• اخر تحديث : 2024-04-19 15:15
news-details
إصدارات الأعضاء

كينز واقتصادنا السوري الحالي؟!


رحم الله عالمنا الاقتصادي الكبير جون ماينارد كينز الذي عاش بين سنتي 1983 و1946وعاصر الحربين العالميتين الأولى والثانية وساهم في وضع رؤى وإجراءات للخروج من الكثير من المشاكل وتداعيات الحرب وخاصة الاقتصادية منها، ولهذا أطلق عليه البعض (الطبيب المسعف) للرأسمالية الغربية خلال أزمتها العالمية المعروفة بأزمة (الكساد الكبير) بين سنتي 1929 و1939، ورغم تميزه في علم الاقتصاد وخاصة الاقتصاد الكلي (Macroeconomics) فكان يقول وهو العالم الاقتصادي الكبير (أن علم الاقتصاد من اصعب العلوم) وكان يحزر من (الشعبوية والحكواتية الاقتصادية)، ويعتبره الكثير من الاقتصاديين أنه الاب الروحي للاقتصاد الكلي بسبب تركيزه على دور الحكومة في المجال الاقتصادي وبما يخالف أراء المدرسة الكلاسيكية السائدة في تلك الفترة وخاصة أفكار (أدم سميث ودافيد ريكاردوا).

ونظرا لمكانته الاقتصادية فقد تقلد مسؤوليات كبيرة في وزارة الخزانة البريطانية، وخاصة بعد ان اطلع رئيس الحكومة البريطانية (ونستون تشرشل) على كتابه (النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود) وتركيزه على وضع آلية للخروج من الازمة الاقتصادية العالمية التي تختلف عن المشكلة الاقتصادية من ناحية الطبيعة والتكوين والمعالجة والتنظيم والعمق والتأثير والمعالجة والحلول وغيرها، وأكد ان أزمة الكساد الكبير سنة 1929 من اخطر الازمات وفيها تراجع الإنتاج والتجارة وزاد معدل البطالة عن 30% في أمريكا وبريطانيا، وتجددت قراءة أفكاره خلال أزمات 2007 و2008 و2009 و2020، وهذا ما دفعني للكتابة عنه،  فنحن في سورية وبعد حرب يكاد يمر عليها 11 سنة لدينا مشاكل اقتصادية ولم نصل والحمد لله  إلى الازمة الاقتصادية وهذا يسهل أمور المعالجة.

ولكن تجدر الإشارة إلى ان المشاكل قد تتحول إلى ازمة إذا لم توضع الحلول لها، وهذا يأتي من تداخل وترابط مكونات الاقتصاد مع بعضها البعض، وان سقوط أي مكون يساهم في سقوط المكون الآخر بما يشبه (لعبة الدومينو)، أما الازمة الاقتصادية فهي التدهور الحاد في الحالة الاقتصادية وتتجلى في تراجع الدورة الاقتصادية من إنتاج وتوزيع وتبادل وإعادة إنتاج وتسيطر حالة الكساد والركود والتضخم من ثم الركود التضخمي وهو أسوأ الامراض الاقتصادية العصرية، وهذا يتطلب تحليل المشكلة بعقل اقتصادي هادئ لوضع  حل لها وبعقلية تخصصية وليس (حكواتيه اقتصادية) فلعلم الاقتصاد خصوصيته، وركز كينز على دور الحكومة في تفعيل النشاط الاقتصادي خلال الازمات وعارض النظرية الكلاسيكية لكل من (أدم سميث ودافيد ريكاردو) وهما من كبار  علم الاقتصاد الجزئي(MECROECONOMICS)  وهو العلم الذي يدرس سلوك الكيانات الاقتصادية المستقلة كالأسواق والشركات والنشاط الاسري، وخاصة انهم  دعوا إلى عدم تدخل الحكومة في الحياة الاقتصادية لقناعتهم  أن (الحكومة رب عمل فاشل)، وهذا دفع بعض الباحثين إلى الاعتقاد ان كينز هو من اتباع النظرية الماركسية لتركيزه على دور الدولة، لكنه دحض هذا بقوله وحسب تصريحه عن الماركسية (كيف يمكن لمثل هذه العقيدة غير المنطقية والخرقاء أن تؤثر بقوة على عقول الرجال  ومن خلالهم  على أحداث التاريخ) ونحن هنا لا نتفق معه، بل كان يعتز بأنه  يمثل النخب الرأسمالية وكان يكرر عبارة (كان يجب أن أتناول المزيد من الشمبانيا) لأن كان تناول مشروب (الشمبانيا) في ذاك الوقت دارجا بين الأوساط الرأسمالية  الغنية، ويقول  (إن المشكلة السياسية للإنسانية هي الجمع بين ثلاثة أشياء وهي الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والحرية الفردية)، ويقول (قد أتأثر بما أعتبره عدالة وحسًا جيدًا، لكن الصراع الطبقي سيجدني إلى جانب البرجوازية المتعلمة)، ومما سيق يتبين لنا ان كينز لم يكن من مؤيدي الماركسية بل بالعكس كان من خصومها.

وله أيضا اقوال في غاية الأهمية ومنها (في الازمات علينا أن نستخدم رؤوسنا أكثر وأيدينا وارجلنا أقل) إذا أردنا تحقيق أهدافنا، وأيضا (الاستثمار الناجح هو الذي يتوقع توقعات الآخرين أي المستهلكين) أي أنك كمستثمر يجب ان تنتج لتلبية طلب الاخرين  وليس ما تريده، ومن هنا ركز على ان دور الحكومة يتوقف على تنظيم العلاقة بين (الطلب الإجمالي الفعال والعرض الكلي) على  السلع والخدمات، وهذا سيؤدي وفي حال تحقيق ذلك على تفعيل الدورة الاقتصادية وتقليل معدل البطالة وتحسين الدخل وزيادة الاستهلاك، والحكومة يجب ان تدعم بشكل أساسي (الاستهلاك والاستثمار) والابتعاد عن (اقتصاد الكازينو) أي اقتصاد الفقاعات، واكد أن عدم تدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي بشكل فعال  سيؤدي إلى كوارث عميقة، وأخيرا نقول وكوجهة نظر خاصة أو ذاتية أن كينز أروع من تخصص بعلم الازمات الاقتصادية فما احوجنا لفكره التخصصي.