاض وهاجموا المدن الفرنسية الواحدة تلو الاخرى من حرق وتدمير وصولا الى باريس ودول جوار فرنسا (بلجيكيا) مقر الاتحاد الاوربي، حتى فهم اللعبة ماكرون وانتهى عن مشروعة.

الولايات المتحدة تحاول الان ان تحولت هذه (المجاميع) الى مشروع سياسي حيث يدعمون الشخصيات والأحزاب اليمينية التي تميل الى العنف واشاعة الكراهية ضد المهاجرين والاسلام وغير ذلك.

اما كيف تتم معالجة هذه (النفايات) فذلك يحتاج الى خطط وبرامج اولها القضاء على العشوائيات ورفع المستوى المعاشي للمواطن وتطوير الخدمات والتعامل بقسوة بحق مروجي المخدرات والمتعاطين بها، وهناك امور كثيرة هو من واجب الحكومات وليس فقط المواطن، والا فان المخطط الاميركي يقضي بزيادة عدد هؤلاء وجعلهم من يسيطرون على القرار السياسي للبلدان على مدى الاعوام المقبلة