انصبّ اهتمام المجتمع الدولي على آسيا الوسطى في الآونة الأخيرة. تُفسّر هذه الحالة من خلال الأحداث التي وقعت، والتي تتعلّق بشكل مباشر أو غير مباشر بالمنطقة، من وصول "طالبان" إلى السلطة، والأحداث الأخيرة في كازاخستان، وما تبعها من تنشيط منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وما إلى ذلك. على هذه الخلفية، كانت تركيا قد شرعت في إظهار نشاط محدد، طارحةً نفسها على أنها زعيمة "العالم التركي" (الطوراني)، ومحاولةً الانخراط في ما يحدث على قدم المساواة مع الجهات الفاعلة الرئيسية غير الإقليمية، مثل روسيا والصين.
كانت بداية هذا النّشاط قد تلت مرحلة انهيار الاتحاد السوفياتي، ما أضعف أهمية تركيا كبؤر لـ"الكتلة الغربية"، وأدى إلى انتشار تأثير تركيا في جمهوريات آسيا الوسطى المشكلة حديثاً. كأداة رئيسية في هذا السياق، تمَّ النظر في نموذج التنمية التركي، الّذي جمع بين نظام سياسي ديمقراطي علماني، واحترام القيم الإسلامية، وسياسة ذات توجه اجتماعي، واحترام اقتصاد السوق في آن.
وقد استخدمت تركيا عامل التقارب العرقي - الطائفي مع تلك الدول، كحجّة لمصلحة تحوّلها إلى مركز ممثّل لجمهوريات "العالم التركي" في السّاحة الدولية، إلا أنَّ إحجام دول المنطقة عن مواصلة التنمية وفق رؤية "الزعيمة" أجبر تركيا على الاكتفاء بالتفاعل الاقتصادي والثقافي والإنساني معها.
التعاون الاقتصاديّ
من الأدوات الرئيسية التي تسعى تركيا اليوم عبرها إلى تعزيز مكانتها في المنطقة هو تعميق التعاون الاقتصادي. بادئ ذي بدء، تعتبر أنقرة آسيا الوسطى منطقة واعدة للاستثمار في البنية التحتية للنقل. يعد إنشاء طرق سريعة وطرق جديدة أمراً ضرورياً للتغلب على اعتماد البنية التحتية لجمهوريات ما بعد الاتحاد السوفياتي على روسيا. لذلك، تقدم دول المنطقة العديد من المشاريع.
في كانون الأول/ديسمبر 2018، في معرض دول المجلس التركي، لوحظ أنَّ الاستثمارات التركية في آسيا الوسطى تتجاوز 85 مليار دولار. وفي السنوات الأخيرة، استثمرت تركيا في العديد من المشاريع الكبيرة، مثل بناء ميناء دولي في عشق أباد (تركمانستان) وترميم ميناء في تركمنباشي.
علاوةً على ذلك، في العام 2020، استحوذت الشركة التركية القابضة "تاف للمطارات" على حصة 100% في مطار ألماتي (آلما آتا)؛ كبرى مدن كازاخستان. كما أنَّ الخطط المستقبلية طموحة، إذ تعتزم تركيا، مع الصين، تنفيذ مشروع طريق النقل العابر لبحر قزوين، وهو الشريان الذي سيربط بين دول العالم التركي. من خلال بناء الممرّ، ستوفر تركيا لنفسها مدخلاً مباشراً إلى آسيا الوسطى، ما سيزيد من تصدير السلع، وكذلك استيراد المواد الخام. المنطقة أيضاً تهم أنقرة من حيث تنويع إمدادات الطاقة لتركيا.
تسعى أنقرة لزيادة إمدادات النفط الكازاخستاني عبر خطّ أنابيب باكو - تبيليسي – جيهان، والغاز التركماني عبر خط أنابيب الغاز العابر للأناضول، وهو جزء من مشروع ممر الغاز الجنوبي. يشهد مثل هذه الخطط على أن أنقرة تنوي أن تصبح "مركزاً للطاقة" في أوراسيا، إذ ستتلقى أوروبا من خلالها الغاز من روسيا وآسيا الوسطى وأذربيجان وشرق البحر المتوسط.
تجدر الإشارة إلى أنَّ الاحتياطي الحالي لتنفيذ أهداف أنقرة ليس صغيراً، إذ تتمتع تركيا بهيكل اقتصادي يختلف اختلافاً جوهرياً عن دول آسيا الوسطى. وبفضله، تستطيع تلبية مطالب دول المنطقة من البضائع التي لا تنتجها تلك الدول.
ومع ذلك، إنَّ حجم الصادرات محدود بسبب نقص البنية التحتية المتطورة. من 2010 إلى 2020، نمت التجارة بين تركيا ودول آسيا الوسطى من 5.5 مليار دولار إلى 6.3 مليار دولار، وهذا الرقم يزيد قليلاً على 1.5% من إجمالي حجم التجارة الخارجية لأنقرة، ما يشير إلى أنَّ هناك إمكانية لنمو تركيا.
الأهمّ من ذلك كلّه أنَّ الأعمال التجارية ناشطة بين تركيا وأوزبكستان وكازاخستان، ويتجاوز حجم التجارة مع كلٍّ منهما ملياري دولار، إلا أنَّ تركيا ليست حتى في المراكز الثلاثة الأولى في قائمة الشركاء التجاريين الرئيسيين لهاتين الجمهوريتين، إذ يصعب عليها التنافس مع روسيا والصين، ونجاح أنقرة في تعزيز وجودها الاقتصادي في آسيا الوسطى يتضاءل مقارنة بإنجازات اللاعبين الأكثر أهمية.
التعاون العسكري
وإضافة إلى تعميق التعاون الاقتصادي، تسعى تركيا أيضاً لتعزيز العلاقات مع دول آسيا الوسطى في المجال العسكري. نحن نتحدّث، أولاً وقبل كلّ شيء، عن اتصالات ثنائية مع دول المنطقة وصلت مؤخراً إلى مستوى جديد. اليوم، تُناقش بنشاط فكرة إنشاء "جيش طوران"، أي كتلة عسكرية بمشاركة دول العالم التركي.
اتخذت الخطوات الأولى نحو هذه المبادرة في العام 2013، بعد تأسيس منظمة وكالات إنفاذ القانون العسكري الأوروبية الآسيوية (TAKM)، والتي شملت تركيا وأذربيجان وقيرغيزستان ومنغوليا. كما أعربت كازاخستان عن رغبتها في الانضمام إليها. كان الغرض من هذه المنظمة هو تطوير التعاون بين أعضاء وكالات إنفاذ القانون العسكرية في الدول المشاركة، وحدّدت مهمة مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب والتهريب في القوقاز وآسيا الوسطى. ومع ذلك، لم تحقق هذه المنظمة نجاحاً كبيراً حتى الآن، على الرغم من أنها كانت المحاولة الأولى لإنشاء نموذج أولي لمنظمة عسكرية تملك القدرة على أن تصبح منصة للتواصل بين جميع وكالات إنفاذ القانون في المنطقة تحت قيادة أنقرة.
بدأت المحادثات حول تعزيز التعاون العسكري بين تركيا ودول آسيا الوسطى بعد استئناف الصراع في كاراباخ في العام 2020. في تشرين الأول/أكتوبر 2020، في خضمّ الأعمال العسكرية، زار وزير الدفاع التركي خلوصي أكار كازاخستان وأوزبكستان. خلال الزيارة، تم التوقيع على اتفاقية للتعاون العسكري والأمني التقني بين تركيا وأوزبكستان، كما نوقشت الشراكة الاستراتيجية التركية الكازاخستانية، واعتبر الخبراء أن هذه الجولة الصغيرة بمثابة بداية مشروع لإنشاء جيش طوراني موحد.
تكثّف الحديث عن "جيش طوران" مرة أخرى بعد زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى أوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان في آذار/مارس 2021. ويمكن أن يساعد إنشاء كتلة عسكرية سياسية بقيادة أنقرة على تعزيز موقف تركيا على المستوى الإقليمي. ومع ذلك، وعلى الرغم من طموح المشروع، قد تتداخل عدة عوامل مع خطط تركيا في آنٍ واحد. أولاً، قد تعتبر القوى المؤثرة الأخرى في آسيا الوسطى، مثل روسيا والصين وإيران، أن تشكيل "جيش طوران" يشكل تهديداً لأمنها. ثانياً، لا ينبغي أن ننسى أنَّ كازاخستان وقيرغيزستان عضوان في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وأن تركيا نفسها عضو في الناتو.
عندما تنضم هذه الدول إلى الكتلة الجديدة، سيظهر السؤال حتماً حول أي وضع ستؤول إليه التحالفات التقليدية، وما إذا كانت هذه الدول ستبقى ضمن تلك التحالفات. أخيراً، قبل إنشاء "جيش طوران" التركي، من الضّروري أولاً تحقيق المزيد من التقدم في مجالات أخرى من التعاون مع دول آسيا الوسطى، فالافتقار إلى مستوى مناسب من الدعم في الموارد بمعناه الواسع يمثل عقبة أمام التكامل العسكري.
القوة الناعمة
اعتمدت تركيا على استخدام مجموعة واسعة من أدوات القوة الناعمة في آسيا الوسطى، إلى جانب الاقتصاد، منذ التسعينيات، فتشكّل أساس السياسة التركية في المنطقة إلى حد كبير وفق عدة اتجاهات رئيسية، من بينها يستطيع المرء أن يميز السياسة المتعلقة بتعميم اللغة التركية والثقافة والتاريخ، وبمعنى واسع التربية والتعليم.
في إطار السياسة المنفّذة، يمكن تمييز العديد من الأهداف والأولويات الرئيسية التي تسعى إليها تركيا، وهذا يشمل تطوير "هوية طورانية جديدة" تحت قيادتها، تستند أساساً إلى فكرة المجتمع الثقافي والديني الذي يشكل مجموعة واحدة من القيم التي تكمن وراء النظرة العالمية لسكان البلدان الناطقة بالتركية.
في المستقبل، سيكون هذا بمثابة أساس للتّفاعل الفعال على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. علاوةً على ذلك، فإنَّ الحفاظ على العلاقات مع ذوي الأصول الطورانية، القادرين على الضغط على مصالح البلاد في الخارج وخلق ظروف مؤاتية لتطوير أنشطتهم، له أهمية خاصة بالنسبة إلى تركيا. يتم ضمان ذلك، أولاً وقبل كل شيء، من خلال تعزيز المعارف المتعلقة بتاريخ تركيا
والشعوب الطورانية وثقافتها ولغتها وتعميمها، من خلال إنشاء برامج للأطفال الثنائيي اللغة، وتنظيم الأنشطة التعليمية المتعلقة بتاريخ البلاد وثقافتها، وتنفيذ برامج تعليمية...
كما أنَّ مهمة إنشاء "صورة جديدة للبلاد" والحفاظ عليها لا تقل أهمية بالنسبة إلى تركيا التي شهدت تحولاً كبيراً منذ العام 2010، فقد وضع "النموذج التركي" في البداية على أنه توليفة فعالة للقيم الإسلامية والمبادئ الاجتماعية الديمقراطية واقتصاد السوق المزدهر؛ فمنذ العام 2010، بسبب عامل السياسة الخارجية ("الربيع العربي") والعوامل السياسية المحلية (تحول سياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم)، بدأت تركيا بالتركيز على صورة "المدافع عن المسلمين والطورانيين" في جميع أنحاء العالم.
لتحقيق هذه الأهداف، تنتشر بفعالية منتجات الثقافة الجماهيرية التركية، كصناعة السينما وقطاع الترفيه ككلّ. وبالتالي، باتت هناك أرضية في الوعي العام لدول المنطقة، وهي ضرورية لتعزيز مكانة تركيا على المستويات الثقافية والتاريخية والدينية. بالتوازي، كثّفت تركيا سياسة تقديم الدعم الإنساني لبلدان المنطقة، والتي لم تشمل المدفوعات النقدية وشطب الديون، مثل مشاريع البنية التحتية واللوجستيات في مناطق محددة.
المؤسّسات التركيّة
تُعد المؤسّسات التركية في آسيا الوسطى أحد أكثر العناصر إثارة للجدل، إذ إنَّ لديها شبكة واسعة من المؤسَّسات التي تستخدمها تركيا كقائدة للمنطقة بشكل مكثّف منذ التسعينيات، لكن لا يمكن إنكار الفعالية المنخفضة لهذا الهيكل الاسمي للمؤسسات إلى حد كبير. في هذا الصدد، يبدو من المهم أخذ هذا الجانب في الاعتبار عند دراسة سياسة تركيا ومواقفها في المنطقة، وتقسيم شبكة المؤسسات القائمة إلى عدة كتل في سياق السياسة التركية في المنطقة.
تتمثَّل الكتلة الأولى من المؤسّسات بمجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية (منذ العام 2021 - منظمة الدول الطورانية) ومجموعة من المنظمات العاملة تحت رعايتها. تضع تركيا هذه المنظمة اليوم كمنصة مركزية للتكامل والتفاعل بين دول "العالم التركي". تتجلى رغبتها في زيادة أهمية هذه المؤسسة من خلال مشاركتها في عملية حل الأحداث الأخيرة في كازاخستان. اليوم، بين أعضاء المنظمة أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركيا وأوزبكستان. وفي إطارها، توجد فروع، مثل المنظمة الدولية للثقافة التركية، والجمعية البرلمانية للبلدان الناطقة بالتركية، والأكاديمية التركية الدولية، وكذلك مؤسسة الثقافة والتراث التركية.
تشارك هذه المؤسسات في نشر الروابط الثقافية وتقويتها، وتعزيز الحوار السياسي، وتطوير البحث والتطوير في دراسة "العالم التركي"، وكذلك الحفاظ على التراث الثقافي وحمايته. عند الحديث عن الهدف العالمي لهذه الكتلة المؤسسية، تجدر الإشارة إلى أنَّها تهدف إلى تطوير التكامل الفعال بين ممثلي "العالم التركي" على أساس تعزيز الروابط الثقافية والتعليمية والاجتماعية والسياسية
والاقتصادية. كلّ هذا يعتمد على أطروحات تركيا حول مفهوم وجود "عالم تركي واحد"، وبالتالي الهوية التركية.
ترتبط الكتلة الثانية من المؤسسات بالمسار التنوري، وبمعنى أوسع، الاجتماعي والثقافي لنشاط تركيا، والذي يشكل أساس سياسة البلاد في آسيا الوسطى. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنشطة "مؤسسة يونس إمري" مع "معهد يونس إمري" الذي يعمل على أساسها، إضافة إلى مكاتبها التمثيلية حول العالم، في شكل مراكز يونس إمري الثقافية. على الرغم من أنّ هذه المراكز ليس لها تمثيل في بلدان آسيا الوسطى اليوم، فإنّ المؤسسة تنفذ مشاريع ونشاطات تركز على المنطقة وسكانها.
مؤخراً، اضطلعت المؤسسة في تعميم التعليم التركي، فضلاً عن تطوير علاقات تركيا الدولية على طول هذا الخط، والإشراف على عمل المؤسسات التعليمية التركية في الخارج، والنظر جزئياً في قضايا الحصول على فرص تعليم للأجانب في تركيا. إضافةً إلى ذلك، فإنَّ أنشطة مكتب الأتراك في الخارج وجمعياته مهمة أيضاً في العمل مع المواطنين، إلى جانب برنامج المنح الحكومي "المنح الدراسية التركية"، فهي تعزز التعليم التركي، فضلاً عن دراسة اللغة التركية اللغة والتاريخ والثقافة في الخارج، وبطرق عديدة، في بلدان آسيا الوسطى، والتي تتّجه إليها جميع مؤسسات هذه الكتلة.
كما تُنفذ الأنشطة الداعمة في إطار التوجه الاجتماعي والثقافي من قبل منظمات مثل مكتب الشؤون الدينية (ديانت)، الذي يعمل في أكثر من 140 دولة حول العالم، ويساهم في التعليم الديني وتعريف السكان بالقيم الثقافية، من خلال شبكة من المدارس والجامعات والدورات التعليمية وما إلى ذلك.
الكتلة الثالثة تتمثل بالمنظمات الإنسانية، وهي مرتبطة بالعمل على تنفيذ مقترحات أحمد داوود أوغلو لسياسة إنسانية تستهدف الإنسان وتحسين ظروف وجوده بالمعنى العالمي. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة هنا إلى أنشطة الوكالة التركية للتعاون الدولي والتنمية، التي أُنشئت في الأصل للتركيز على جمهوريات آسيا الوسطى. هذه الوكالة هي الجهة الرسمية الرئيسية الممثلة لتركيا كعضو في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد وسعت أنشطتها إلى ما هو أبعد من آسيا الوسطى، ونفذت مشاريع في الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية وما إلى ذلك.
اليوم، تركيا هي واحدة من الجهات المانحة للمساعدات الإنسانية، وأحد القادة، وفق هذا المؤشر، بنسبة مقتطعة من الدخل القومي الإجمالي للبلاد. لقد تغيّر المتلقون الأساسيون بشكل كبير خلال العقد الماضي، ما أدى إلى تحويل الاتجاه نحو الشرق الأوسط ودول أفريقيا، ولكن لا يزال المتلقون يشملون قيرغيزستان وكازاخستان. إضافة إلى ذلك، هناك عدد من المنظمات الداعمة، مثل "كازلاي" و"آفاد"، والتي تعتبر مهمة في سياق السياسة الإنسانية لتركيا بشكل عام. ومع ذلك، ليس لديها مثل هذا التوجه الواضح في آسيا الوسطى.
بناءً على ما سبق، تحتلّ تركيا اليوم مكانة في العديد من مناطق العالم في وقت واحد، بما في ذلك "العالم التركي"، ما يؤكد أهميتها العالمية كمركز متزايد للقوة داخل النظام الدولي المتعدد الأقطاب، ويجعل سياستها في آسيا الوسطى أكثر بروزاً. في الوقت نفسه، على الرغم من النشاط والطموحات الموضحة، فإن لهذه السياسة عدداً من الميزات. غالباً ما يُرسم خط موازٍ بين تصرفات تركيا في آسيا الوسطى وسياسة "العودة" الروسية إلى الشرق الأوسط منذ العام 2015، إلا أن تركيا تبقى لاعباً ثانوياً في آسيا الوسطى، وهو ما تؤكده الإجراءات المحدودة في المسائل الأمنية وعدم قدرتها على التدخل المباشر في عملية حل عناصر الأزمة، وهو أمر من اختصاص الاتحاد الروسي في المقام الأول.
لهذا السبب، على الرغم من الخطاب النشط بشأن مسألة التعاون العسكري، يتم التركيز بشكل خاصّ على تلك المجالات التي يكون فيها تأثير اللاعبين الآخرين محدوداً. لذلك، على سبيل المثال، ينحصر الحديث بالثقافة والتعليم والاقتصاد والمكون الإنساني.
ومع ذلك، فإن هذا النوع من التوجه لم يصل حتى الآن إلى النجاح والفعالية، بالنظر إلى الطبيعة المحددة لظهور نتائج أدوات السياسة الخارجية غير التقليدية. كما يبدو أيضاً أنَّ عدم النجاح على طريق "إدخال" المنطقة تحت "القيادة" التركية وانتشار التفاعل الثنائي القائم أساساً على أيديولوجية القومية التركية يشكّلان كذلك تقييدات لأفعال تركيا.
وتظل فعالية الإطار المؤسساتي القائم للتفاعل منخفضة. أخيراً، ربما تكون إحدى النقاط الرئيسية هي افتقار تركيا الموضوعي إلى الموارد الداخلية الكافية (المالية والعسكرية والتكنولوجية وما إلى ذلك)، مقارنةً بالجهات الفاعلة غير الإقليمية الأخرى في آسيا الوسطى (في المقام الأول روسيا). في الوقت نفسه، لا يزال هناك عامل آخر، وإن كان أقل وضوحاً، يتمثل بالطبيعة المتعددة الاتجاهات للنهج التركي للسياسة الخارجية.
يشير كلّ هذا إلى أنه على الرغم من النشاط الواضح للسياسة التركية في آسيا الوسطى وطموح خططها، فضلاً عن التراكم الحالي لتنامي نفوذها في المنطقة، يبدو أنها مبالغ بها من نواحٍ كثيرة وغير قابلة للتطبيق على المدى الطويل. ومع ذلك، فإنَّ هذا لا ينفي الأهمية المتزايدة للدولة بالنسبة إلى آسيا الوسطى ككل، في سياق بناء استراتيجيات دول أخرى مثل روسيا.
في رأينا، إنَّ الشّرط الأساسي لتطور الوضع في تركيا إيجابياً هو تعزيز الكتلة الاقتصادية للتعاون مع دول المنطقة، فالكتلة الاقتصادية، إن تعززت، لن تكون مكمّلاً لإجراءات تركيا في المجال الثقافي والعلاقات الإنسانية فحسب، بل ستشكّل أيضاً أساس النفوذ التركي في المنطقة.
المقالة: "آسيا الوسطى بين تركيا وروسيا: الطموحات ومبرراتها". غريغوري لوكيانوف، نوبارا كلييفا، أرتيمني ميرونوف/ المجلس الروسي للشؤون الدولية.