• اخر تحديث : 2025-07-14 15:46
news-details
إصدارات الأعضاء

بلا مساحيق.. من يُسيّر من؟.. "إسرائيل وأمريكا بين النفوذ والتبعية تفكيك للعلاقة المركّبة"


قضية "من يحكم من؟" بين أمريكا وإسرائيل ليست مجرد فضول سياسي، بل نقاش نخبوي بامتياز. في هذا المقال، سأحاول  تسلّيط الضوء على التركيبة المعقّدة للعلاقة بين الطرفين، من خلال تحليل دقيق مدعّم بشهادات تاريخية لزعماء صهاينة ورؤساء أمريكيين، تكشف كيف أن إسرائيل ليست مجرد تابع، بل شريك وظيفي يُجيد أحيانًا توجيه المسار من الداخل.
 
اليهود من الهامش إلى النخبة:
لا يمكن الحديث عن "اليهود" بصيغة الجمع المطلق، ما نقصده هنا هو النخب اليهودية العالمية، لا سيما تلك التي تموضعت داخل النظام الرأسمالي الغربي منذ بدايات القرن العشرين، ونجحت في التمركز داخل دوائر المال والإعلام والسياسة.
 
لقد عبّر عن هذا بوضوح "ثيودور هرتزل" مؤسس الصهيونية الحديثة، حين قال: "إذا أردنا أن نحكم العالم، فعلينا أن نتحكم في المال والإعلام".
 
وتطوّر هذا المفهوم مع منظر آخر أكثر تطرفًا، "جابوتنسكي"، الذي دعا إلى ما وصفه بـ"الجدار الحديدي"، ليس فقط ضد العرب، بل ضد أي محاولة لإضعاف المشروع الصهيوني من الداخل أو الخارج.
 
إسرائيل وأمريكا، علاقة وظيفية متبادلة
حين أنشئت إسرائيل عام 1948، كان أول من اعترف بها هو الرئيس الأمريكي هاري ترومان، رغم معارضة وزارة الخارجية الأمريكية آنذاك وقال في مذكراته: "لقد فعلت ذلك لأن بعض أصدقائي من اليهود قالوا لي إن قيام هذه الدولة هو وعد التوراة، وعلينا نحن البروتستانت أن ندعمه".
 
 لم يكن ذلك قرارًا دينيًا فقط، بل أيضًا رهانًا استراتيجيًا على وكيل متقدّم في الشرق الأوسط.
 
بعد عقود، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون: "إسرائيل يجب أن تكون حاجة أمريكية دائمة، وليست عبئًا ظرفيًا"، وهو ما تحقق فعليًا عبر عقود من الدعم السياسي والعسكري غير المشروط.
 
من يقود من؟
صحيح أن أمريكا تموّل وتحمي إسرائيل، لكنها أحيانًا تُقاد من قبلها، عبر أدوات التأثير مثل:
-لوبي AIPAC الذي يتحكّم في قرارات الكونغرس.
-شبكات إعلامية ومالية يملكها أو يديرها يهود أمريكيون بارزون.
 
الرئيس نيكسون صرّح ذات مرة في اجتماع مغلق (كشف لاحقًا عبر تسجيلات), "إذا أغضبنا اللوبي اليهودي، فسوف نخسر الانتخابات والإعلام معًا".
 
أما جو بايدن، فصرّح صراحة عام 2011, "لو لم تكن هناك إسرائيل، لوجب علينا أن نخترعها لحماية مصالحنا في المنطقة".
 
بينما كشف دونالد ترامب بصراحته المعهودة، حين قال عام 2025, "أنا مَن سيمنع محاكمة نتنياهو، لأن إسرائيل تحتاجه  ولن أسمح بسقوطه".
 
هذه الشهادات تُظهر بوضوح أن العلاقة لم تعد علاقة دعم مشروط، بل تداخل عضوي بين المصالح والسياسات.
 
هل اليهود يحكمون العالم؟
ليس تمامًا هذه مبالغة تختزل الحقيقة في نظرية مؤامرة.
لكن من الصواب القول إن نخبًا يهودية نافذة تملك تأثيرًا واسعًا في الإعلام الدولي، والمال العالمي، دوائر القرار الأمريكية والأوروبية.
 
هذا النفوذ لا يعني سيطرة مطلقة، لكنه كافٍ لتوجيه السياسات الكبرى حين تتقاطع مع المصالح الصهيونية.
 
شبكة مصالح لا هرم سلطوي
-ما بين واشنطن وتل أبيب ليست هناك علاقة حاكم بمحكوم، بل شبكة مصالح متداخلة.
-أمريكا دولة عظمى تحتاج إلى وكلاء أمنيين موثوقين.
-إسرائيل تؤدي هذا الدور بكفاءة، وتُجيد التموقع داخل دوائر النفوذ.
-اللوبي اليهودي يتغلغل لا ليُسيطر، بل ليمنع أي تهديد للمشروع الإسرائيلي.
 
خلاصة تحليلية:
السؤال الجواب المتوازن
-هل إسرائيل تابعة لأمريكا؟ نعم رسميًا، لكنها تؤثر على القرار الأمريكي من الداخل.
-هل أمريكا تحكم إسرائيل؟ تدعمها وتموّلها، لكنها تخضع أحيانًا لضغوطها.
-هل اليهود يحكمون العالم؟ لا، لكن النخب اليهودية تملك نفوذًا بالغ التأثير في مراكز القرار.
-من يُسيّر من؟ كل طرف يُمسك بخيوط، في علاقة وظيفية متبادلة قائمة على المصالح.
 
كلمة أخيرة:
العالم لا يُحكم من فوق فقط، بل يُدار من الداخل، من خلال شبكات نفوذ دقيقة، تتحرك عبر المال والإعلام والدين والسياسة.
وفي قلب هذه الشبكة، تقف إسرائيل كحالة فريدة صغيرة في الجغرافية عميقة في التأثير تُجيد توجيه دفة الحليف، دون أن تظهر أنها تمسك بالمقود.